حماة مدينة طمع الغزاة بها منذ القديم عابرون أو ماكثون بها من السومريين إلى الحثيين فالآراميين والرومان والتتار والمغول والعثمانيين والفرنسيين.
هذه المدينة المملكة الكنعانية المأهولة منذ 4000 سنة ق.م مع تلك الأطماع تعني أن جذورها ممتدة في التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والفكر والأدب وكافة العلوم الأخرى أيضاً ولولا ذلك ما مر عليها هؤلاء.
فحماة ليست قرية صغيرة تشمخ على قمة جبل ولا أهلها مهربو تبغ وقطاع طرق، بل هي شامخة بدون جبل كريمة في وادي العاصي رفيقة له رجالها كرام وأحرار.
وإن جميع من مر عليها أخذ منها وأعطاها وحافظ على ما فيها وزادها، إلا القرامطة عام (904م) قتلوا أولادنا وسبوا نساءنا ومزقوا كل دفاترنا وحطموا أقلامنا واغتالوا نور العيون فينا وسرقوا تاريخنا وأطفؤوا قناديل شوارعنا ووقفوا ينظرون قيامتنا فقمنا واندحروا.
وكذلك قامت عصابات الأسد في يوم 2/2/1982 عندما دخلوها حاقدين فقتلوا أهلها ومحقوا رزقها وسرقوا أموالها ونهبوا متحفها وسلبوا منه تراث هذه المدينة المملكة لاسيما صندوق جميع المصكوكات والعملة المعدنية المتداولة في حماه منذ ماقبل التاريخ، والتي هي عبارة عن الروزنامة الاقتصادية التي يستطيع الباحث استنباط كافة المفاهيم والقوانين والنواظم الصناعية والتجارية والزراعية والاقتصاد السياسي لهذه البقعة الجغرافية من خلال كشف المعادن والخلائط والقوالب والمكابس التي تم الصك بها إلى اللغات التي زينتها وصور القادة والشعارات التي احتلت وجهيها والآيات القرآنية التي كست وجهها الإسلامي. لتختصر المعادلات الاقتصادية والمالية وتفصح عن دلالات هوية الأمم التي مرت عليها، فتفسر حضارة مدينتي وأمجادها التاريخية وأبعادها الجغرافية على امتداد التداول منذ 4000 سنة ق.م وحتى هذا التاريخ المشؤوم.
ولولا قوة وجبروت هذه المدينة وأهميتها ما صكت عملة ذهبية أو فضية أو برونزية لأننا لم نسمع في التاريخ أن قرية في قمة جبل أو على تخوم جرده صكت عملة لمجرد شموخها عليه.
إن سرقة هذا الأثر من متحف حماه يدل دلالة واضحة على الحقد الدفين على هذه المدينة وتراثها وتاريخها وأهلها وشعبها، وممن؟ من المارقين على تاريخنا الذين عاثوا في الأرض فساداً، هؤلاء الحشاشون القتلة المأجورون الذين امتهنوا الاغتيالات والهاربين إلى جرود الجبال وقممها.
وبعد أن روى لي صاحبي آنذاك عن سرقة هذا الصندوق من متحف حماه ونتيجة لقليل من التحري علمت أن المتحف نهب إبان مجزرة حماه الأولى 1982 مرتين الأولى شملت الكنوز الكبيرة والآثار الكثيرة، والثانية حينما عاد الناهبون ليبحثوا عن صندوق المصكوكات هذا تحديدا فيأخذوه ويعودوا أدراجهم.
وكذلك وفي الآونة الأخيرة في ثورة الكرامة نشرت صحيفة "الفداء" التي تصدر في مدينة حماه عن فقدان بعض القطع الأثرية التي تدل عن تاريخ هذه المدينة. فقد أيقنت أن وراء جميع ما حدث ويحدث في حماة على أيدي هؤلاء الحشاشين بالمعنى السياسي للكلمة حقدا دفينا له حكايات أخرى تضيق عنها سطوري.
واليوم علمت أنهم أحرقوا إحدى نواعير حماة كرهاً بعنينها الدائم على حال سوريا وشعبها، وإمعانا منهم في إبادة أوابدها ومعالمها المشرقة لا لشيء إلا لأنهم يفتقدون لتاريخ مشرف.
عزائي لكم يا أهلي في حماة ويا شعبي في سوريا ويا أيها العاصي الأشم على اغتيال ناعورة الجعبرية.
ولكن عبثا يحاول الأرعن طمس تاريخ حماة لأن أولادها قادرون على إعادة بناء وتشكيل وإحياء الناعورة لتشدو وتطرب أهالي حماة كل يوم.
المحامي صدام عكاش*
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية