أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ستة مطبات وست نصائح

يمكن القول، من وحي ما نسمعه من مشاكل المعارضة السورية، وحالة التفسخ التي تعمل عميقاً داخل معظم القوى والتجمعات السياسية، إن هناك ستة مطبات بديهية يمكن أن تعترض سبيل أي شخصية سياسية تعمل في الحقل العام، وهذه يتبعها بالضرورة ست نصائح يمكن أن يستعين بها المرء لتجاوز تلك المطبات، على أن هذه النصائح لن تكون مفيدة إلا لكل صاحب بصيرة ومشروع وطني وإنساني يتجاوز المشاريع الذاتية والشخصية المحدودة وضيقة الأفق.

نصادف هذه المطبات الستة بقوة في الحقل السياسي، وبعضها في الحقل الاجتماعي:

1- الدول: في أحوال الوضع السوري ستكون العلاقة مع الدول مفتوحة سواء من جانب ممثليها أو عبر سعي العديد من الشخصيات السياسية المعارضة. وهنا نقول إن أي شخصية سياسية عليها أن تكون حذرة في التعامل مع الدول وممثليها، فالفرد ضعيف عموماً أمام الدول وقدراتها وجاهزيتها وخبراتها، لذا ينبغي عدم الفرح ببناء علاقات فردية مع الدول أو الفخر والمباهاة بهذه العلاقة، وعليك ألا تصدق دائماً ما يصدر عن ممثليها ووزرائها وسفرائها، لأن سياسات الدول يمكن أن تتغير، وبالتالي يمكن أن تبيع الأفراد بقشرة بصل، لذا من المهم أن تقتنع بأنه من الأفضل مقابلة الدول وممثليها أن تكون بتكليف من مؤسسة سياسية واضحة الأركان والأهداف والقوام، وإلا فإن الدول ستلعب على الخلافات والفروقات الفردية من جهة، كما لن تشكل رؤية محترمة تجاه جميع الأفراد.

2- الإعلام: لا تلهث وراء الإعلام بقصد كسب الشعبية، وامتلك الشجاعة النفسية لرفض اللقاء مع أي وسيلة إعلامية عندما ترى أنه لا فائدة من اللقاء بتفكير عقلي موضوعي أو أنك ربما تشوش أو تسيء، بل اعتذر عن الإعلام كله عندما تجد أنه سيحولك تدريجياً إلى "علكة" يمضغها ويرميها، فالإعلام لا يبني قيمة للمرء إذا لم يكن بالأصل صاحب قيمة في مستوى ما من مستويات الحياة، ولا تقل في خطابك الإعلامي وأنت خارج بلدك ما لا تستطيع قوله وأنت في داخله، فالناس مع الزمن لن تحترم "المزاودين" وإن كانوا يفرحون بكلامك الحاد الذي يدغدغ مشاعرهم في لحظة ما.

3- المال: المال مفسدة ويفترض بالشخصية السياسية أن تكون من دون طموح مالي. لا تسعَ نحو طلب المال من أي جهة من دون شهود أو توثيق، ولا تطلب المال بشكل فردي، ولا تستلم المال بيديك أو عبر حسابك الشخصي، يمكنك أن تصل بين أصحاب المال والمحتاجين بشكل مباشر، وارفض بشكل حازم تلقي أي راتب عن عملك في أي مؤسسة سياسية، أو لقاء خدمة شعبك وأهلك، وليكن لديك بالتأكيد عملك الخاص الذي تعيش وتأكل منه.

4- المنصب: اقتنع في داخلك أن أي منصب لا تصله بطريقة ديمقراطية وشرعية هو مجرد منصب مؤقت وهش، ولا تسعَ إلى منصب أكبر من طاقتك الفكرية والسياسية فعيوبك ستظهر عاجلاً أم أجلاً، وستتحول آنذاك إلى مصدر للنكتة والسخرية لدى الكثيرين، ولا تسعَ إلى منصب إذا لم يكن هناك منافسون حقيقيون لك، فالموقع الأول على "الكسالى" غير مغرٍ، اقتنع أن أي منصب تصل إليه وأنت خارج بلدك لا يساوي "نصف فرنك مصدي". بالمقابل، قم بواجبك كاملاً حتى لو كنت في أدنى مرتبة تنظيمية، ولا تفرح ببناء دكان أنت على رأسها إذا لم يكن بقية الأعضاء ديوكاً حقيقيين. لا تدخل في مؤامرات شخصية لأنها بالضرورة ستنكشف مع الزمن، فضلاً عن أنها ستشكل بيئة غير صحية ولا أخلاقية لأي عمل، وستتسبب بضياع الهدف الأساسي بالضرورة.

5- التمثيل: أنت تمثل نفسك بالدرجة الأولى، ولا تنخدع بمن يجعلونك ممثلاً لهم في لحظة ما، فكثيراً ما يحوِّل الناس المرء من ملاك إلى شيطان بين ليلة وضحاها، وكثيراً ما يأكلون الآلهة التي يصنعونها، ولا تعط الناس وعوداً كاذبة أو تلتزم بما لا تستطيع، وانتبه أنه كلما كبرت صفتك التمثيلية كلما توقع الناس منك أكثر، وهنا ستكتشف أن التواضع فضيلة ما بعدها فضيلة.

6- المهاترة: لا تدخل في أي مهاترة شخصية من أي نوع، وميِّز بدقة بين النقد الشخصي الموجه لك وعليك الاستفادة منه، والتشهير أو الإساءة، واحرص أن تبتعد من الدخول في أي عراك شخصي مع السفهاء أو العجزة، فتلك غايتهم كونهم لا يملكون سبيلاً لإثبات الموجودية إلا من خلال جرّ الكبار إلى ساحاتهم الصغرى، واتركهم يفعلون ما يشاؤون حتى لو قادوا حملات التشهير بك، فهم من دون مستقبل، والتفت إلى عمل منتج لك وللآخرين، فذلك هو ما يبقى. اترك المعارك الصغرى لأصحابها، ولا تسمح لأي شيء أن يفقدك تركيز انتباهك على الهدف الأساسي الذي اقتنعت به أو تعمل من أجله.

هذه المطبات ليس من السهل مقاومتها أو تخطيها من دون تحصين الذات إزاء إغراءاتها، فهي تتطلب بحسب ما أطلق عليه ذات مرة إلياس مرقص "جهاد النفس"، الذي يحتاج إلى طافة فكرية ونفسية وأخلاقية ليست سهلة ولا تتوافر إلا بشكل نادر. على أنه لا يجوز فهم النصائح التي نسوقها لتجاوز هذه المطبات في إطارها الأخلاقي أو الدعوي فحسب، بل إنها نصائح سياسية بعيدة النظر أساساً، وما يؤكد الطبيعة السياسية لها تلك المشكلات التي نسمعها بين الحين والآخر في صفوف قوى المعارضة السياسية، ولا أعتقد أن هناك مشكلة في أن ينصح بعضنا بعضاً حتى لو ظهر الناصح في موقع "المعلم" لبعض الوقت، فالجميع يمكن أن يكونوا معلمين وتلامذة في الوقت ذاته، فتلك هي طبيعة الحياة.

من كتاب "زمان الوصل"
(132)    هل أعجبتك المقالة (123)

زنوبيا

2014-07-25

صح النوم ترالاللي.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي