رغم أن الشيخ معاذ الخطيب لم يعتبر كلمته الموجهة إلى السوريين عبر اليوتيوب "مبادرة سياسية" بل كما وصفها "عيدية للشعب الذي عانى الكثير"، لكن ما طرحه هو بالفعل مبادرة سياسية، تم تأسيسها على خمس نقاط وهي:
أولاً، التعاون من أجل منع تقسيم سوريا.
ثانياً، استقلال القرار السياسي السوري، حيث إن هناك ثلاثة مشاريع تتصارع في سوريا وهي مشاريع: إيران التي تريد الهيمنة، وبعض الدول الخليجية التي تريد الدفاع عن نفسها ضد إيران وتحاربها على الأرض السورية، ومشروع القاعدة الذي استغل الفراغ وحماس الشباب ومعاناة السوريين.
ثالثاً، إنقاذ سوريا، الذي يؤسس على تنحي النظام والمعارضة، وإعطاء زمام القيادة لخيرة أبناء البلد، بعيداً عن التناطح والارتهان.
رابعاً، وقف القتل والخراب.
خامساً، الحل السياسي التفاوضي، بحيث يضغط الشعب على الطرفين المتحاربين، ويجعلهما يتنحون، بحيث يتنحى النظام سلمياً، ويتم تحقيق العدالة الانتقالية.
ووجه كلامه للنظام، بأن أفعاله ستزيد كره السوريين له، ولن يستطيع أن يسيطر مهما كان، كما استعطف الأسد بشكل شخصي ودعاه لينظر إلى حال الأطفال. ووصف المعارضة بأنها مرتهنة في أكثر من موقع من خطابه.
واعتبر أننا بحاجة إلى مشروع وطني شامل، بحيث يحكم سوريا أحرارها، وليس أي من الطرفين المتصارعين اليوم.
ودعا النظام للتفاوض، وقال إن أظهر النظام رغبة في التفاوض، فإن خيرة القيادات مستعدة لمفاوضات معه، ودعاه ليرسل أحداً للتفاوض مع هذه القيادات ومعه.
يمكن أن نضع الملامح التالية للكلمة:
• معاذ الخطيب يوجه كلمة متلفزة إلى الشعب السوري، تحتوي على مبادرة سياسية، وهو يعود إلى ممارسة دور قيادي، بغض النظر عن المؤسسة التي تقف وراءه، وهذه المرة بمبادرة متلفزة وخطابية وليست مكتوبة كما كان يفعل في الماضي، ومن المعروف أنه خطيب مفوه، كما أن لديه أسلوباً خطابياً جذاباً.
• معاذ الخطيب يدغدغ مشاعر السوريين، بموضوع الكرامة واستقلال القرار السوري، وهو أمر يحرك في نفوس السوريين الكثير.
• ويدغدغ أحلام السوريين الذين عانوا الكثير من جراء الصراع، ولم يعودوا يرون أفقاً لخروج البلد مما تعاني منه، وبالتالي أصبح مصيرهم ومصير عائلاتهم مجهولاً ومهدداً.
• الخطيب وجه صفعة للمعارضة السورية بتحميلها نفس المسؤولية مع النظام عما يجري في سوريا، وبوصفها بأنها مرتهنة، أي أنها تنفذ أجندات خارجية، ثم تجاوزها بمخاطبة النظام مباشرة، وتقديم عرض له بالتفاوض معه، حيث ستكون هناك "خيرة قيادات الشعب السوري"، وكان غامضاً في هذا الأمر.
• كما ساوى الخطيب، بين ما سماها مشاريع تتصارع في سوريا، ولم يفرق بين المشروع الإيراني، ومشروع القاعدة من جهة، وما تقوم به بعض دول الخليج من سياسات، فلا يمكن اعتبار ما تقوم به دول الخليج بمشروع.
• عاد معاذ الخطيب إلى نفس فكرة "تنحي النظام عبر التفاوض"، والتي كانت جوهر عملية جنيف، ولم تنجح بسبب عدم رغبة المجتمع الدولي في الضغط على النظام وحلفائه.
• مارس عملية استعطاف للنظام ورئيسه، وهو أمر كان قد جربه سابقاً، ولم ينتج عنه شيء، ولن ينتج، فالنظام لو عرف معنى الإنسانية، لكانت الأمور اختلفت من البداية.
ما يرى من الكلمة، أن معاذ الخطيب لا يزال يمارس "الفروسية السياسية"، وهو الشخص الذي كان يمكن أن يشكل رمزاً للشعب السوري في الماضي، ويبدو أنه يريد العودة إلى هذا الدور، خاصة أن هناك نوع من المزاج السلبي، إلى درجة اليأس، تجاه الائتلاف وسياساته لدى الرأي العام السوري، وتجاه كل التنظيمات والشخصيات المعارضة الأخرى.
وهو يحاول تحريك مياه راكدة، مع وصول الحال بالبلاد إلى الأفق المسدود، والحرب التي يمكن أن تستمر لسنوات طويلة، وبغض النظر عن واقعية كلام الخطيب، فإن رومانسيته قد تجعله يشكل تياراً ذا تأثير في الواقع السياسي السوري، خاصة إذا ما استغل النظام الفرصة، وذهب للتفاوض مع الخطيب، الأمر الذي سيوجه ضربة للائتلاف ويؤدي إلى إضعاف دوره، بشكل أكبر مما هو عليه. وفي الوقت نفسه الذي لا يتوقع معه أن تحدث مبادرة الخطيب نوعاً من بروز عقلاء في النظام مستعدون لحل شامل في سوريا، لكن المبادرة على الأقل قد تكون أرضية لحوار جاد داخل النظام، خاصة إذا ما اشتد ضغط "داعش" عليه في مختلف الميادين.
مشاركة من كاتب عرف نفسه بــ"كاتب حر"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية