بلى إنّ الإسلام بذروة سنامه الجهاد هو الحل
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ومن ولاه
كتب الكاتب سامر رضوان مقالين في جريدة زمان الوصل الإلكترونية نرد عليه فيما كتب والله وليّ التوفيق، المقال الأوّل بعنوان 'حين يسخسخ فضيلة المفتي' والمقال الثاني بعنوان مستفز أكثر من محتوى الأوّل وهو
'الإسلام هو المشكلة وليس الحل'.
وهذا ردّي ..
في المقال الأول بنى الكاتب تصوره للدين الإسلامي من على أسس علمانية خلص منه في المقال الثاني أنه إن لم يكن هذا الإسلام كما أريد فليس له مكان عندي، وهذا إن كان يعكس شيئا فإنه يعكس المفاهيم المغلوطة
للكاتب عن الإسلام، وتصوّره المغلوط عن الثورة ككل، وهذا شعور نفسيّ مفهوم، إذ هو يمّن على الثوار مساندته التي لا يرى لها أثرا على الواقع بحكم انتماءه إلى أقلية دينية، ولكنه يتصرف في نفس الوقت من منطق نظرة الأغلبية الطاغية عليها قومية عربية علمانية –وماهي بأغلبية وإنما هي عقيدة لم تلقى رواجا إلّا عند حزب البعث وبعض الأحزاب الأخرى وهي سبب مصائبنا اليوم- تضع الدين ومنه الدين الإسلامي في حيز ضيق كما صرح في مقاله الثاني قائلا : [ .. وإن شابه تطرف وقتل أديان أخرى عبر تاريخ قديم زار العنف مسعاها السياسي، إلا أنها خرجت من كوابيسه وشكلت لنفسها عتبة روحية تمارس سلطتها من
خلالها، تاركة شؤون الدولة لمن يستطيع تكوين منهج عمل خاص .. ] يعني تاركة شؤون الدولة .. فالدين عند الكاتب هو ترك شؤون الدولة والإكتفاء بالزمنيّ – Temporal - والإنحسار في الروحيّ – Spiritual - وهذه نظرة علمانية للدين ككلّ و خاصة للإسلام وهنا الإشكالية .. فكيف تكون -يا من تدعي الإنصاف وعدم الإنحياز- الخصم والحكم معا؟
ذكرنا الإشكالية في الفقرة الفارطة فوجب تعريفها، وفي تعريفها تكمن الإجابة عن تسؤلات الكاتب .. أوّلا
يجب أن نعرف أن أصل النظام العالميّ الحالي هو النظام العامليّ القديم إذْ يتكون من ملك + أعوان + سحرة = [الملك (حكام المنطقة + سيطرة القوى الخارجية)] + [الأعوان (جنود وشرط ومنظمات تخدم المصالح
العليا للنظام وبها يتنفس)] + [السحرة (إعلاميّن وأشباه مفكرين وعلماء السوء)]. وليس هنالك دين أو عقيدة حاولت كسر حلقة السحرة كالعقيدة الإسلامية، فالمشهد السياسي كان على مر حقب التاريخ الإسلامي يتمثل في أمراء وعلماء وأعيان من زعماء القبائل وكبراء القوم .. وكلما كان استقلال العلماء عن النظام السياسي كلما اقترب النظام السياسي من الواقع الإسلاميّ الصحيح .. كما هي مؤسسات الدولة والتي تقاس بها قوة
الدول، فكلما كانت مؤسسات الدولة الإدارية مستقلة عن النظام السياسي والصراع على السلطة، كلما استطاعت الدولة اجتياز مراحل سقوط حكوماتها، ومثال عن ذلك المؤسسة العسكرية بخلاف الشرطة، والتي يمثل إنهيارها أو انحيازها مؤشرا عن ضعف الدولة ككل وليس فقط الحكومة، فعندما يصبح الجيش يقصف مدنه لا يمكن توصيف هذا الجيش إلّا بجيش استدمار خارجي لا عنصر توازن داخليّ.
لقد حاولت الإشتراكية الشيوعية أيضا القضاء على النظام العالميّ أو هكذا كان يبدو بأن تقضي على هرم السلطة الملك والملكية بصفة عامة فحدث أن تصادمت مع غريزية بشرية قديمة وهي غريزة التملك [ ال عمران (14) :زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطره من الذهب والفضه والخيل المسومه والانعام والحرث .. ] وأيضا غريزة التديّن [ الاعراف (172) :واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامه انا كنا عن هذا غافلين ] عندما أرادت التصدّي إلى الدين كحل نهائي مع السحرة. وكهذا أنتجت الإشتراكية الشيوعية نظاما مشوها لم يلبث أن أعاد النظام العالميّ القديم في أبشع صوره بتأليه الحاكم ورجوع ماكنة السحر من الباب الكبير ومد شبكة جاسوسية عظيمة من الأعوان بين العامة لحماية هذا النظام الهش .. ومن بين هذه الأنظمة هي الأنظمة
العربية المخضرمة بين الإشتراكية والديمقراطية أو الحكومة المدنية العلمانية ..
وهكذا فإن النظام السياسي الإسلاميّ ليس هو النظام الكهنوتي الذي يشير الكاتب ويحذر من الرجوع إليه متناقضا مع نفسه بقوله [ .. هذه العلاقة التي يفترض أنها لا تقبل وساطة البشر كأديان أخرى ] فهو
يقر أن الدين الإسلاميّ ليس كالأديان الأخرى ومع ذلك يتعامل معه كأيّن منها !!! فارضا وصاية غريبة عليه شبيهة بوصاية الأنظمة الطاغوتية التي تقصف الشعب صباحا مساءً أمس واليوم، ويقول : [.. بأن يدوسوا تاريخ سوريا المدني والعودة بها إلى كهف الكهنوت المستبد الذي هو الوجه الآخر للكهنوت المخابراتي . ] فالمدنية هي العلمانية والعلمانية تعمل على إقصاء الدين عن الدنيا فأين الإنصاف هنا؟ !!!! ولو نقد
الكاتب المدنية نقدا جادا لكان خيرا له، فالمدنية الإسلامية لا تقبل سلطة تشريعية مستقلة عن السلطة القضائية، ولها نظام قضائي مستقل والنظام القضائي السائد اليوم هو النظام القضائي الروماني (المدني) القائم على نصوص القانون – texte de loi - وهو ليس النظام الوحيد فيوجد أيضا نظام الكومن لو الإنكلوسكسوني فلماذا يُفرض علينا نظام قضائيّ معيّن ولنا مثله؟ وللسلطة التنفيذية أن تسن قوانين غير تشريعية من قوانين
طرقات وإدارة وغير ذلك .. وللعامة والأعيان إنشاء مجالس محاسبة أو مشاورة كما يشاؤون .. ولكن هذه النظرة النقدية للمدنية لا تكاد تجدها عند أغلب الناس وخاصة منظري المدنية ولم أجدها شخصيا إلّا عند عبد الوهاب المسيري الذي تحدث عن غياب السلطة التشريعية في الإسلام ..
فهذا التطابق مع الطاغوت الذي يرا به الكاتب مخالفيه هو نفس التطابق الذي نراه هو فيه مع الطاغوت
بتهميشه ووصايته على الدين الإسلاميّ وبدعوى الإجتهاد، وبدعوى عدم وجود وساطة بين الربّ والبشر في الإسلام، يحسب أنه في موضع يمكنه من الإجتهاد والإستنباط واستقراء للنصوص، ويحسب أنه لم يسبقه الطاغوت في هذا؟ بل هذه كانت ولازالت سياسته، بل ما فتئ الطاغوت يروج لهذه الدعاوي أيام استبداده حتى حفظ الناس هذا الكلام على أنه استبداديّ، فلا عجب أن يرد العامة على كلامه من موقع ردهم على الإستبداد عموما، فلو رجع الكاتب إلى العلماء وطلبة العلم المسلمين لعلم أنّ ما نقله عن الإمام مالك باطل وقد اعترف الكاتب في مقاله الثاني أنه غير مثبت –وهذه خطوة جيّدة- وهذا الكلام عن الإمام مالك هو من قبيل الإفتراء والإفتتات على الإسلام والمسلمين فكيف يريد الكاتب ردّا متسامحا من عامة المسلمين وهو يسلك معهم نفس سلوك الوصاية على دينهم كالنظم الحاكمة تماما .. ثم لماذا لا يحسن المفكرون إلّا انتقاد الدين الإسلامي ولا يحسنون إنتقاد الديمقراطية والمدنية والعلمانية وغيرها من الأديان الوضعية؟ ربّما لأنهم يؤمنون أن الديمقراطية والمدنيّة وحي من السماء فوق النقد وأمّا الإسلام دين محمد عربيّ من الصحراء صلى الله عليه وسلم !!! وردّا عن تأويل الآية الكريمة [ نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه وبشر المؤمنين. البقرة (223) ] فقد ورد في تفسير بن كثير (القرن الرابع عشر ميلادي) كما هو في سائر التفاسير أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال ابن جريج في الحديث . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " وفي نفس التفسير عن عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن فقال : أف أف أويعمل هذا مسلم ؟ ثم بعد هذا يضع الكاتب مفهوم المذاهب خمسة يجمع فيها المذاهب السنية بما يسمى المذهب الجعفري
والذي هو الأحق بنكاح الدبر والإسلام منه بريء فضلا عن أن الحقائق الميدانية أوضحت أن قيادات الشيعة الإثني عشرية إلّا قليلا برئاسة إيرانية وطنوا أنفسهم في صف الطاغوت .. وكل هذا الفهم للكاتب
يعكس قلة إدراكٍ لحقيقة الصراع وربما وضع الكاتب يده على بعض الحقيقة في جوانب هذا
الصراع إلّا أنه لم يحسن وصلها وتحليلها ..
فما هي هي حقيقة
الصراع؟
ولنفهم ذلك فعلينا أولا أن نفهم ظاهرة العنف وماهيتها.
فمِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ فِي عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ أنّ العنف هو الأساس المطلق الذي يُبْنى عليه أيّ نظام سياسي
[ Violence is the ultimate foundation of any political order ] والعنف هو بداية تشكل القوة التي هي القدرة على تمرير شخص ما أو جماعة لطريقتهم الخاصة في التعامل مع الأشياء والإستمرار فيها بالرغم
من المعارضة والمقاومة التي قد يتعرضون لها ..
فالعنف هو بوادر نشأة نظام سياسيّ جديد.
قال ابن خلدون :" إعلم أن السيف و القلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمر إلا أن الحاجة في أول الدولة إلى السيف ما دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة إلى القلم لأن القلم في تلك الحال خادم فقط منفذ للحكم السلطاني و السيف شريك في المعونة وكذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتهما..
فالإسلام جاء إنقلابا على النظام العالميّ وليس منخرطا فيه فلا يمكن أن تقيس النظام الإسلاميّ على ما هو مُشاهَدٌ، أو ما قد شوهد في خضم النظام العالميّ فهذا افتراء على الإسلام، وأما كون الأقليّات لا تريد نظاما
إسلاميّا فهي في هذه الحالة تريد نظاما استبداديا لأن أغلبيّة شعوب المنطقة العربية مسلمون ومتديّنون ولم تنجح الأنظمة القمعية عن سلخهم عن دينهم طوال عقود.
وقد تختلف المؤاخذات على دولة البغدادي ولكن مآخذتنا نحن هي من نفس هذا المنطلق -زيادة على المآخذات الشرعية- وهو أن الإنخراط في النظام العامليّ بدور أو بآخر إنما هو خدمة له ولا يعكس الحالة الثورية التي تفترض حدا أدنى من تركيع أو تحيّيد رأس النظام العالميّ –المركز- في الصراع. أما أن تصبح أنت
من الهامش أو حتى أحد أركان هذا النظام العالميّ كروسيا والصين فليس هذا النظام الإسلاميّ.
ويمكن أن يراجع الكاتب نظرية Wallerstein في النظام العالمي وقد تحدث في هذا الشيخ أبو مصعب السوري منظر تنظيم القاعدة وصاحب كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية وأيضا الدكتور أكرم حجازي في أخذه عن الدكتور عبد الله النفيسي.
ونعم قد نتفق مع الكاتب على المضمون دون المحتوى في أن تكميم الأفواه بحجة وحدة الصف هي ظاهرة بسيكولوجية إجتماعية ينبغي التخلص منها وتتمثل فيما يعبر عنه في علم نفس الإجتماع بـ'التفكير الجماعي' حيث يظن الفرد في الجماعة أن المحافظة على وحدة الجماعة أو التكتل أولى من أيّ شيء آخر فيستبعدون
أيّ شيء يمكن أن يعكر صفو وحدة الصف وإن كانت بادرة انشقاق، فتتوسع بسبب هذا، لعدم مراعات شروط العدالة والإنصاف .. وهنا أتسائل هل قدر الأقليات بين المسلمين هو أن تنحاز لغير المسلمين من القوى الخارجية أم للثورة عموما؟ أوَ إن أتتت الثورة بما لا تشتهيه أنفسهم؟ أم أنهم سيمارسون مع المسلمين الإرهاب الفكري كما مارسته الأنظمة حذو القذة بالقذة، فإما تحريف مسار الثورة أو ننظم للنظام العالميّ، هي فعلا لحظات تاريخية فارقة سيكتبها ويسجلها التاريخ ولن يبخس الناس أشياءهم.
أمّا عن مفهوم الدين فليس هو السلام والوئام والحب والجمال فقط كما هو مفهومه عند الكاتب ولكن الدين أيضا الصراع بين الخير والشر والذي هو أصل من أصول التكليف والتكليف هو الشريعة والشرائع كمنظومة قانونية واقتصادية مستقلة عن الرأس مال الربويّ لا فقط الشعائر الدينية .. [واذ قال ربك للملائكه اني جاعل في الارض خليفه قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون] البقرة (30) .. لذلك فقد كانت من أولى أولويات الإستدمار في أراضي المسلمين عندما حكمونا خلال الحملات الإستعمارية خلا القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو إنشاء محاكم وضعية موازية
للمحاكم الشرعية كما حصل في تونس لتسهيل تغلغل الرأس مال الربوي ثم لم يلبث دعاة الإستقلال الشكليّ أن ألغوا المحاكم الشرعية والحكم بالشريعة والتحاكم إليها وفي هذا دلالة عظيمة على كون الشريعة هي محرك الصراع.
والسلام على من اتبع الهدى .. وختاما رسالة إلى الأقليات في العالم الإسلامي نقول لهم قول الله تعالى في سورة الرحمن الأية (60) : هل جزاء الاحسان الا الاحسان.
مشاركة لــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية