أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشيخ معاذ الخطيب ... مجدداً ... معن عبد الله

الخطيب

إن المتتبع لتحركات وتصريحات وبيانات الشيخ معاذ الخطيب (رئيس الائتلاف السابق) خلال الأشهر الماضية وخاصة حول "المطالبات" بترشيحه لرئاسة الجمهورية ومنافسة بشار الأسد وما تلاها وصولاً إلى طرحه الأخير، يدرك أن الشيخ معاذ مقتنع بعدة أمور أخذت شكلاً متقدماً لتصبح محددات لفعله السياسي والاجتماعي وحتى الثوري يمكن شملها بالآتي:


1- أنه "المعبّر عن وجدان وضمير المواطنين المقهورين "، نتج هذا المحدد بعد طرحه للمبادرة الأولى (المتعلقة بالمعتقلات وجوازات السفر) التي لاقت رواجاً بالداخل السوري، حيث رتب عليه واجباً أخلاقياً وشرعياً لتبني هذه المسؤولية التي كرست بداخله (بـ اللاشعور) إحساس الزعيم الوطني الذي تنتظره الجموع لتحقيق الخلاص المنشود. وهذا ما جعله ينتج رؤى وأفكاراً عامة ويسارع لطرحها للشعب لتحقيق مطلبين يؤرقانه: وهما إيصال شعوره بألم الشعب وعدم تأخره عنه، وتكريس صورته في الذهنية السورية كمبادر ومصلح ومخلص.

2- المشاريع الغربية هي مشاريع تقسيم ونهب مقدرات وثروات. وقد تأتت هذه الفكرة نتيجة "تجربته" في رئاسة الائتلاف، ومع التسليم بأن هذه المشاريع هي ابنة تاريخها طبعاً، لكن أن تقفز الفكرة لتحتل مكاناً متقدماً في تعاملات وفهم السياسي للقضايا الدولية تمهيداً لنسف هذه المشاريع، فهو أمر لا يمكن أن يتم إلا في مرحلة الاستقرار السياسي واستكمال عناصر السيادة الوطنية.

إن هذا الفهم المسبق والمعروف لهذه المشاريع لم يعد صالحاً وكافياً لتحديد الموقف السياسي منها، بل يتشابك معه أثر هذه الدول وفاعليتها في المنطقة ومحدداتها الأمنية ومصالحها السياسية والاقتصادية ليُشكل مجموعها دائرة الفاعلين خارجياً، وبتقاطعها مع المتطلبات الداخلية تنتج السياسة الخارجية، لكن الطرح البسيط لهذه الفكرة يحتم على صاحبها البقاء أسير اغترابٍ متأتٍ من ضرورة التعامل مع هذه القوى، وخوف من الاتهامات بالعمالة والولوج في المؤامرة، وهذا يدلُ صراحةً على الافتقار لصفات القائد السياسي.

3- ارتهان المعارضة لأجندات لا وطنية، وولوج قسم منها في مطب البحث فقط على السلطة، وسبب هذا المحدد قراءة الشيخ " الخاصة" للعلاقات التي تحكم قوى المعارضة مع الخارج، ولممارسة بعض القادة العسكريين والسياسيين في المجال السوري، إلا أن الشيخ بتصديره لهذه الرؤية كوحدة واحدة يكون قد وقع في أخطاء جمة تبدأ بالتعميم الذي يشوه الكل دون استثناء وارتدادات ذلك على الفهم للحالة الثورية الآنية وإعلان وفاتها. وتصل لحد الازدواجية فهو من كان على رأس ذلك الارتهان قبل أشهر معدودات فقط، وتلمّسهُ وعايشهُ وعاينه، ساعة بساعة، ومؤتمراً بعد آخر، وعاصمة إثر أخرى.

كان لابد للتقديم السابق كونه سيشكل مدخلاً أساساً لفهم الطرح الأخير للخطيب، الذي قدمه في 28 تموز صباح عيد الفطر في تسجيل مصور مدته ربع ساعة. طرحٌ فيه شكل مبادرة تنطلق من ضرورة التوافق على أرضية مشتركة لإطلاق المفاوضات، تستند هذه الأرضية إلى قاعدتين وهي الحيلولة دون تقسيم سوريا واستقلال القرار السياسي السوري (إزاء ثلاثة مشاريع هدّامة: إيران، وبعض دول الخليج، والتطرف)، ثم تنحّي النظام والمعارضة لصالح "كثيرين من أبناء البلد يمكن أن يحملوها"، ووقف القتل والدماء والخراب وضرورة إيجاد حلّ سياسي تفاوضي يُلزم النظام والمعارضة، ويتضمن العدالة الانتقالية. 

وهنا يمكنني القول إن الخطيب قدم خطاباً جامعاً وتوافقياً، ينطلق من محددات إنسانية يتفق الكثيرون على كل ما ورد فيه. ولكن يسجل على هذا الخطاب ملاحظات ترقى إلى مستوى تنسف به ما تقدم به الشيخ: 

1- المتفق عليه بين المؤيدين والمعارضين وفق ذلك الطرح لن يتعدى الشعارات الجامعة الفضفاضة ومساواته بين المعارضة والنظام هي مساواة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير عادلة، كما أن اتهامه للمعارضة بالارتهان هو اتهام عام سيسهم رغم قناعتي بعدم قصده ذلك في تشويه العمل الثوري المعارض، ثم من قال إن الثورة السورية ستنصب الائتلاف قائداً للدولة حتى طالبها الخطيب بالتنحي؟! هناك فرقٌ كبير بين ضروراتِ الإصلاح والمعالجات الجراحية داخل الجسد الثوري وبين الدعوة إلى نسف الشكل الرسمي للمعارضة والعودة بحركة التاريخ للوراء. 

لست هنا بصدد الدفاع عن الائتلاف الذي أملك تجاهه جملة انتقادات تستهدف بنيته ووظيفته، إلا أن الائتلاف نشأ نتيجةً لعوامل عدة، تداخلت فيها المتطلبات الثورية وضرورة القيادة والقراءات الدولية، وذلك لتكريس واقع جديد يجعل المشهد السوري رسمياً ثنائي القطب، وهذا الائتلاف هو الممثل الشرعي دولياً، وأضحى أساسياً في التعامل الرسمي الدولي مع الملف السوري.
كما يُستدل من هذا الطرح "المتوازي" أن هناك فئة صامتة غير منتمية، وهذا صحيح لكن أتملك هذه الفئة برامجاً أو تصاريحَ أو بيانات أو أي فعلٍ تعبر فيها عن رؤيتها السياسية للوطن غير تلك الشعارات ذات الأثر الابتزازي والمزاودة على الجراح بأنها تحلم بوطن سالم ووطن يتسع للجميع، الإشكالية الرئيسة يا سادة في الكيفية لا بالنظرية.

2- رغم تقديم الخطيب لعنف ووحشية النظام، إلا أنه استجدى النظام بالقبول. وهذا إن دل فإنه يدل على محاولته إيصال صورة مصغرة عن الجهة التي سيحاورها النظام وأن سقف المطالب ليس عالياً (بكل دلالاته) وهذا يضمن تحقيق أثر مزدوج ينعكس على المؤيدين بصورة ما وعلى المعارضين بصورة أخرى.
هو خطاب معايدة لم يخلُ من الروح الدينية الإصلاحية، يقدم دعوة جديدة متجددة للطرفين السوريين، خطابٌ صمتت عنه المعارضة الرسمية التي أيقنت بعد الضغوط الدولية وشبح الانقسامات الداخلية التي حصلت عقب قبوله التفاوض مع النظام في جنيف، أن هذا النظام لا يؤمن بالحل السياسي العادل لأنه ضد نوعية بنيته والذي لا يقبل بوجود هذه السلطة في الحكم، وكان ولوج هذا النظام في أيقونات الحل الداخلية منها أو الخارجية إنما هو عزفٌ إعلاميٌّ وعرضٌ واستعراض لـ " هيبة وسيادة الدولة المنتصرة". 

كما أنه خطاب تجاهلته كالعادة القنوات السياسية والإعلامية الرسمية للنظام، بل تلاه حديث بشار الأسد في عيد الجيش الذي أكد خلاله أن معركته على الإرهاب هي معركة وجود ومصير لا مجال فيها للتهاون أو المهادنة.

لقد تناسى الخطيب (انطلاقاً من نبل الهدف المرتجى من هذا الطرح طبعاً) أن تكرار المبادرات من نفس الطرف دون أية استجابات من الطرف الآخر أو المجتمع الدولي يفقدها الاهتمام والجدية.

3- خلال الطرح أكد الخطيب أنه جهة لها تمثيل ومستعدة للتفاوض مع مبعوث النظام السوري، وهنا يجب التذكير بإشكالية التمثيل والتفويض وما تمثله من قضية ذات أبعاد حقوقية تحتم على أي جهة مفاوضة مسؤولية ممارسة هذه الصلاحية، أي وبمعنى أدق يُشرع لنا أن نسأل كائناً من كان من هي الجهة المفاوضة للنظام؟ من يمثل؟ من أعطى له أي تفويض؟

إن طرح "المبادرة" إعلامياً، يجب أن يراعي (كتوقيت) الاتساق والانسجام مع المشهد الإقليمي السياسي والعسكري، وهذا مالم يُؤخذ في الحسبان، فتواقت خطبته مع ما يجري في غزة وتصارع المحاور الإقليمية وانشغالها بالشأن الفلسطيني أفقدها الاهتمام الشعبي وحتى الرسمي ناهيك عما تشكله حرب غزة من أولوية استراتيجية لصناع القرار السياسي فهي تشابك وتعارض الاستراتيجيات الكبرى إقليماً ودولياً التي ستنعكس لا محالة على طبيعة النظام الإقليمي في المنطقة.

كما يجب أن يكون هذا الظهور الإعلامي تتويجاً وانعكاساً لجملة مناقشات وترتيبات واتفاقات بين فئات تتسم بالفاعلية والفعالية والقدرة على التنفيذ، إلا أنه عندما نستحضر بعض الاستفسارات المتعلقة بتبعات انقسام المعارضة داخلياً وخارجياً، والارتدادات الجيوسياسية، ومستوى شرعية التمثيل الدولي، فإنها ستبقى دون إجابات. وهذا يؤكد أن طرح الخطيب قد تم فقط نتيجةً لتوافقات بين شخصيات علا الهم الإنساني مخيلتها دون الأخذ بالحسبان عمق تعقيدات المشهد السوري وما أفرزته الجغرافية العراقية من متغيرات استراتيجية تعصف بالمنطقة برمتها ربطت بين الملف السوري والعراقي ربطاً جغرافياً وأمنياً وسياسياً، بالإضافة إلى ما فعلته الانتخابات الرئاسية في تكريس واقع النفوذ العسكري ونسف الحل السياسي برمته وبكل أشكاله.

ملاحظة للقارئ: إن ما قدمته من قراءة تفكيكية لا تنطلق من تبني موقف مسبق تجاه الخطيب، بل هو فقط من ضرورة إدراك خطر طرح المبادرات التفاوضية واستجداء قبولها من قبل النظام، الرافض إلى الآن اعتبار مناهضيه من فئة البشر.

مشاركة لــ"زمان الوصل"
(139)    هل أعجبتك المقالة (153)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي