أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وسائل التسلية الرمضانية القديمة في حمص جزء من الماضي الجميل

في ظل الظروف الصعبة تحت أزيز الرصاص وأصوات القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة يفتقد أهل حمص هذه الأيام وسائل التسلية الرمضانية التي أصبحت جزءاً من الماضي الجميل الذي أصبح بدوره متحفاً كبيراً لكل مفردات الجمال والصدق والأصالة والغنى الروحي. 

كانت سهرات رمضان من لوازم الحياة في المجتمع الحمصي إذ لابد للإنسان في الليالي وخصوصاً في أيام رمضان الشديدة من وسيلة لتخفيف أعباء المشاق التي يكابدها الصائم من جوع وعطش في النهار ولذلك وجد في السهر والسمر تعويضاً عن هذه المشاق، وكانت بعض سهرات الماضي تُقام في القناقات والقناق لفظة تركية تعني المسافة التي يقطعها المسافر في اليوم ثم تطورت دلالتها فأصبحت تدل على المكان الذي يبيت فيه المسافر وفي التعبير الشعبي يقابل هذا المعنى كلمة المضافة أو المنزول وإن كانت الكلمة الأخيرة مستهجنة في حمص إذ تدل على المكان سيء السمعة وكان أرباب العائلات الغنية في يؤمها الأصدقاء « قناق » حمص يفردون في بيوتهم غرفة يطلقون عليها والمعارف ووجهاء الحي لتمضية السهرات وفي أثناء هذه السهرات كانوا يتبادلون الأحاديث في مشاغلهم اليومية ويتسامرون ويتبادلون النكات وأخبار الحارة أو البلد، أو قصص الصيد وتربية الحمام وقصص الماضي والوقائع كانت تُحل في القناقات مشاكل البعض، التي شهدها بعض الحاضرين كما ويقوم على خدمة الضيوف أحد أبناء صاحب القناق وتكون القهوة المرة والشاي والأركيلة فقط على حساب صاحب القناق أما تنباك الأركيلة فعلى الضيف الذي يدخنها، ومن القناقات التي كانت معروفة في حمص في الفترة ما بين خروج إبراهيم باشا عام ١٨٤٠ وحتى خروج الأتراك العثمانيين ١٩١٨ قناق يحيى زهراوي زادة نقيب أشراف حمص قرب قصر الزهراوي وقناق الميرلاي عبد الحميد بك مدير الأراضي السنية بحمص وحماة ( كتاب: حمص دراسة وثائقية من خروج ابراهيم باشا وحتى خروج الأتراك العثمانيين، تأليف الراحلان محمود عمر السباعي و نعيم سليم الزهراوي،مطبعة الروضة، حمص، ط ١ . ٢٠٠٣) وكان رواد هذه القناقات من الكهول والشيوخ المتقدمين في السن غالباً، أما الشباب فكانوا يرتادون المقاهي الشعبية التي كانت كثيرة ومتنوعة في تلك الفترة، كما كانت هذه القناقات مقتصرة على الرجال ومحظورة على النساء والأطفال، وبعد أن توسعت المدينة وضاقت البيوت بساكنيها، وبعد أن هدمت البيوت العربية القديمة الواسعة نشأت فكرة أن يكون لكل عائلة من عائلات حمص قناق خاص يضم أبناء العائلة في المناسبات المختلفة كالأفراح والأتراح والسهرات الخاصة التي تطيب فيها الأحاديث الودية حول شؤون الحياة كما يحلو تبادل الطرائف والذكريات ولاسيما لدى كبار السن وفي حمص اليوم أكثر من ٢٧ قناق موزعة على أحياء المدينة ارتبط كل واحد منها باسم عائلة من عائلات حمص المعروفة كعائلات (الأتاسي، السباعي، مندو، سحلول، طليمات، الحجة، رسلان، حاكمي، طيارة، الدروبي الأخرس ، شاهين ... إلخ).


خرير الأراكيل
كانت قناقات حمص في الماضي بديلاً عن المقهى وأماكن اللهو يمضي فيها كبار السن أوقات فراغهم وهم يلعبون النرد أو ورق اللعب أو الشطرنج أو الضامة و الضومنا. وكان من الأمور الشائعة في هذه الجلسات أصوات خرير الأراكيل وهي واسطة التدخين الأكثر رواجاً في ذلك العصر إذ أن لفات التبغ لم تكن كثيرة الإستعمال اللهم إلا ما كان يلفها بعضهم بأيديهم وهكذا كان من المألوف أن ترى في محافل القناقات عدداً من الأراكيل الجميلة الصنع المتعددة الألوان المصنوع أسفلها من القزاز الثمين المزركش بالنقوش الفنية وكان لكل مدخن الخاص الفضي أو الذهبي الذي يحتفظ به بكل عناية داخل الشملة « إمزكه » وهي زنار مستطيل يزيد طوله عن المترين والنصف وعرضه عن ٣٠ سممن الحرير السادة الأسود الغامق كانت تُلف حول الجسم عدة مرات ويثبت طرفه الأخير بإدخاله بين طياتها وقد أشرع بعضهم نرجيلته يغب منها بين الحين والآخر نفساً عميقاً كلما احتاج الأمر إلى انتظار أو روية وتفكير أثناء اللعب.

أصول واجبة الإتباع
لتدخين الأرجيلة في المجتمع الحمصي أصول واجبة الإتباع في المقهى أو القناقات على حد سواء حيث كان الضيف يطوي الجزء الأعلى من النبريج ثم يعيده إلى مضيفه قائلاً: ( من كف لا يعدم ) فيجيبه المضيف ( من أخ لا يندم ) وكان من المعيب تقديم النبريج باتجاه الزبون بشكل مباشر بل يطوى (الأمزك) للخلف، ويقوم الزبون بضرب ظاهر يد الشخص الذي يسلمه إياها ضرية خفيفة إشعاراً بأخذ النبريج وهي حركة رمزية دلالة على الشكر، فوق الطاولة فمثل هذا التصرف « الأركيلة » كما كان من المعيب أن توضع في الماضي من شأنه أن يسبب المشاكل داخل المقهى لأن هذا يعني في عرف القبضايات نوعاً من التحدي والاستخفاف، وكذلك لا يجوز أن يشعل أحدهم سيكارته من فحم الأركيلة أو نفض رمادها في الصينية وإلا سبب ذلك مشاكل قد تصل إلى حد القتل. وكان ( شريبة) الأراكيل في المقاهي يجلسون صفاً واحداً لا على طاولة واحدة ونادراً ما يتبادلون الأحاديث فشرب الأركيلة يفرض جواً من السكون والتأمل قد يمتد لساعات بحسب نوع « الَنفس» ثم لا تلبث أن تتعالى أصوات اللاعبين وتُحدث ضجيجاً يشبه ضجيج حمام شعبي انقطعت المياه عنه.

خالد عواد الاحمد - زمان الوصل
(160)    هل أعجبتك المقالة (162)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي