أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أرقُّ من زجاج الشام ! المشكاوات .. كنوز أثرية تعكس تطور الفن الزجاجي في سوريا

تُعتبر التحف الزجاجية التي تركها الصانع السوري في مختلف العصور الإسلامية روائع فنية من أجمل ما أبدعه الإنسان عبر التاريخ، لما امتازت به من جماليات بديعة وإتقان فريد، وتدل الوثائق المعاصرة على أن الزجاج السوري كان عظيم الأثر في أوربا المسيحية خلال القرون الماضية، ونجد في قائمة الكنوز التي كانت ملكاً لشارل الخامس سنة 1397 فقرتين تصفان هذا النوع من الزجاج وصفاً مفصلاً، في الأولى وصف لثلاث آنيات من الزجاج الذي نقشت عليه من الظاهر صور على الطريقة الدمشقية، وفي الأخرى وصف لطست واسع من الزجاج نقش أيضاً على الطريقة نفسها.

ونشأت في زمن الدولة العربية الأموية (661-750) صناعة مزدهرة ومتكاملة قامت على إبداع الأواني المذهبة والمطلية بالمينا، وأثناء حكم المماليك أي منذ عهد السلطان الظاهر بيبرس غدت دمشق أهم مركز لإنتاج الأواني الزجاجية في العالم حتى ضرب المثل بالزجاج الشامي آنذاك فقيل (أرقُّ من زجاج الشام)، وكانت معامل الزجاج في القرون الوسطى منتشرة على طول الطريق الذي يُوصل إلى المسجد الأموي والمعروف حالياً باسم سوق المسكية.

وبلغت صناعة التحف الزجاجية الإسلامية في سوريا أوج عزها في العهد الفاطمي وقد عثر في مدينة الرقة- شمال سوريا -على قطع زُخرفت برسوم مموَّهة بالمينا ومعظمها كؤوس مفلطحة من أعلاها، لعل من أشهرها الكأس المنسوبة خطأً إلى الامبراطور (شارلمان) والتي تحتوي أشكالاً هندسية متشابكة مملوءة بحبيبات بيضاء وزرقاء وحمراء، ومن الكؤوس المنسوبة إلى الرقة وترجع العصر الأيوبي كأس في متحف مدينة (دواي) تُعرف باسم (كأس القسس الثمانية) وقوام زخرفة الكأس شريطان من الكتابة بينهما مساحة فيها دوائر وأشكال هندسية مملوءة بالحبيبات البيضاء والزرقاء التي تعتبر من أهم مميزات الزجاج المنسوب إلى الرقة في العصر الأيوبي.


من سوريا إلى مصر
من أبدع ما أخرجه صنَّاع الزجاج السوريون من هذه الأواني ما يُعرف بـ (المشكاوات) وهي الأوعية التي كانت توضع فيها القناديل أو المصابيح، ومفردها مشكاة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يكاد زيتها يضيء) سورة النور- الآية 35.

وكانت توضع داخل المشكاوات مسارج زيتية مثبتة بسلك في حافة الغطاء وتُعلَّق هذه المشكاوات بثلاث سلاسل أو أكثر من الفضة أو النحاس تتصل بمقابض بارزة مثبتة في زجاجها، وكان الكثير من هذه المشكاوات التي أضاءت بنورها العديد من مساجد بلاد الشام الكبيرة وبخاصة في شهر رمضان المبارك تزدان بأشرطة تملؤها كتابات أو جامات وفروع نباتية تقليدية تُكْسبْ هذه المشكاوات بهاءً وبهجةً، ويرى الباحث (كريستي بريجز) في كتابه (تراث الإسلام) الذي ترجمه الدكتور (زكي محمد حسن) أن علماء الفن لم يتفقوا في تحديد الإقليم الذي صُنعت فيه المشكاوات أول مرة، فبعضهم يذهب إلى أنها صُنعت في سوريا، بينما يقول آخرون أنها صُنعت في مصر، والاحتمال الأول هو الأرجح، لأن سوريا كانت في عصر صناعة هذه المشكاوات جزءاً من قيصرية المماليك، وكان في استطاعتهم تدعيم الصناعة في مصر توفيراً للنفقات واتقاء لخطر الكسر الذي قد تتعرض له مثل هذه التحف، إذا نُقلت من سوريا إلى مصر ويقول الذين ينسبون إلى سوريا صناعة الزجاج المموّه بالمينا ومنها المشكاوات أنه إذا صحَّت نظريتهم هذه، فإن غزو تيمورلنك لدمشق سنة 1400 يفسر تدهور هذه الصناعة وموتها بعد أن نقل تيمورلنك إلى عاصمته سمرقند عدداً كبيراً من الصنَّاع ومنهم صانعو الزجاج الدمشقيون.

واستمر صناع الزجاج السوريون ينتجون الأواني البديعة المذهبة والمطلية بالمينا أثناء حكم المماليك، وغدت دمشق منذ سنة 1260، أي منذ عهد السلطان الظاهر بيبرس، أهم مركز لإنتاج الأواني الزجاجية في العالم وقد أُعجب الرحالة والحجاج والمحاربون الصليبيون بهذه الأواني الزجاجية وزخارفها الفنية الجميلة بألوانها الزاهية وأشكالها البديعة، وعادوا إلى ديارهم بالكثير منها وهو ما نراه الآن ضمن كنوز الكنائس والمتاحف والمجموعات الخاصة في الغرب.


زهرة اللوتس
تضم متاحف العالم مجموعة غنية من المشكاوات السورية ومنها ما هو موجود في متحف (المترو بوليتان)، إذ يضم مشكاة من أقدم المشكاوات وهي تحمل اسم السلطان المظفر ركن الدين ببيبرس الثاني، وتزين تلك المشكاة تعبيرات مزهَّرة في غاية من الروعة وتفريعات طبيعية من زهرة اللوتس وزخارف من ثمار العنب، وفي متحف اللوفر بباريس مشكاة سورية تعود إلى القرن الرابع عشر مصنوعة من الزجاج المموّه، ويلاحظ عليها بعض رسوم (الرنوك) التي كانت توضع على تروس مستديرة الشكل، ومن النماذج البديعة للمشكاوات السورية مشكاة مدهونة بالمينا تعود إلى القرن الرابع عشر موجودة في دار الآثار الإسلامية في القاهرة.

ومن أكثر الطرق شيوعاً في صناعة المشكاوات وغيرها من الأواني الزجاجية هو استعمال منفاخ الهواء من قبل الصانع الماهر في معالجته لكتلة الزجاج المحميّة لدرجة الليونة بحيث يصَّيرها بالحجم والشكل المطلوبين، أما النقوش النافرة والكتابات المزخرفة، فكانت تضاف إلى سطح الآنية الزجاجية المحميّة وهي في حالة الليونة أوعن طريق استعمال آلات خاصة للحفر والنقش والتزيين وفي الوقت نفسه كانت تُضاف إلى الآنية نفسها أجزاء مستقلة كالمقابض والقواعد والزخارف والأختام أو توقيع صانع القطعة.

خالد عواد الاحمد - زمان الوصل
(308)    هل أعجبتك المقالة (393)

ايمن عبد العال

2018-06-04

محتاج مشكاه اكبر مقاس ب 6 و دن.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي