أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

علماء حمص جمعوا بين التفقه في العلوم الدينية ومشيخة الكارات!

يحفل تاريخ مدينة حمص بعدد كبير من العلماء العاملين والمرشدين العارفين الذين عملوا على نشر العلم وحافظوا على أسانيدهم ومرويّاتهم ومسلسلاتهم العالية فلقنوها لمن كان أهلاً لها، كما تلقوها في حلقاتهم العلمية ومجالس تدريسهم التي كانوا يعقدونها في جوامع ومساجد حمص وبعض مدارسها وزواياها حسبة لله تعالى دون لقاء أجر مادي أو راتب شهري من جهة الطالب بل إنهم كرسوا جلّ وقتهم في الإلقاء والتلقي وكانوا إلى جانب ذلك يعملون ويتكسّبون بمهنة شريفة ليؤمنوا حاجاتهم الدنيوية. وإلى جانب العلماء والمدرسين الذين بذلوا ما بوسعهم في سبيل العلم وحفل تاريخ هذه المدينة بطبقة من العلماء المرشدين والمربين (المتصوفة) الذين حملوا لواء العلم والدعوة إلى الله تعالى ونشر الفضيلة ومبادئ الإسلام السامية وبث روح المحبة والتحلي بالأخلاق الفضيلة، وكان هؤلاء المرشدون يقيمون مجالسهم في زواياهم الخاصة أو في حلقات المساجد وكان لكل مرشد إجازة (شهادة) بالتلقين مسلسلة كابراً عن كابر إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تمنح لمن تحقق في الأهلية وحسن الإلقاء من المرشد الكامل.

وفي مطلع القرن الماضي أخذ الجامع النوري الكبير دوراً يشابه الدور الذي أخذه الأزهر الشريف والزيتونة في تونس والقرويين في فاس في تمثيل الوجه الناصع لمثالية الإسلام، والتعبير بحق عن أهدافه العلمية، إلى جانب الأهداف الدينية والروحية، في قبسات نورانية مشعة من الروح والعقيدة والإيمان، ففي صحن الجامع الواسع، ومصلاه الخارجي الفسيح، وغرفه المتعددة هنا وهناك، كانت تجتمع أفواج من الطلبة على مر السنين للدراسة والاسترواح في الجامع. يستوي في ذلك طلاب التجهيز أو الشرعية أو طلاب المدارس الأخرى، وكانت صلاة الجمعة في هذا الجامع ولا تزال ملتقى للمئات من أهالي المدينة والزوار، وخاصة في شهر رمضان المبارك يتآلفون في ظل الإسلام، وينعمون تحت أفيائه الروحانية الوارفة.

وكان العلم في العالم الإسلامي كله وفي مدينة حمص تحديداً مطلباً اجتماعياً من مختلف فئات المجتمع لأن مرتبة علماء الدين بقيت المرتبة الأعلى على الرغم من مختلف التطورات الاجتماعية فهم في نظر المجتمع ككل "ورثة الأنبياء" وهم ركن أساسي من أركان المجتمع الذي يقوم على أربع دعائم هي "السلطان وجنده، والعلماء والصوفية، والتجار، وأرباب الصنائع". 


مشيخة الكارات
ولعل الجمع بين التجارة والتفقه في العلوم الدينية لم يكن قائماً في حمص وحدها، وإنما في العالم الإسلامي كله بدأ منذ القرون الأولى، بل إن بعض العاملين في الميدانين من علماء حمص تسلّم مناصب دينية كمنصب القضاء والوعظ والتدريس والآذان والإفتاء وهناك من التجار العلماء من جمع بين التصوف والتجارة على الرغم من التباين المبدئي بين روحي الفكر الديني والتجاري، وتيار التصوف كان في القرون السالفة تياراً قوياً وله أتباعه في أوساط الحرف، وقد يرجع اندفاع الحرفيين إلى هذا التيار وانخراط بعضهم في عدد من الطرق الصوفية إلى رغبتهم في شغل أوقات فراغهم بما يرون أنه نافع لآخرتهم، وقد يكون ردة فعل مضادة لما يرونه أثناء عملهم في الكسب، واحتكاكهم بالناس من أمور ممجوجة، لا يرون إمكان صلاحها والتغلب عليها" (كتاب تجار دمشق وتجارتها- مرور قرن على إحداث غرفة تجارة دمشق، إصدار خاص، دمشق دون ذكر تاريخ النشر) هذا في الوقت الذي يمكنهم فيه عبر هذا الطريق أن –يكفروا– بحسب ظنهم عن اندفاعهم نحو الدنيا بعملهم الكسبي وما يصوره من آفات قد تكون أضرت بخلقهم وتدينهم ويورد الباحث "محمد غازي الآغا" في كتابه (أوائل المهندسين في ظل الخلافة العثمانية) أسماء المشايخ الذين تولوا مشيخة الكارات في حمص خلال الفترة التي يدرسها قائلاً: "كانت كل حرفة من الحرف الأساسية في المدينة وفي بلاد الشام عامة مرتبطة بشيخ من شيوخ الطرق الصوفية في المدينة، فالطريقة السعدية كان شيخها ومرشدها شيخ حرفة الخوامة، وأعضاء هذه الحرفة هم تلاميذ له في الطريقة المذكورة، وكذلك شيخ الطريقة القادرية، وشيخ الطريقة الأحمدية كانا من شيوخ حرفة الدباغة، أما شيخ الطريقة الرفاعية في حي باب تدمرفقد كان شيخ حرفة النجارين (نجاري الصمود من أدوات الحراثة والدراسة التي اشتهرت بها مدينة حمص) والمرشد الكامل الشيخ سليم خلف النقشبندي وزان الحرير في المدينة – ومن هنا ارتبطت كنيته بلقب الوزان– ومن السادة العلماء الأجلاء الفقيه الشيخ محمد المحمود الأتاسي الذي كان شيخ حرفة العطارة في المدينة وخبير شرعي لأصحاب البساتين في حل مشاكلهم (شيخ البساتنة)، وكذلك العلامة والصوفي الكبير الشيخ خضر بن الشيخ جمال الدين الجمالي الذي كان شيخ حرفة الحبالين في المدينة، وكذلك تلميذه الشيخ عبد القادر الشيخة 1334 هـ 1915م له محل للعطارة في سوق العطارين والشيخ مصطفى الترك له محل تجاري جانب سوق القيصرية، وغيرهم كثير.

خالد عواد الاحمد - زمان الوصل
(183)    هل أعجبتك المقالة (201)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي