تلاشت "صرخة" بعض المفجوعين من الطائفة العلوية، في وديان الواقع والتخويف، ولم تأخذ ما تستحق، بعد المحاصرة واعتقال بعض من رفعها ودعا إليها. حتى على صعيد الإعلام والتحريض، علها تكون صحوة وإن متأخرة، يمكن التعويل عليها لدرء المخاطر المقبلة التي لن تفرق بين ركاب السفينة السورية وقت تعلو أمواج الموت والتلاشي، رغم التعويل والوعود، على ترك السفينة بعد خرقها، واستقلال غيرها ضمن أمل التقسيم الموعود.
ولم تتعدَّ "حملة صرخة" التي أطلقها بعض أهل قتلى الجيش في مدن الساحل السوري، لوقف إرسال بنيهم إلى معارك الموت، كونها ردة فعل على أعداد التوابيت الهائل خلال الشهر الفائت التي قتلها النظام الأسدي عبر رميها في وجه الثورة والتمدد الداعشي، فبعض الأخبار قالت عن 900 جثة قتيل من الجيش واللجان الشعبية وصلت اللاذقية وطرطوس إثر معارك الفرقة 17 واللواء 93 وجبل الشاعر.
قصارى القول: قد يكون من اللامنطق قياس الحملة ومن قام بها وظروفهم وفق مسطرة المراقب الخارجي، ليس فقط لأن من هم في الساحل مخطوفون من قبل العصابة الحاكمة، بل ولأن ثمة أحقادا تنامت عبر القتل وحملات التأليب الطائفية التي لم توقف منذ تشخيص المستشارة بثينة شعبان بعد أحداث درعا بأيام، حتى يومنا هذا.
والتي تغذت وتنامت بعد الذي يجري في الجزيرة السورية وريف حلب الشمالي، من ذبح وإطلاق شعارات ووعيد، ما وضع ثعالب النظام في موقع المتنبئين الذين كشف الله عن بصيرتهم، وزاد من موقف المغيبين جماعة "ألم نقل لكم منذ البداية؟".
ولكن، وفي المقلب الآخر، وفي محاولة لقراءة هادئة لما حدث أخيراً عبر حملة ضرخة " الكرسي إلك والتابوت لأولادنا" نلاحظ استنتاجاً أن هذه الحملة وسابقاتها لم يقم بها أهلنا في الساحل لوقف نزيف دم إخوتهم في حمص وريف دمشق وحلب، بل ولم نسمع عن حملات حتى خلال استخدام النظام السلاح الكيماوي بحق أهليهم في غوطة دمشق التي تصادف اليوم ذكراها المؤلمة الأولى، فرغم سقوط أكثر من 1500 قتيل يومئذ، لم نر استنكاراً أو "صرخة" من إخوتنا بالوطن.
وأكثر من ذلك، فقد بلغ الحقد والنكوصية بالبعض، أن وزّع حلوى ورقص وعبر على نحو ثأري إجرامي، وقت قتل إخوتهم في ريف دمشق والقصير والمليحة. أو وثق إجرامه عبر تصوير فيديو ونشره خلال تعذيبه المعتقلين حتى الموت، أو خلال إلقاء براميل الحقد على حلب الشهباء.
أما إن أردنا تحليل الشعار بحسب ما طرحه أهلونا في الساحل"الكرسي إلك والتابوت لأولادنا" فيمكننا القول إن ثمة عتبا على بشار الأسد لعدم عدالته في توزيع الغنائم، رغم ما شاهدناه من غض طرف الرجل عن سرقات البيوت وسبي الأعراض وفتح أسواق للسنة وعلى مرأى النظام القومي الممانع.
ويمكن التحليل، لو أن ثمة عدالة في منح فرص مكاسب الثورة وظلال الكرسي، لما خرج الأشقاء في محاولة للتذكير بأننا نقتل ولا نلقى أثمان دمنا.
نهاية القول: أكرر، ليس من المفيد تأليب أي رماد يخرج من تحته جمر يزيد سوريتنا احتراقاً، لكن التاريخ لن يغفر للصامتين عن جرائم النظام، فكيف لجهة المشاركين والقاتلين، والجميع رأى ولمس وأيقن، أن جميع الوعود التي أطلقها النظام الآثم، منذ أحداث درعا الأولى، إن لجهة استعادة الأمن والأمان والقضاء على الإرهابيين، أو ما يتعلق بالمؤامرة الكونية واستهداف النظام الممانع للمشاريع التقسيمية وللتمدد الصهيوني والرجعي، ماهي إلا شعارات كاذبة لا تبتعد مراميها عن قوائم كرسي التوريث، ولو أن النظام العلماني يمانع الأنظمة الرجعية، فالأولى به أن يعادي الحكم الثيوقراطي في طهران، لأنه الوحيد في العالم، إلى جانب تل أبيب الآن، الذي يقوم على اعتبارات دينية نكوصية ثأرية.
أعتقد أن الأمل مازال قائماً على الساحل وبعض من فيه، لأن الجميع تأكد أن بقاء النظام في السلطة سيزيد من فاتورة الدم والقصاص والنار، وكل يوم يتأخر فيه حماته من اقتلاعه، إنما يزيد من استحالة التعايش وتلاشي الأمل للجميع.
قد يكون ثمة سذاجة في تعويلي على من صمت لسنوات، لكنه الواجب الوطني الذي يملي عليّ مناشدتهم كما يفرض عليهم التحرك، لأن الدم سيجر دماً وسوريا الواحدة المتعايشة قبل وصول الأسد الأب للسلطة، والذي كرّس فيها الطائفية والطبقية، يجب أن تعود موطناً للجميع، فالإلغاء حل الأغبياء كما الوقوف مع الظالمين سلوك النكوصيين.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية