أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الخلافة الباطلة واختلاق المؤامرة!.. دراساتٌ إسلامية (2)

في دراستنا السابقة كتبت وبإيجاز عن تاريخ الخلافة الراشدة ثم تحولها إلى خلافة ملك متوارثة ومدار قوتها وضعفها إلى يوم السقوط الأخير، والعقل الجمعي في النظر إلى التاريخ والوعي في سياسة الأمر الواقع وغياب العقلانية في تقرير المصير الإسلامي بتوافق مع الشريعة وبإسقاط دقيق للواقع المر.
وكما رأى العالم كله ظهر علينا في خطبة الجمعة الأولى من رمضان الأخير على منبر أكبر جوامع الموصل، الخليفة الجديد إبراهيم عواد البغدادي المُكنى "أبو بكر" متوشحاً السواد مُعيداً الأنظار إلى العصر العباسي الذي عُرف بسواد أعلامه وسواد ألبسة أمرائه، لم ينسَ صاحب الزمان مولانا الأمير أن يذكرنا بأنه من نسل الحسين سبط رسول الله رضي الله عنه وأنه قرشيٌ بطبيعة الحال، مؤكداً أنه أحق الناس بأمر المسلمين والأمة كلها لأن (الأئمة من قريش) حديثٌ صحيح، وموجهاً رسالةً بالخطبة العصماء بأنه ولي الأمر الجديد الذي يجبُ أن يطاع ولو بالسيف، والسيف كلمة تسمعها كثيراً في زوايا تنظيم الدولة حيثُ لا يفتأ المتحدث الرسمي باسمه (العدناني) يقول إنه بعث بالسيف رحمةً للعالمين أي رسول الله، وإن لم نسمعها إلا من أصحاب هذا المنهج الجديد الطبعة أو المُحدث من المدرسة السلفية الجهادية، ولكن بغلوٍّ مضاعف وإن كان الصحيح أنه بُعث بالقرآن رحمة للعالمين ولذلك بدأت الرحلة بـ"اقرأ يا محمد".
*الخلافة الباطلة فقهياً واجتماعياً وثورياً: 
تتالت البيانات الرسمية من قبل الجماعات الإسلامية تؤكد فيها بطلان خلافة البغدادي وتحريم اتباعه على أنه خارجيٌ ومغالٍ، إضافةً إلى أنه أدخل الأمة في دوامة من الشعارات أنكرها الغالبية، ولكنها أضاعت عدداً لا يُستهان به من الشباب المتحمس والجاهل، إضافة إلى المسلمين الجدد من أوربا وأمريكا خصوصاً وجنبات الأرض عموماً وحاز بطلان فعله على تأييد من مشاهير السلفية الجهادية أنفسهم مستغربين فعله وحماقته في هكذا إعلان، إذ لم يتجرأ أحد من قبله على فعل هكذا أمر.
كما أنكرت الجماعات المسلحة السورية بكل أشكالها دعوى الخلافة وإن كان بعضها على جبهات ساخنة مع التنظيم قبل الإعلان بـ 6 أشهر تقريباً.
وإن وقع التنظيم نفسه بكوارث فقهية وجدل لا ينتهي بعيداً عن الإجرام والدماء والنهب والسرقة التي قام بها بزعم من ضدي فهو مرتدٌ كافر. 
من أوائل المخالفات الفقهية التي فعلها تنظيم (داعش) أنهم نصبوا خليفة للأمة من غير شورى للمسلمين أو بعنوان أصح لأهل الحل والعقد. 
ومسمى أهل الحل والعقد هو مصطلحٌ ظهر في العصر العباسي وبينما كان مصطلح ((العرفاء)) هو السائد من عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث ذكر البخاري في صحيحه قول رسول الله: ((أيها الناس إنا لا ندري من رضي منكم ممن لم يرضَ فارجعوا حتى يرفع عرفاؤكم أمركم)). 
والمقصود من العرفاء أي رؤساء الأقوام وأعيانهم ووجهاؤهم ومن ينوب عنهم بما يضمن مصالح الناس، وهو تقرير فعلي لقول الله تعالى: ((وأمرهم شورى بينهم)) فهي حقٌ لهم. 
وتطور إلى أهل الحل والعقد في العصر العباسي لاتساع الدولة الإسلامية وتعدد الوظائف والدوائر فيها.
وهم أهل الاجتهاد، حسب مفهوم علماء الأصول، وحسب الإمام النووي هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يرجع النّاس إليهم في الحاجات والمصالح العامّة. والبعض يرى أنهم الأشراف والأعيان.
ويقول الإمام الجويني: إنّ عقد الإمامة هو اختيار أهل الحلّ والعقد... وهم الأفاضل المستقلّون الذين حنّكتهم التجارب وهذّبتهم المذاهب وعرفوا الصفات المرعيّة في من يناط به أمر الرعيّة.
وهذا ما أغفله التنظيم عمداً فقرر أهل حله وعقده من صفوفه الأولى أو ما يسميه مجلس شورته ضارباً بخيار الأمة عرض الحائط. 
وخالف بذلك قول الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((من بايع رجلاً دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه تغترة أن يقتل)) صحيح البخاري.
والشروط التي يجب أن تتوافر فيهم ثلاثة كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية:
1-العدالة الجامعة لشروطها.
2-العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة في الإمام.
-3 الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.
ومن أفضل ما جاء به ديننا الحنيف هو اختيار القيادة الأمثل للأمة ومن هنا سمي العهد الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهد الراشد لأنه جاء عن اختيار كامل من قبل الشعب (أفراد الأمة) وبذلك لا بيعة لمن لم ترتضيه الأمة أميراً عليها وجعل الفاروق عمر جريمة من اغتصب السلطة القتل. 
وبذلك اعتبر التنظيم الأمة خالية من كل الكوادر التي يجب أن تستشار في أمر لا أهم منه وهو قيادة الأمة بعيداً عن الواقع المغاير الذي لا يسمح بأي دولة إسلامية واسعة في الوقت الراهن.
قام التنظيم المغتصب للأراضي الواسعة التي حررها الثوار المجاهدون في المشهد السوري ولا سيما العراقي وشرعن ذلك الفعل بفقه جديد سماه ((فقه التغلب)) وهو فقهنة الانحراف وتأصيله شرعاً، ومن المشهور في العلم الإسلامي الشرعي فقه: الزكاة، الصيام، الحج، السنة، الجهاد...
ولذلك اختراع مصطلح التغلب ودمج كلمة (فقه) فيه تلطيف مبطن لجريمة اغتصاب حق الأمة في الشورى واختيار حكامها.
فنحن لم نقم بثورة وأُرهقت دماؤنا ودمرت منازلنا وشرد أطفالنا ونساؤنا واعتقل شبابنا وقصفت مساجدنا وعمراننا وضاع اقتصادنا لنبدل طاغية سفاحاً بانقلاب عسكري إلى مستبد (مجرم) بتغلبٍ ((مُشرعن)).
وإن كان هذا ما يخيرنا به العالم المتحضر بين السفاح الأسد بإجرامه وطائفيته وبراميله وبين سكاكين التنظيم وإرهابه وغلوه وتكفيره.
دخل التنظيم سورية بتسهيل لا يُستهان به من قبل أجهزة مخابرات النظام والمخابرات الإقليمية والعالمية بدعوى نصرة للشعب السوري ودفع العدو الذي يعيث تقتيلاً وفساداً وإجراماً، فقاموا بعد أن أخذوا الأراضي المحررة باختطاف الناشطين والإعلاميين والشباب وتكفيرهم، إضافة إلى بسط نفوذهم وإشهار مصطلح تطبيق الشريعة وبدء تنفيذ أحكام جائرة بحق المسلمين قبل غيرهم. فكل متعامل مع المعارضة كافرٌ مرتد يقتل ((شرعاً))، إضافة إلى فرض الجزية على مسيحي الرقة وتخريب كنائسهم، ناسين أن معركتنا هي ضد النظام الظالم وأجهزته وشبيحته وليس الشعب السوري وتاريخه، ولا ننسى آبار النفط الممول الرئيس للتنظيم والآثار وصوامع القمح فقد كانت الأراضي المحررة الجنة التي لم تحلم بها داعش أبداً.
وكان ذلك سبباً رئيسياً لرفض خلافتها ثورياً بكل الأشكال فلو أن بشار الأسد قال أنا تبت وسأطبق لكم الشريعة هل نقبل؟، لا أظن عاقلاً يقول: نعم.
وكيف وقد قرر التنظيم تكفير الأمة بما أنها تمشي ضد طموحاته في التمدد والتوسع و"الاستيطان"، وهو ما فعله مع مسيحيي الموصل بتخييرهم بالرحيل أو دفع الجزية أو السيف في وقت حرج من وضع الأمة الإسلامية من الضعف والوهن والتشويه وقلب المفاهيم، وقيامهم بهدم جوامع تاريخية لاحتوائها على قبور مثل قبر سيدنا يونس عليه السلام وقبر الإمام ابن الأثير الجزري وهو ما لم يفعله الصحابة عندما فتحوا الموصل.
لقد كان رفض هذه الخلافة من وازعٍ ديني وفقهي وثوري واجتماعي وتكاد الأمة تجمع على أنهم خوارج هذا العصر أو مجرموه الأكثر شراسةً وحمقاً وتشويهاً و((لا تجتمع الأمة على ضلالة)) كما قال رسولها الكريم.
وإعادة الفقه إلى زمن الإمام ابن تيمية مثلاً وغيره هو عينُ الحماقة، فنحن نستفيد من اجتهاداتهم ولكن هل تخيل الأئمة جميعاً أن نكون محتلين مشتتين مفرقين كما نحن اليوم، أنظمتنا هم عملاء لكل مخابرات العالم وأمتنا دولٌ وممالك وإمارات، فلذلك لا يقبل شرعيو داعش بفتاوى علماء العالم الإسلامي بل ويكفرونهم إما بردّةٍ أو تهاون أو كبيرة.
*المؤامرة موجودة ولكن الوعي لا:
لا شك بوجود مؤامرة ولكن ليس بوجود داعش ولا غيرها هم يساهمون بتضخيمها وتكبيرها وتمددها ومساعدتها بعدم ردعها في إطار مصالحهم لكن لا علاقة للمخابرات العسكرية في غلوّها وتفسيرها للآيات ضمن فهمها واجتهادات شرعييها وتأويلهم الإسلام ضمن اللامنطق واللامعقول. 
لا أنكر أن فتح الحدود مدبرٌ وتسهيل دخول السلاح إليهم، إلا لزيادة قوتهم إضافة إلى الدعم المخفي من بعض دول الخليج لهم خصوصاً لمقابلة المد الكاسح لإيران وإن كانت إيران نفسها لها علاقاتها ودعمها ضمن صفوفهم 
لكن ذلك لا يعني أنهم يحملون كل أوساخنا الماضية، والترف الزائد في خفة عقولنا على مدار القرن المنصرم، والاستبداد الكبير من الأنظمة على مدار مئات السنوات ما أسست لغياب وعي منظم عن الأمة، وتأميم الدين ليصبح مؤسسة تابعة لأنظمة الحكم العميلة مما زاد الانحراف والانقطاع والشك في أي عالم أو شيخ، إضافة إلى تأسيس جماعات متناقضة في المناهج متفقة في الهدف وهو قيام الخلافة، كيف تقوم؟ لا مشكلة !! المهم وجود خليفة وهو ما عرضته إحدى التنظيمات على طغاة في القرن الماضي وهو أن يعلنوا الخلافة وسيبايعونهم أمثال حافظ الأسد والملك حسين كل ذلك أدى إلى بناء عقل جمعي يواجه أي مشكلة تمس الإسلام بأنها مؤامرة فقط ! ونسيان مشاكلنا وأدراننا وانحدارنا على كل المستويات وسقوطنا وعدم تعلمنا من أخطائنا المتراكمة على مر السنين..
وقد يكون الوعي وعياً زائفاً، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أو غير واقعي وقد يكون جزئياً، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة..
الوعي المُغيبُ أحياناً والعمدُ في تغييبه مراتٍ أخرى، وهذا ما نواجه دائماً ويواجهه المفكرون الإسلاميون على وجه أخص، الذين يريدون إعادة الحال إلى ماضي مشرق كأيام عمر بن الخطاب مثلاً ولكن بطريقة عدله وليس مسماه الفاروق، فأيُ واحدٍ منا يستطيعُ أن يسمى فاتحاً، صديقاً، عادلاً، ولكن العبرة في التطبيق، في حين يواجههم آخرون بشعارات رنانة طنانة لامعة كـ (بقرة صفراء فاقعٌ لونها تسرُ الناظرين)، لا يتوقفون عن إيهام الشباب بأن الجنة مآلهم لمجرد وجودكم في صفنا، فالموت لأمريكا يقوله الإيرانيون منذ ثورة الخميني فهل نتبعهم؟ والسفاح الأسد الأب رفع شعار المقاومة فحطمها على أعتاب فلسطين واستأصل شأفتها، فهل نرى فيه إلا خائنا؟ 
وهو ما تسعى إليه داعشُ وأمثالها من تشويه منظم ومرتب لشعيرة إسلامية لها مكانتها في قلوب أعدائنا قبل قلوبنا، فتخييرنا بولي الفقيه أو البغدادي الخليفة هو ما يريده العالم كله، ولذلك ما يزالون في صمت خبيث إلى ساعة الانقضاض، فحين يفسح المجال لدولة جديدة بنظامها الإسلامي المعتدل حاربها العالم بدعوى (إرهاب) داعش الباقية والمتمددة على أنظارهم.. فلنتفكر في إسلامنا جيدا.
*ناصر زين –ريف دمشق المحاصر

*ناصر زين –ريف دمشق المحاصر - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي