أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القوانين أقوى من الدين... د. فيصل القاسم

طفلة سورية... وكالات

ليس هناك شعوب ومجتمعات تتحدث عن الأخلاق وتتشدق بها أكثر من الشعوب العربية والإسلامية. فهي تنظر إلى كل شيء بمنظار أخلاقي ديني، على اعتبار أن الدين ليس منفصلاً عن الحياة في العالمين العربي والإسلامي، بل هو الحياة بحد ذاتها. لا عجب إذاً أن يكثر في بلادنا الدعاة والخطباء والمفتون والواعظون والمرشدون الأخلاقيون. على العكس من ذلك لا وجود للدين في الحياة العامة في البلاد الغربية. وربما انقرض الواعظون منذ زمن بعيد. وقد لا تجدهم إذا بحثت عنهم إلا في الروايات الأدبية المكتوبة في القرون الماضية. 

لا دور للكنائس إلا ما ندر في الحياة الغربية، ولا يرتادها الناس إلا بأعداد قليلة جداً. هل سمعتم يوماً عن فتاوى دينية تحلل هذا وتحرم ذاك في البلاد المتقدمة؟ بالطبع لا.

أما لو نظرت في جنبات البلاد العربية والإسلامية، فلأخذت الانطباع أن الناس فيها تمارس أعلى درجات الأخلاق والسلوك الراقي. كيف لا وهي تحكّم الأخلاق والدين في كل تصرفاتها. ولو استمعت إلى بعض البرامج الدينية في بعض الإذاعات والتلفزيونات العربية لاعتقدت أن الشعوب لا يمكن أن تقترف أي خطيئة حتى لو كانت تذوق نقطة من الخمر. ولطالما سمعنا البعض يسأل هذا المفتي أو ذاك عن تناول دواء فيه بعض الكحول. هل هذا حلال أو حرام؟ ولا بد أن تتعجب عندما تسمع شخصاً يسأل إذا كان من الحلال أو الحرام أن تعمل نادلاً في مطعم وتقوم أحياناً بمجرد تقديم لحم الخنزير للزبائن، أو تقوم بغسل صحون فيها بقايا من لحم الخنزير. من يستمع لمثل هذه الأسئلة يأخذ انطباعاً أن الأخلاق والالتزام بالقيم والمثل والخصال الحميدة في أعلى درجاته في البلاد العربية والإسلامية. لكن الحقيقة على الأرض أنه كلما كثر الحديث عن الأخلاق والمواعظ والقيم في بلادنا وجدنا أنه مجرد اجترار لفظي على عينك يا تاجر، وقد ينعدم في كثير من الأحيان في واقع الأمر. 

على الرغم من وجود كم هائل من الوعظ والإرشاد والخطباء والقرآن والفقه ومئات المساجد وألوف الوعاظ في بلادنا، ألا أننا في واقع الأمر نعاني من أزمة أخلاق وحسن سلوك. لماذا؟ لأن الإنسان مهما ارتقى أخلاقياً يبقى عرضة للانحراف طالما أن ليس هناك قوانين صارمة تردعه وتلجم تصرفاته. ففي الغرب يكاد يختفى الحديث عن الأخلاق في الكنائس والمدارس والأوساط الاجتماعية، لكن مع ذلك تجد أن الناس هناك رغم عدم تدينهم يسيرون على السراط المستقيم في تعاملاتهم التجارية والاجتماعية، فلا وجود للغش أو التلاعب أو الاحتيال إلا ما ندر. فلا يمكن للبائع ان يبيعك حليباً منتهي الصلاحية أو طعاماً فاسداً رغم أنه لم يسمع في حياته أبداً بالمقولة الشريفة: "من غشنا فليس منا"، ورغم أن الخوري في الكنيسة لم يأت أبداً في خطبة الآحاد على أخلاق البيع والشراء. أما عندنا فيمكن أن تجد شخصاً تصل لحيته إلى حضنه، مع ذلك فهو مستعد أن يغش أفراد عائلته، فما بالك بالآخرين. لماذا؟ لأن الأخلاق لا تردع، بل هي مجرد كلام أو وصايا غير ملزمة. وعندما قال الإمام محمد عبده إنه وجد في الغرب إسلاماً بلا مسلمين، فقد قصد بذلك أن القوانين الإسلامية تطبق في الغرب بحذافيرها، بينما تبقى في بلادنا مجرد مواعظ للاستهلاك الديني.

الفرق بين المجتمعات العربية الإسلامية والمجتمعات الغربية (الكافرة) بأن الأولى لا تعمل بالقانون، بينما تحتكم الثانية في كل تعاملاتها إلى القوانين الملزمة، لهذا كل شيء هناك يسير بدقة ساعة رولكس، ليس لأن الناس هناك فضلاء، بل لأنهم محكومون بالنظام والقانون. وكل من يخالف القانون يتعرض للعقوبة المادية أو الجنائية. لا أحد يقطع إشارة المرور لأنه يعرف أنه سيدفع الثمن غالياً. ولا أحد يتلاعب بالمواد الغذائية، لأن محله التجاري سيغلق وسيدفع غرامات باهظة، ولا يمكن الصفح عنه لأن قريبه يشتغل في البلدية. لا أحد يمكن أن يستهلك الكهرباء أو الماء بشكل غير قانوني، بل عليه أن يدفع عن كل قطرة ماء يستهلكها، وأن يدفع الضرائب المستحقة على كل ما يجني من مال. والمسألة إذاً ليست أخلاقية، بل قانونية بالدرجة الأولى. ولطالما وجدنا العرب والمسلمين يصبحون مسلمين حقيقيين عندما يعيشون في مجتمعات غربية يحكمها القانون، ثم يعودون إلى طبائعهم العربية عندما يعودون إلى بلدانهم "الأخلاقية" المزعومة بين قوسين طبعاً.

الأخلاق والدين لا يمكن أن يصنع مجتمعات فاضلة، القانون هو الذي يصنع المجتمعات المستقيمة، بدليل ان العرب يتعرضون يومياً لوابل من المواعظ والإرشادات الدينية والاخلاقية في وسائل الإعلام والمساجد، مع ذلك فمجتمعاتهم فاسدة ومنحرفة حتى النخاع، بينما الغربيون لا يسمعون أي مواعظ أخلاقية أو دينية، مع ذلك لديهم مجتمعات صالحة وعادلة، لأنهم محكومون بالقانون لا بالأخلاق والمواعظ والفتاوى. وما ينطبق على الشعوب ينسحب على الحكام، فالحاكم الغربي ليس أكثر أخلاقاً من الحاكم العربي، فهو لا يسرق، ولا يستغل منصبه السياسي، ليس لأنه صاحب أخلاق وضمير، بل لأن القانون يمسح به الأرض فيما لو حاد عن التعليمات الملزمة. ولطالما فقد بعض المسؤولين الغربيين مناصبهم بسبب اختلاس بسيط لا يصل إلى بضعة دولارات، بينما مازال الكثير من حكامنا لا يميزون بين المال العام والخاص.

مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية ليست بحاجة لمواعظ اخلاقية ودينية وفتاوى شرعية، بل بحاجة فقط لحكم وسوط النظام والقانون، وعندها ستستقيم كحرف الألف. ويقول الماركسيون في هذا السياق: "القانون أقوى من الأفيون"، على اعتبار أن الدين، برأيهم، يخدر الشعوب، بينما القانون يردعها، ويضعها على الطريق الصحيح. أما الإسلاميون فيستشهدون بالحديث الشريف:" إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

من كتاب "زمان الوصل"
(159)    هل أعجبتك المقالة (160)

احمد

2014-08-03

القوانيين ليست اقوى من الدين ,,هذا كلام تافه الغرب ترسخ لديه احترام القانون لانهم ظلموا من الكنيسة التي كانت تتدخل بكل شىء بدون اي نص او دليل على حرمته كل الامر يعتمد على تفسيرات , علما ان بولص يقول ان مملكة المسيح هي اخروية في السماء و لا مشكلة فينا يطبق على الارض ,,, اضف الى ذلك ان وجود سلطة غير قهرية لها درجة من الشرعية و تحكم بطريقة فيها الكثير من العدل تجعل الناس يحترمون كل ما يسن اضف الى ذلك ان كثير من القوانيين عمرها اكثر مئة و خمسين عام وكل ما يحصل فيها هو تعديلات اي ان اجيالا عاشت تحت ظلها ةاستقر احترامها في الضمير العام للشعب و هذا لم يكن في بداية تطبيقها لكنه حدث مع مرور الوقت كما ان مبدا المحاسبة ةانه لا احد فوق القانون مبدا له تطبيق بشكل كبير وان كان هناك عدد كم التجاوزات ,, وكل هذا لا يثبت ان القانون اقوى من الدين و اكبر مثال هو روسيا فقد حاربت الدين وكانت شيوعية هي ودول اوربا الشرقية ومع ذلك فان نسبة الرشاوى والالتفاف على القانون عالية.


sharif

2014-08-03

لوغاب القانون ولو للحظة لامتلأ فورا بأبشع الجرائم ..وهناك امثلة كيرة وعنندما يغيب الدين يمكن ان اقتل نصف العالم بقانون مكافحة الإرهاب وأن اسلب اموال باوهى الحجج التي يبررها قانون انا وانت وضعناه ليعبر عن مصالحنا. وانحطاط الأخلاق في مجتمعاتنا , ماهو الا نتيجة حتمية لتطبيق القوانين الوضعية.


ِAMR ARAB

2014-08-03

الدين الإسلامي لايعتمد فقط على الوعظ وتهديد المسيء بعقاب أخروي بل وضع جزاء دنيوي فالسارق تقطع يده والقاتل يقتل،لكن المشكلةهي في غياب الحكم الرشيد الذي يضع هدفه حماية البلاد والعباد لاحماية العصابة الحاكمة..


saad

2014-08-04

kayfa taj3alo mina alkonon kowa wahdour mina adin ma3a ana din kolho kawanin rabaniya lakin nahno almoslimon lam nandor.


أبو أنس القادري

2014-08-04

الاسلام مجموعة عقائد ومنها الايمان بالله وباليوم الآخروالحساب والجزاء ومنها القوانين المنظمة لشبكة العلاقات الاجتماعية ليعرف المسلم المسموح والممنوع ومنها أيضا العقوبات الصارمة التي تتنوع بتنوع الجرائم مما يجعل المنظومة الاسلامية متكاملة ، وكثير من المسلمين عندهم وازع ديني يحدد لهم مايجب فعله وما يجب تركه ، يبقى الخلل في تطبيق الحكومات وتفعيل هذه المنظومة ونحن نرى معظم الحكومات تعمل على هدم القيم ونشر قيم الانحطاط والرذيلتة ، وإذن يوجد في الاسلام تكامل بين الوعظ والتربية الأخلاقية وبين التطبيق الأمين للقانون الاسلامي وكذلك العقوبات على المخالفين ، وتبقى ملاحظتك مفيدة.


سوري

2014-08-05

قول قال به الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ..


احمد حسن

2014-08-06

عزيزي الصهيوني فيصل عميل الماسونية مقالاتك جميلة رغم ذلك و لكنك كما تقول بالعامية خبصتهاااااا انت تخلط بين الاخلاق و الدين كيف ذلك ؟ السبب أنك لا تدرك أن الدين هو قانون إلهي و دستور لضبط حياتك اليومية من تعاملات و عبادات و غيره فيه حتى كيف تتعامل مع زوجتك كما نقول ضمن القانون الدين لكن المشكلة استعضنا عن تطبيق الدين كقانون في حياتنا اليومية وتعاملاتنا -و هذا ما فرضه علينا جماعتك الماسونية فارجوا من الله ألا نصبح " و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " - بتطبيق الاخلاق على ما كان منها مأخوذا من ديننا او دين غيرنا او من موروثنا يقولوا مثل اخلاق العرب في الجاهلية حيث كان عنترة يغض بصره عن جارته اذا مرت و اتفاقهم على نصرة الضعيف ... الخ فاصبح الغرب يطبق الاخلاق حسب مصلحته فليس من الاخلاق القروض الربوية و هو مجتمع مرابي و الربى فيه استضعاف للطرف الاخر و ابتزاز كلما جاء ليؤخر الدين لعدم القدرة على السداد كلما ارتفعت الفائدة و المجتمعات الغربية تمارسه , المجتمعات الغربية تقتلنا يوميا بحجة محاربة الارهاب , المجتمعات الغربية قلبت المسميات و المعاني حسب مصلحتها فالارهابي حماس الذين هم أصحاب الارض و العرض بينما إسرائيل الذي غربك كله يقف معها تدافع عن نفسها " يا حرام " لن أطيل الاستاذ فيصل القاسم إذا اتخذ الدين قانونا للحياة من قبل الدولة و المجتمع صدقني سنحرر الكرة الارضية من ربعك الماسونيين الكذابين جماعة السامري و أوعدك اننا لن نقتل فيما بيننا أنتم من زرعتم الخلاف بين الخراف في مركز بحوث صيدنايا و غيره ارجو ان اكون وفقت في التوضيح مع اعتذاري منك بس هذا رأيي فيك متابعك في كثير من الامور تفوتها ببعض احيانا.


التعليقات (7)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي