أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن الخلافة والخوف من الإسلام

كتبت الأسبوع الماضي نصا صغيرا، في "فيسبوك"، عن تفهمي لرغبة المسلمين في رؤية الخلافة الإسلامية كحقيقة قائمة، جاء فيه "أنا أتفهم مطلب المسلمين برؤية الخلافة قائمة، فوجودها يعني أننا أصبحنا دولة كبيرة يهابها الأعداء والأصدقاء، ويعني لي، كأحد رعايا هذه الخلافة، أنني لست بحاجة لجواز سفر كي أجوب ثلث العالم، ولن تكون تجارتي خاضعة لمزاج فلان من الناس أو لجشع لص في جمارك هذا البلد أو ذاك. ولن يستطيع أحد أن يمنع عن أطفالي الحليب، لأنني لن أكون بحاجة لاستيراده من خارج حدود الخلافة، وسأستطيع أن أخاطب الغيوم، دون أن أترجاها أن تلقي بحمولتها من الأمطار فوق أرضي، كما فعل هارون الرشيد. كما أتفهم حاجة المسلمين إلى خلافة لا يستطيع فيه عسكري أن يتربع على كرسي الرئاسة لأجيال، ولا يستطيع فيها ملك أهبل توريث ابنه، الأكثر هبلا، الأرض والبشر، ولا يستطيع فيها مفتي سافل كالمفتي حسون الكلام باسم الإسلام والمسلمين والمتاجرة بهم أمام سيده الأسدي.

لكل ما سبق، أنا مع هذا الحلم الجميل، ولو أنه غير قابل للتحقق، لأنه يبقى حلم المقموعين الجائعين العطشى إلى الحرية والقوة والعدل".

كنت، فيما كتبته، أحاول صادقا أن أعبر عن قناعاتي وتفكيري "الإسلامي" بواقعي، كما كتب ياسر نديم سعيد في "فيسبوك"، طبعا دون أن أنسى أنني مسيحي الدين، إلى هذه الدرجة أو تلك، فكوني غير مسلم لا يعني أنني أفكر "أوروبيا"، وأن الخلافة الإسلامية لا تهمني ولا أفكر فيها، ما دامت تهم عددا كبيرا من مواطني بلدي، ولم يتوقفوا أبدا عن التفكير في إحيائها؟

هذا ما كنت أفكر به عندما كتبت ما كتبته، وإذ بإحدى الصديقات تكتب تعليقا يصفعني ويجعلني أتوقف عنده جيدا، كتبت الصديقة: "ما معقول لأي درجه بتحب تزاود يامخائيل أول شغله تجرأ وعيش بالخلافة الإسلاميه، رأس مسيحي كافر غالي جداً".

أولا، ودون أن أنفي رغبتي أحيانا بالمزاودة في النقاشات السياسية التي أحضرها، وغالبا ما تكون ردا على مزاودة آخرين، إلا أنني في هذا المجال لم أكن أزاود على أحد، فأنا لا أعيش في بلد إسلامي، وليس لي مصالح مع أحد الزعماء المسلمين بما فيهم البغدادي أو الجولاني اللذان يتنافسان الآن في سوريا على لقب "خليفة المسلمين" كي أزاود عليهم في طروحاتهم، بل إن ما كتبته عن أسباب حاجة المسلم للخلافة يتنافى مع سلوك كل الزعماء المسلمين الموجودين حاليا، ويقترب أكثر من تصور القوميين والاشتراكيين للدولة القومية.
ثانيا، تطلب السيدة مني العيش في خلافة إسلامية كي أعرف قيمة رأس المسيحي الكافر كم تساوي. ولا أعرف ماذا تقصد فعلا، هل تقصد من كان يعيش من المسيحيين تاريخيا في دولة الخلافة، أم أنها تفترض أن "داعش" هي الخلافة المقصودة؟

لن أدخل في جدال عن وضع "الملل" في الخلافة الإسلامية، وهو التعبير الذي يعادل تعبير "الأقليات" هذه الأيام، وذكر ما كانوا يتمتعون به من حقوق مقارنة مع الأقليات الدينية في أوروبا في ذلك العصر، ولن أدافع عن بعض التجاوزات التي وقعت بحق المسيحيين في فترات معينة من فترات الخلافة الإسلامية، لم يكن مصدرها الإسلام كدين، وإنما فهم الحكام، كما كتب الصديق حسين العودات في تعليقه على النص نفسه: "لم يظلمهم الإسلام وإنما ظلمهم الفقهاء والحكام، ولكن سرعان ما تراجعوا عن هذه القرارات، ويدل ذلك على أن القضية مزاجية وليست دينية".

أخيرا لا بد من الإشارة إلى أن السبب الحقيقي، بتقديري، لانزعاج السيدة مصدره ديني، فهي مسيحية وتختزن عن غير وجه حق خوفا من الإسلام والمسلمين وكل ما يتعلق بهم من خلافة وخلفاء، كرسته الحكايات الشعبية وكتابات المستشرقين. وأفضل ما يمكنني الاستشهاد به في هذا المجال هو ما كتبه الدكتور ياسر نديم سعيد على صفحتة الفيسبوكية "مو ضروري تصير إسلامي لتفكّر بطريقة إسلامية... ومو ضروري كمان تكون مسلم لتفكّر بطريقة إسلامية...ماتخاف مارح تصير من الإسلام السياسي إذا فكّرت بطريقة إسلامية...طالما عم نفكّر بالإسلام هيك من خارجه مارح نوصل لشي ...رح نضلّ نعيد الحكي يللي انحكى من 100 سنة....هاد تراث الجميع وتاريخ الجميع وفيه كل شيء من الملحد للمؤمن ومن "الأورثوذكسي" للهرطوق ومن المذاهب جميعها ومن الخوارج ومن المرجئة ومن المادي إلى المثالي ومن الثوري إلى الفوضوي إلى الإصلاحي إلى الانتهازي إلى فقهاء السلاطين... لن تنفع كل كتب العلمانيين والماديين والملحدين واليساريين عن الإسلام إلا أصحابها وجمهورها فقط..ماكتير تعذبّو حالكم في "هداية" المسلمين...".

من كتاب "زمان الوصل"
(251)    هل أعجبتك المقالة (260)

سورية

2014-07-15

مقال جميل و راقي و السوري الأصيل يعبر عن نفسه أينما كان . تماما كهذا المقال.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي