قتلانا وشهداء فلسطين...الجزيرة توقف النشرة السورية... د .عوض السليمان

لا يمكن إلا نفخر بوقوف قناة الجزيرة الفضائية، الكامل مع الشعب الفلسطيني، وتعاطفها مع أهل غزة، الذين يلقون من ظلم العرب ما لا يلقونه من الكيان الصهيوني نفسه.
نتفق مع الجزيرة بإطلاق شعار " غزة تقاوم" فهي تقاوم بالفعل، ونتفق مع تسمية الذين قضوا في غزة وفي فلسطين كلها بالشهداء، إذ لا تليق تسمية أخرى بمثل هؤلاء الذين يتعرضون للحصار منذ سنوات، وتمنعهم حكومة الانقلاب في مصر، من الحصول على الدواء والغذاء، بينما تقوم دول عربية أخرى بالتحريض ضدهم، لدرجة أن سلطت بعض الدول الهجينة " نبّاحيها" على المجاهدين في القطاع، فنبحوا مطالبين باستخدام الكيماوي، وكل أساليب القوة لنسف المقاومة في فلسطين.
ومع اتفاقنا مع الجزيرة حول كل ذلك، فإننا نريد أن نتوقف عند مفارقة غريبة، وهي أن الفضائية الشهيرة، أوقفت بث نشرة الأخبار الخاصة بسورية، عند اندلاع العدوان على غزة. والمفارقة أن الأصل في المسألة أن نحارب الظلم جميعه ونقاوم العدوان كله، وبالتالي فقد كان على القائم بالاتصال في الجزيرة أن يربط بين العدوانين كليهما، ويتعامل معهما في آن، فالذي يحارب البربرية في غزة عليه أن يحاربها في دمشق أو في أي مدينة في العالم.
لا يصح أن توقف الجزيرة نشاطها في الدفاع عن الثورة اليمنية بسبب الثورة الليبية مثلاً، ومن غير المعقول أن توقف اهتمامها بالمشهد المصري لنشوب الثورة السورية، وهكذا. فالوقوف ضد العدوان مسألة لا تتجزأ، كما أن المبادئ لا تتجزأ أيضاً.
المسألة الأخرى التي تستدعي الاهتمام، هو تسمية الجزيرة للذين قضوا في معارك التحرير في سورية "بالقتلى". فلا أعرف الفرق بين الأطفال الذين ماتوا بطائرات "إف ستة عشر"، وأولئك الذين ماتوا بطائرات "سوخي وميغ". ولا أعرف الفرق بين الذين حملوا السلاح من أجل حريتهم في فلسطين والذين حملوه من أجل الهدف نفسه في سورية.
إن الأمهات اللاتي ينحن أطفالهن في فلسطين لا يختلفن البتة عن اللواتي يفعلن في دمشق وحمص وحلب، ولعل الفرق فقط، بأن أمهات غزة يتألمن بسبب قصف الطائرات وحسب، أما أمهات سورية فيتألمن لذبح أولادهن بالسكاكين عقاباً لهم على اسم عمر وخالد. ويبكين أولادهن لأنهم اختطفوا واغتصبوا وعذبوا ثم قتلوا.
السوريون يبكون على جثث لم يجدوا رؤوسها أو بيعت أعضاؤها في إيران وروسيا. أفلا تستحق تلك الجثث المقطعة، والرؤوس المفصولة، والعيون المسمولة، أن يسمى أصحابها شهداء.
هل قام الكيان الصهيوني بدفن فلسطيني لأنه لم يقل أشهد أن لا إله إلا بشار. وهل سلخوا جلد رجل حي، وهل اغتصبوا الصغيرات أمام ذويهن، وهل ذبحوا أطفال الحولة بالسكاكين على مرأى أمهاتهم.
ولئن كانت غزة محاصرة واستطاع أهلها إيصال الدقيق إليها بطريقة ما، فإن زهرة شباب حمص قد قضوا في مجزرة رهيبة، لأنهم حاولوا إدخال الطحين للجوعى، وحوصر ريف دمشق ثلاثة أعوام حتى أكل أهله ورق الشجر، حيث يبست عروقهم وفاضت أرواحهم.
فما الرابط إذا بين العدوان على غزة وإيقاف نشرة أخبار سورية، وما الفارق بين شهدائنا وشهداء فلسطين، إلا أن العدو في سورية أشرس منه في غزة.
هل تقول لنا الجزيرة إنها لا تملك الوقت الكافي لكل هذه الثورات؟ بالطبع لن تقول، وإلا نسفت ميثاق الشرف الإعلامي الذي تفخر به. ولئن قالت، فسنذكر بأنها أوقفت بعض البرامج عند تفجر الربيع العربي. ولكنها اليوم توقف أخبار سورية بينما تكرر معظم برامجها ثلاث مرات في الأسبوع.
لقد تراجعت الأخبار حول سورية عالمياً، وتراجعت تراجعاً حاداً في الجزيرة، وما الجزيرة إلا جزء من هذا العالم، تؤثر وتتأثر بسياسته وهذا لا عيب فيه، إنما العيب أن تتأثر بسياسييه وتلك هي المصيبة.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية