أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ليس صوابا حصر العروبة بالإسلام ... د. سماح هدايا



لمن التوجّه السلبي في مسار الأمّة والهوية والحضارة حصر العروبة بالإسلام ؛ فالإسلام، مثله مثل المسيحيّة واليهوديّة دين، جاء في المنطقة العربيّة،، بشكل ما حمل ثقافة عربيّة تحت مسميات مختلفة، وترسّب في ثقافة عربية، وليس وافدا من الخارج غريبا عن المكان. العرب، كجماعة، هم من أوّل من آمن بالإسلام. قبل أن يؤمن به الآخرون طوعا أو تحت منطق الغلبة الثقافية والسياسية. ومثلما انتشرت اليهوديّة ومن بعدها المسيحيّة التي سبقت الإسلام بستة قرون بين العرب، انتشر الإسلام بين العرب من نصارى ويهود وغير ذلك. ومثلما أصبح للإسلام حضوره الواسع في الخارطة العربيّة الشاملة بكل تمايزاتها واختلافاتها ومتشابهاتها ومكوناتها العرقية من مشرقها إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها، كان للمسيحيّة حضورها الممتد قبله في القبائل العربيّة، وفي أرض العرب، وكان لها مراكز مدنيّة ودينيّة ومعابد ورجال دين. وكذلك كان لليهوديّة.


هناك من ينطلق من تعصّب دينيّ، أو جهل تاريخي أو من موقف حزبي ساسي؛ فيلصق الهويّة القوميّة بالدين ويحصرها فيه، ومن ثمّ يحاول أن ينزع المسيحيّة من الإطار العربي الشامل، على الرّغم من أنّها بدأت في الأرض العربيّة، وكانت جزءاً من النسيج العربي. ومن ثمّ يربطون السّريانية والأراميّة بالمسيحيّة في سياق اجتزائي ،ويربطون العربيّة بالإسلام في منحى انعزالي، على الرّغم من أنّ اللغة العربيّة كانت سائدة آئذاك في بلاد الشام والعراق والجزيرة، ولم يأت بها العرب والمسلمون من خيم بدائية لا يمكن أن تتقن لغة عميقة وشاملة وواسعة كاللغة العربية كما يتمّ الادّعاء، ولم يسحبوها من ظلمة حضارية ليفرضوها على الناس الأخرين والأغيار وعلى الحضيم؛ ويستعمرون من خلالها ثقافة المنطقة وهويتها اللغوية والسياسية؛ فهناك مخطوطات ونقوش وأشعار تعود إلى زمن المسيحيّة وإلى ما قبلها مكتوبة باللغة العربيّة الفصيحة. وهنا تجدر الإشارة إلى الصّلة الثقافيّة الحضاريّة بين عرب أهل الشّام والعراق من جهة، وبين عرب جزيرة العرب، فقد كان بلاط المناذرة وبلاط الغساسنة، يستضيفان كثيراً من الشعراء العرب؛ مثل حسان بن ثابت والنابغة الذبياني، وغيرهما... ثمّ ليس العرب الوافدون من الحزيرة العربيّة، هم وحدهم الذين أسسوا جيش الفتح الإسلاميّ، وحاربوا وتوسعوا في الأرض العربيّة والعالم؛ فقد كان عرب المنطقة العربيّة وسكانها في بلاد الشّام والعراق، وفي شمال إفريقيا( تحت مسمّى البربر الخاطئة ثقافيّا)، هم نواة جيوش الفتح العربي الإسلاميّ، وهم الذين نقلوا اللغة العربيّة وثقافتها، ومشروع الدين الإسلامي كحركة سياسيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة وحضارية آنذاك إلى البلاد التي فتحوها.
نحن في مرحلة تحطيم وإعادة بناء. ويجب إدراك معنى كثير من الأسئلة الإشكالية من أجل بناء المستقبل الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الأمّة والهويّة. وكلّ أمّة، قبل أن ترفع شعاراتها السّياسيّة وتعلن حركة أحزابها وتنظيماتها، يجب أن يكون حاضراً في أولى أفكارها معاني الأمة، ومن ضمنها قضيايا اللغة والدين والحضارة والتاريخ والجغرافيا.

(131)    هل أعجبتك المقالة (129)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي