أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"البازرباشي".. درّة المساجد العثمانية في حمص القديمة

تحتوي مدينة حمص القديمة على حوالي 40 مسجدا أثريا يعود إنشاؤها إلى عصور زمنية مختلفة.. ولعل جامع البازرباشي يعتبر، وبحسب الدارسين، من أكثرها روعة وجمالا.

وتعني كلمة البازرباشي بالتركية شيخ السوق.. وهو لقب عثماني لا يناله إلا كبير تجار المدينة والأكثر مالا ونفوذا .. حتى أن إحدى العائلات الحمصية تسمى بهذا الاسم شيخ السوق وأخرى تسمى بالبازرباشي..

يقع هذا المسجد العريق في قلب حمص القديمة في سوق "النسوان" أحد أسواق حمص الأثرية .. وعلى مقربة منه يقع أحد مباني السراي القديمة التي شيدت أواسط العصر العثماني.. وفي الجهة الشرقية منه يتريع حمام الباشا وجنوبه يقع الحمام العثماني.

يتميز المسجد بمدخله الرائع الذي هو مزيج بين العمارتين المملوكية والعثمانية، أما بابه فهو عبارة عن قوس محدب بُني من الحجارتين البيضاء والسوداء على النمط الأبلق.... وثمة كتابة تأسيسية فوق ساكف الباب الذي يحده من الغرب سبيل ماء ونوافذ المسجد التي تطل إلى الساحة المقابلة للمسجد وتمتاز بأناقتها المعمارية ويحميها قضبان من الحديد المشغول والمعشق.

وفوق مدخل المسجد مئذنة مثمنة الأضلاع بنيت من الحجارة الكلسية البيضاء تعلوها شرفة تزدان في الأسفل بالمقرنصات الجميلة.

قبل الثورة بعدة أعوام بدأت أعمال ترميم شاملة لجامع البازرباشي، مع إجراء بعض الإضافات الطفيفة على صحنه بحفر قبو واسع تحته ليكون موضأ ومصلى إضافيا يستوعب أعداد المصلين الكبيرة وقت الذروة.

وكشفت أعمال كشط الاسمنت الذي كانت تغطى أغلب أقسام الجامع عن تزيينات حجرية رائعة حظي بها هذا الجامع.. حيث أتقن مصممه فن المزج بين الحجارتين البيضاء والسوداء بطريقة رائعة وبأسلوب يدعو كل من يتأمله إلى الإحساس بشعور إيماني روحاني لا يوصف بأهمية هذا المكان.

وأثناء عمليات الترميم تم اكتشاف باب آخر للجامع تحت رواقه الشمالي من جهة الشرق.. ويبدو أنه ألغي منذ أكثر من مئة عام وهو يطل شمالا على بداية سوق المسقوف... ويبدو أن بناء أحد القصور في المكان المذكور أدى إلى إغلاقه نهائيا ..!

في الأربعينبات من القرن الماضي تم هدم سقف المئذنة والمسجد المعقود لأسباب إنشائية تتعلق بطبيعة التربة التي شيّد فوقها المسجد. 

وأثناء الترميم تمت معالجة هذه المشكلة وأعيد بناء المئذنة وكذلك السقف المعقود تحت السقف الاسمنتي مباشرة وبطريقة ديكورية مشابهة إلى حد ما للسقف الأصلي للجامع.

وإلى الغرب من مسجد البازرباشي بيت الشاعر الحمصي الشهير الشيخ أمين الجندي رائد القدود والموشحات.. الذي كان مايزال موجودا وبحالة شبه سليمة حتى بداية الثورة ولا يدري أحد ماذا حل به مع تهدم العديد من مباني حمص القديمة وتضررها الشديد نتيجة تعرضها لقصف قوات الأسد على مدى أكثر من عامين من الزمن..!

للمسجد صحن متوسط المساحة يحده في الجهة الشمالية رواق معقود يتألف من 4 أقواس .. يقع في أسفل الرواق قبر يعود فيما يبدو إلى حقبة بناء المسجد يتميز بشكله الجميل ويعطي فكرة واضحة عن تطور بناء المدافن في حمص أواخر القرن السابع عشر الميلادي..وتتميز شاهدة القبر بزخارف ونقوش بديعة كتلك التي نراها في الترب العثمانية المنتشرة في دمشق وحلب والقاهرة وطرابلس الشام.. ويعتقد أنه يعود إلى شخصية ثرية.

ويتوسط صحن المسجد القائم في مجمله على مصطبة حجرية محراب صيفي رائع مجوف من الداخل ومزدان من خارجه بالمقرنصات الركنية الجميلة.

وفي الجهة الشرقية من الصحن ثمة باب يؤدي إلى غرفة واسعة تعلوها قبة محززة ذات خطوط هندسية جميلة تنتهي في أسفلها بمحاريب صغيرة تحيط بالقبة من جميع جوانبها.. وفي هذا المكان يوجد عدة قبور منها قبر باني هذا المسجد.

إذا أردنا الدخول من صحن المسجد إلى حرم الصلاة.. سنفاجأ بشرائط من الزخارف الجصية والحجرية التي تزين هذا الجدار وتحيط بأبوابه ونوافذه وهي زخارف نباتية وحجرية حرص المعماري على إضفاء لمسات جمالية عليها وأضاف الآية القرآنية الكريمة على الباب الرئيسي المؤدي إلى الحرم 'إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر'.

أما داخل الحرم أو القبلية الذي يمتاز بشكله المستطيل فثمة محراب رائع للغاية يشبه المحاريب التي نراها في المساجد العثمانية التي صممها المعماري الشهير سنان باشا. 

وبجانب المحراب يشد الزائر المنبر الرخامي الذي يعد آية معمارية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. وتجذب الأنظار تشكيلاته الفسيفسائية المشغولة بعنائة فائقة من قطع رخامية صغيرة ذات رسوم هندسية تنتمي إلى مدارس زخرفية متعددة.

مأمون أبو محمد -زمان الوصل
(304)    هل أعجبتك المقالة (250)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي