أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أبو الفضائيات يهدد المنتجين العرب: الي أين تريد الام بي سي الذهاب بنا؟


تسع صفحات ملونة أفردتها إحدي المجلات السعودية للحديث مع (أبي الفضائيات العربية) السيد وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، ما يعنينا بالدرجة الأولي ان هناك الكثير من اشارات الاستفهام تتحول إلي نقاط أو إشارات تعجب حين قراءة الحوار، فهو بالفعل يشير إلي العقلية والآلية التي تعمل بها مجموعة الأم بي سي الأشهر في فضائنا العربي والأكثر إثارة للجدل بعد الجزيرة أو بموازاتها.
مفاتيح فهم ما يحدث في الإعلام العربي تتمثل في أصحابه ومن يملكونه، فعندما نفهم كيف يفكر هؤلاء، ومع من يتعاملون، ومن هم مدرسوهم، وما هي توجهاتهم ومن يقف خلفهم، ومن يعمل معهم وكيف تبني قراراتهم، وما هي غايتهم ربما يسهل كثيرا علينا فهم ما يبث، وينتج، وما سيبث وسينتج.
لقاء السيد وليد الإبراهيم آل إبراهيم هو فرصة كبيرة لفهم آلية عمل مؤسسة ضخمة لا يمكن تجاهلها بحجم الام بي سي.

الآخر في عتمته

يؤكد السيد وليد آل إبراهيم ان مسؤولية الإعلام العربي تزايدت بعد أحداث أيلول (سبتمبر) ولكن يجب القول إن ردود الفعل العنيفة والمعممة في الغرب لم تساعدنا علي إيصال رسالتنا، فقد حاكم هؤلاء العالم العربي والإسلامي بأجمعه لكنه يضيف ويقول مسوغا هذه النظرة والطريقة في الرؤية: لا نلوم الغرب والغربيين، فردود الفعل هذه متوقعة، لا بل وطبيعية والتاريخ لديه شواهد طبيعية من نفس النوع عندما قام الأمريكيون باعتقال مئات اليابانيين في مخيمات للتحقيق أيام الحرب مع اليابان .
الملفت هنا هو هذا التسامح الفريد ليس في قبول الآخر فهذا أمر لا يقبل الشك لمن امتلك الحد الأدني من المحاكمة العقلية. إنما هذا التصالح مع انتقام الاخر والتسويغ المرعب والتصالح مع فكرة غوانتنامو والسجون السرية، والاضهاد المباشر وغير المباشر من قبل سجان وقاتل، ومحتل أيضا، فكيف يمكن قبول إرسال عشرات الأبرياء للتحقيق وتعريضهم لأقسي ظروف ويسميها بأنها ردود أفعال متوقعة (ولا بل طبيعية)؟
لا نريد محاكمة آراء (الشيخ وليد) السياسية إنما محاولة فهم كيف تنعكس هذه الآراء علي مجموعته الإعلامية الكبيرة.
ـ أنت متهم بنقل الحياة الغربية ومفاهيمها إلي المجتمع العربي، سؤال وجهته إليه الصحفية، إجابته تضعنا مباشرة في قلب ما تعرض شاشة أم بي سي أكشن و(أم بي سي 2).
ـ (علينا فهم الآخر، لقد انعزلنا في الماضي بما يكفي، علينا مواجهة العالم كما هو عليه، ليس بالضرورة تقليد الآخرين في أسلوب حياتهم، ولكن من المهم ان نفهمهم ونتعرّف أكثر إلي قيمهم وطرق تفكيرهم وأنماط حياتهم).
يريد (الشيخ وليد) أن يكسر حواجز عزلتنا الثقافية والإعلامية عبر الوسيلة التي يعرف تمام المعرفة انها المرجعية الثقافية والتعليمية والترفيهية والإنسانية وربما العاطفية الأولي للإنسان العربي وهي التلفزيون. فيختار لها قناة كاملة تعني بالأكشن والتشويق والإثارة ولنلق نظرة علي برامج هذا الأسبوع من أم بي سي أكشن لنجد انها جميعا بشكل تقريبي تعني بهدفين: الأول تمجيد البطل الخارق الأمريكي المواصفات، عبر العنف ومكافحة التطرف والمجرمين، وكسر القانون للوصول إلي معاقبة الخارجين عليه، وإقناع (القمرجية) ان أخلاق لاس فيغاس الحالية تقوم علي العدالة والحب والعاطفة والروح المتوقدة التي تعشق الحياة.
هل يعقل أن يترجم فهم الشيخ وليد إبراهيم لقيم الاخر في مسلسل مثل: Las Vegas لاس فيغاس مثلا؟
تدور أحداث المسلسل حول محاولات كثيرة لمقاومة الغش والتلاعب المنتشرين بين زبائن النادي القمار، هل هذه الثقافة التي يجب علينا الاستمتاع والاقتناع بأنها تشكل الآخر وقيمه وأخلاقه؟ أو لمسلسل ألياس Alias؟ حيث الحسناء المخابراتية التي لا تقهر تعمل وفق أخلاق وقيم وطريقة تفكير معاصرة يمتزج فيها الشخصي العاطفي بالعام المهدد من قبل المتطرفين والانذال والفاسدين، تستطيع إحباط مخططات المنظمة الإرهابية وتمجد تعاون الموساد مع عبقرية السي أي أيه ضد المنظمات العربية والإسلامية والدولية المارقة الفاسدة ومنعها من الوصول إلي أهدافها في تدمير نمط الحياة الأمريكي. وهل المسلسلات التي تحظي بنسب مشاهدة جيدة في الولايات المتحدة هي التي تعكس بالفعل ثقافة الآخر، فتعمل الأم بي سي علي تعريبها وترجمتها وحذف مشاهد التقبيل منها وإبقاء المشاهد التي تشعرنا بأننا نحن المعنيون كلما تطرقت للحديث عن الإرهاب؟
وهل مسلسلات من نمط Martial Law مارشل لو، Knight Rider نايت ريدر Prison Break بريزون بريك، هل المسلسلات هذه هي المثال بعرف سيد الفضائيات العربية، لننفتح علي الآخر ونري كيف يعمل بوليسه ومخابراته، دون أن نعرف شيئا عن نمط حياة الأمريكيين العاديين والطبيعيين والبشر المتألمين والساخطين علي هذا النمط من المسلسلات والبرامج؟
ثم نطرح تساؤلا آخر لماذا حصر الآخر الأمريكي تحديدا، ولا نري شيئا عن الكندي مثلا أو الاسترالي أو النيوزلندي ولا نريد أن نقول الألماني أو الفرنسي فنحن نفهم إن حواسنا دجنت علي استساغة الإنكليزية حتي ولو كنا لا نفهمها، من وراء الأنماط التي سعت الفضائيات العربية علي ترويجها كأنه لا يوجد علي وجه هذه الأرض سوي الامريكاني، ولكن حجم الاستلاب بقوته الموجودة أصلا لدي صانعي القرار في الفضائيات العربية تجاه الأمركة وثقافتها واختصارها للغرب العريق والغريق منه يجعلنا نعذر صغار الكسبة من نفس القطاع وانجرارهم نحو هذا النمط.
فـ (الأم بي سي 2) لم تعرض فيلما واحد غير أمريكي، هل يستطيع احد في مجموعة الأم بي سي بقضها وقضيضها إعطاء إجابة واحدة شافية ومنطقية عن سبب هذا العشق الفريد للسينما الامريكية ومواصفاتها؟ فإذا كانت الأسباب تجارية بحتة نحترم ذلك، وعندها ندحض قول السيد وليد آل إبراهيم ورغبته في كسر حالة العزلة التي عنيناها لفترة طويلة كما تفضل في مقابلته ورغبته بتقديم هدف إنساني ومعرفي وحضاري للتعريف بقيم وطريقة تفكير الآخر عبر أهم المؤثرات المعاصرة.
أما إذا كانت الاسباب غير تجارية ومبرمجة ومحددة سلفا، فمن حق الآخرين وهم هنا ليسوا فقط بضعة أصوات متطرفة عالية مرتهنة لنظرية المؤامرة كما وصفهم في مقابلته أن يتهموا مشروعه وقنواته وبرامجه المستوردة بأنه رأس حربة معرفية موجهة بشكل مدروس لسكان أغني منطقة في العالم في الأموال، والاحتقان، والفقر، والخرافة، والهذيان، والجيوش، والعتاد والصفقات، والرشاوي، وغياب القانون....إلخ.

التهديد بالعصملي

شيء آخر مثير فعلا في مقابلة الشيخ وليد ابراهيم، وهو توجيهه رسالة واضحة إلي مؤسسات الإنتاج العربية بأنها في حال استمرارها برفع أسعارها، سيتوقف عن بث المسلسلات العربية ويتجه مثلما فعل سابقا باتجاه الدبلجة المكسيكية إنما هذه المرة سيعود إلي جيراننا الاتراك، ليملأ فراغ الدراما العربية إذا واصلت رفع أجورها.
فبعد النجاح الساحق لمسلسلي نور و سنوات الضياع ، يقول الشيخ وليد انهما حققا نسبة مشاهدة كاسحة حتي مقارنة بالمسلسلات المصرية.
طبعا ما يهمنا هنا انه بالفعل يستطيع صاحب الأم بي سي أن يوقف عرض المسلسلات العربية ويذهب للبحث عن بدائل، وهو واضح ومحدد وصادق فيما يقول: ولكن الا يستطيع أن يجد أيضا بدائل عن الأفلام والمسلسلات والبرامج الأمريكية، في قنواته المعنية بالاكشن والأفلام؟
ثم ان أحد أسباب ارتفاع الأسعار الحالية هو طريقة المنافسة غير الشريفة بين الشركات العربية والمنتجة ونوعية المسلسلات الصالحة للعرض في الأم بي سي، ومشاركة الأم بي سي نفسها في الصراع والاحتكار عن طريق شركات أمثال الصدف وغيرها؟ أليست أزمة الفضائيات هذه جزءا منها؟ أليس الإصرار علي تقديم مسلسل عن الملك فاروق يعيد للملكية بهاءها وينفض عنها ما لصق فيها من دعاية ناصرية ويسارية هو جزء من مفهوم الأم بي سي للدراما؟ أليس انتاج مسلسل عن صدام حسين في هذا التوقيت مهما كانت زاوية التناول يثير تساؤلات غير تلفزيونية حول طريقة الأم بي سي في التعاطي مع مواضيع الدراما؟ وماذا يعني الإصرار علي عرض نوع من التنفيس السعودي مثل طاش ما طاش وبيني وبينك كممثل شرعي ووحيد للدراما السعودية المتطورة؟ وكيف يتم إنتاج مسلسلات محشوة حشوا بقصص إشكالية يسميها بعض جهابذة النقد الفني (بالجريئة)، وفيها بهار يشاغب بالمحظور، ولا يدخل إلي عمقه، يسوق في الدراما الخليجية والسعودية علي وجه الخصوص وتقود العملية الأم بي سي بكل كفاءة لتكريسه كنمط مختلف جريء علي الواقع؟
وهنا نتذكر كاتبا سعوديا فذا يدعي أحمد أبو دهمان كتب رواية أقل ما يقال عنها إنها آسرة حقيقية عميقة تدخل إلي الروح الحجازية وتنبش في عمق المجتمع السعودي، تظهره بإنسانيته وحميميته الرائعة، التي اختفت طويلا خلف آراء مسبقة، وساهم في تغييبها إظهار جائر لها كما في المسلسلات التي تُعني بالواقع السعودي أو تعتيم أحمق كما في الخوف من شرطة الفكر والتكفير.
اسم الرواية (الحزام) وترجمت إلي العديد من اللغات، مثل هكذا رواية لا نعتقد أن الأم بي سي تتجرأ علي تحويلها إلي مسلسل سعودي من الطراز الحقيقي، فهي منخرطة بشكل مدروس ومنظم، تقود عملها مجموعة بشرية هي الأكفأ في المنطقة كما صرح الشيخ وليد بنفسه هدفها استظهار كل الترهات وكل ما لا يشكل وعيا، أو يعكس حقيقة مجتمعاتنا العربية خاصة والخليجية والسعودية عامة، فنجد غيابا شبه كامل للمسلسلات التي فيها نزعة من التساؤل حول قضايانا الأكثر إلحاحا، كفلسطين والعراق والاحتلال، والعزلة والحصار، أو حقيقة ما يحدث في مجتمعاتنا، من سجون واضطهاد للمرأة وللرجل، وعلاقات مشبوهة ومشوهة، وابتزاز، وانحرافات خطيرة مسكوت عنها باتت تغلي تحت الرماد والإسكات والتطنيش المقصود عن أي حراك أو وجع اجتماعي حقيقي، أو حتي مظاهر إيجابية مثل تقديم الحب بشكل نبيل وصادق، ومشاكل زواج الشباب مع غير ابناء طوائفه وقبائله، والاكتفاء وتقديم مسلسلات معقمة معطرة بالبذخ مع بعض القضايا الشائكة من باب المنكهات وشد الانتباه والترويج.
حديث الشيخ وليد آل إبراهيم عن قناة العربية وموقفه من الجزيرة والإعلام السعودي وعلاقته مع الأمراء والرؤساء وأصحاب القرار وكيف يري مجموعته الإعلامية الكبري وكيف تنعكس آرائه علي أدائها المباشر جدير بالاهتمام وربما نتطرق إليه لاحقا.
فادي عزام

 

 

 [email protected]

(128)    هل أعجبتك المقالة (149)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي