يعتقد بعض الأشخاص الذين يمتلكون قدراً كبيراً من الطفولة السياسية، و"قلة الوعي التاريخي"، أن وجود المؤامرات (سواء أكانت تُحاك على مستوى منطقة إقليمية صغيرة، أو على مستوى إحدى القارات الخمس، أو على مستوى الكرة الأرضية، أو على صعيد الكون كله) يجب ألا يُثني الأشخاصَ المُتَآمَرَ عليهم عن الصمود والتصدي والمواجهة وبذل الغالي والنفيس في سبيل المبادئ العظيمة التي يعتنقونها، والشعب العظيم الذي يقودونه.
هنا، ثمة معادلة أراها على قدر كبير من الصحة، والإصابة، والأهمية، ملخصُها أن (حجم المؤامرة التي تحاكُ ضد نظام ممانع ما، في برهة تاريخية ما، يجب أن يتناسب طرداً مع حجم القائد التاريخي الذي تُنَاطُ به مهمة التصدي لها)..
فمثلاً، لقد اكتشف الإعلامُ السوري المقاتل الذي يرفع شعار (الكلمة- الرصاصة)، منذ الأيام الأولى لظهور (أعمال الشغب) في بعض المناطق السورية، أن هذه الأعمال هي بوادر مؤامرة جديدة على البلاد، وأنها من الطراز (الكوني)!... وبناء على ذلك كمنَ عضو مجلس الشعب السيناتورُ خالد محمد علي، وهو صاحب محطة محروقات في بلدة قلعة المضيق، يوم 30/3/2011، للقائد التاريخي بشار الأسد عند مدخل مجلس الشعب، وبمجرد ما دخل مد يديه الإثنتين وراح "يلحمس" على جسده الشريف، ليتبرك به من جهة، ويتأكد من أنه يراه في الواقع وليس في المنام من جهة أخرى! وقال له، بعد أن تمطى بصلبه، وحلف بالله، وكسر حرف الهاء:
- إن قيادة الوطن العربي قليلة عليك يا سيدي الرئيس، فأنت يجب أن تقود العالم!
لقد أثبتت الأيام، بل والشهورُ والسنون، أن كلام السيناتور الختيار خالد محمد علي كان في منتهى الروعة والفذاذة والألمعية، بدليل أن القائد الكبير بشار، حينما بدأت أعمال الشغب تتعاظم، فاجأنا بقرار غريب، هو إلغاء قانون الطوارئ التي كانت مطبقة في سوريا منذ سنة 1963!
فكر المراقبون على النحو الآتي:
إن الدول ذات القيادات الغبية، المتخاذلة، التي لا يوجد لديها قوانين طوارئ أصلاً، حينما تستشعر وجودَ مؤامرة ما تهدد وجودها، تلجأ إلى إعلان ما يسمى "حالة الطوارئ"، بوصفه سلاحَ مواجهة فعالاً، فكيف يُفَرِّطُ قائدٌ كبيرٌ كبشار الأسد بسلاح فعال موجود في حوزته مسبقاً؟!
نعم، لقد تأكد لنا، الآن، بعد م
ضي نيف وثلاث سنوات على بدء المؤامرة، أن السيد الرئيس بشار لم يكن مخطئاً قط في ذلك التصرف، فقانون الطوارئ- إنْ أردتم أن تتبعوا الحقَّ المحصحصَ وتتجنبوا الباطلَ الزهوقَ- يناسب المجتمعات المناضلة في فترات الاستقرار النسبي، أو، بمعنى آخر: الفترات التي يمكن أن نسميها (بين مؤامرتين)، فوقتها يمكنُ أن تكلفَ الأجهزةُ المختصةُ جيشاً عرمرماً من العواينية، والمخبرين، وكتبة التقارير، والانتهازيين و(الفسافيس) بمراقبة الناشطين السياسيين المناوئين للقائد ابن القائد، ثم تقرأ تقاريرهم، وعلى ضوئها تشحط الناشطين من بيوتهم، تحت جنح الظلام، وتلقي بهم في غياهب المنفردات والمعتقلات و(التَدْمُرات)، و(تنقعُهم) هناك حيث لا طيرٌ يطيرُ ولا وحشٌ يسير، زمناً طويلاً جداً حتى تجعلهم ينسون حليب أمهاتهم، ويدفعون الغالي والنفيس من أجل أن يحصلوا على الموت، ولا يجدون إليه سبيلاً! وتجبرُ أهاليهم على أن يعدوا الأيام والليالي لأنهم لا يعرفون إن كان أبناؤهم أحياء أو أمواتاً، ولأول مرة في التاريخ يحتارُ الذباب الأزرق أيَّ طريق يسلك حتى يصل إليهم.
هذا كله.. أيها السادة الأعزاء، يحصل في الفترة الواقعة بين المؤامرتين. وأما في أثناء المؤامرة، فهناك حل واحد لا ثاني له، وهو أن يأمرُ الأبُ القائد بـ (قتل) المتآمرين، وقتل أقاربهم، وذويهم، وأبنائهم، وجيرانهم، وكل من يلوذ بهم، أو يمت إليهم بصلة.
أليس هذا أفضل من أن يضعهم سيادتُه في السجون ويعلفهم ويُسَمِّنهم ويفسح المجال للمنظمات الإنسانية العالمية للمطالبة بهم ويصبح من حق البادي والغادي أن يحكي بسيرتهم ويطالب بالإفراج عنهم؟
نعم. القتل.
هذا ما فعله القائد الكبير أيها السادة... وبلا قانون طوارئ بلا حكي فاضي!
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية