أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السيدة وزيرة السخافة والإرشاد القومي



كانت كريمة الحوت المرأة الطويلة القامة القوية الجسم تؤمن بأن المرأة خلقت لترشد الرجل وتهديه وتهذبه وتشذبه وتجمله، وكانت أمها تقول لها : كان الله في عون أزواجك المساكين.
فتدهـش كريمة، وتقول لأمها إنها ستتزوج رجلاً واحداً غنياً، فتقول لها أمها : سـتـتزوجين الأول، وسينفد صبره ويطلقك، فتتزوجين الثاني ثم الثالث ثم الرابع..
واشتهرت كريمة الحوت كطبيبة نساء تقصدها المريضات اللواتي يزعمن أن المرض يرتعب من الطبيبة، فيهرب بلا رجعة.
وعندما تزوجت كريمة الحوت من مسعود الزرزور، أمرته بتغيير كنيته المضحكة، واستغربت ألا يشكرها بحرارة، وقالت له بصوت موبخ : ينبغي لك أن تشكرني ليل نهار لأن الزرزور صار حوتاً.
وحرصت كريمة الحوت على أن ينشأ ابنها الأول قوياً متعلماً متذرعة أن الصبي ابن أمه والبنت ابنة أبيها، ونهرته بغلظة بينما هو متشبث بركبتيها رافضاً الذهاب إلى المدرسة مدعياً أنها تعلّم اللغة الإنكليزية ولا تعلّم اللغة الأميركية، فاحمر وجه كريمة حنقاً واستنكاراً، ونظرت إلى زوجها نظرات ساخطة، فسارع الزوج إلى القول بصوت خائف : أنت طلبت مني اسم أغلى مدرسة، وهذه المدرسة هي فعلاً الأغلى في البلد.
وأضاف الولد مؤكداً أن مدرسته لا تعلّم ما يفيد، فسألته كريمة عن اسـم أهـم بطل في التاريخ العربي، فأجاب الإبن فوراً : شاكيرا. 
فطغى الاشمئزاز على كريمة، وقالت لزوجها مستنكرة : هل أدفع للمدرسة كل سنة مبلغاً طائلاً من المال حتى يتعلم ابني اسم ممثل هندي على أنه اسـم أهم بطل؟
فشتم الزوج كل المدارس، واتهم معلميها بالغش والخداع، فقررت كريمة أن تبحث بنفسها عن مدرسة أخرى تعلّم اللغة الأميركية، وتعرّف تلاميذها إلى مشاهير العرب كراغب علامة وعمرو دياب وجورج وسوف، ولكنها سرعان ما نسيت ابنها ومدرسته عندما اتصل بها تلفونياً رئيس الوزراء في بلدها، وطلبها للاجتماع به لأمر بالغ الأهمية، فسألها زوجها : هل تعتقدين أن رئيس الوزراء مريض ومحتاج إلى طبيبة؟
فسخرت من سؤاله، وقالت له : رئيس الوزراء مكلف بتأليف وزارة جديدة، ومن المؤكد أني سأصير وزيرة.
وأمرت سائقها بتنظيف سيارتها وتلميعها، فنصحها زوجها بتقليم أظافرها التي استطالت إلى حد مخيف، فازدرت نصيحته، وقالت له : لو قلت لرئيس الوزارة إني سأمزق أعداء الوطن بأسناني وأظافري لما صدق كلامي حين يرى أظافري قصيرة.
فسألها زوجها : أية وزارة ستتسلمين؟ 
فأجابت كريمة : كل الوزارت خير وبركة.
فسألها زوجها بفضول : ماذا ستفعلين إذا صرت وزيرة للمالية؟ 
فأجابت كريمة : سأهب كل أموالي لخزائن الدولة وأهب أموال الدولة لخزائني.
فسألها زوجها : وماذا ستفعلين إذا صرت وزيرة للخارجية؟ 
فأجابت كريمة : سأخرج من جحيم أصحاب الملايين لأدخل في جنة أصحاب البلايين.
فسألها زوجها : وماذا ستفعلين إذا صرت وزيرة للدفاع؟ 
فأجابت كريمة : سأبادر في اليوم الأول إلى إلغاء الجيش، فهو تبديد للثروة القومية، فإذا احتاج البلد إلى جيش، فجيوش حلفائنا موجودة بكثرة، وتتنزه في برنا وبحرنا وجونا، وتقدم خدماتها لمن يحتاج إليها ولمن لا يحتاج إليها مجاناً أو بالتقسيط المريح.
فسألها زوجها : وماذا ستفعلين إذا صرت وزيرة للصحة؟ 
فأجابت كريمة : من المستحيل أن أصبح وزيرة للصحة لأني طبيبة.
والتقت كريمة رئيسَ الوزراء، فألفته رجلاً كثير الابتسام، وقد سألها من دون أي تمهيد وهو يبتسم : ما رأيك في أن تتسلمي وزارة الثقافة؟ 
وعندما لفظ الرئيس آخر كلمة في سؤاله كان صوته منخفضاً، وقد بادرت كريمة الحوت إلى الموافقة بحماسة، وعادت إلى بيتها، وقالت لزوجها بصـوت فرح : هيا زغرد، فقد صرت زوجاً للسيدة الوزيرة. 
فسألها الزوج مدهوشاً : وزيرة في أية وزارة؟ 
فأجابت كريمة : وزارة السخافة.
قال الزوج : أنت تقصدين وزارة الثقافة؟ 
فقالت كريمة : لا تضع وقتك ووقتي، فالعظم في هذه الأيام كاللحم، ولا فرق البتة بين الثقافة والسخافة، وسأباشر غداً عملي، وسأنشط نشاطاً لا نظير له.
ولم تكن الوزيرة مبالغة، ونشطت نشاطاً جعل السخافة وإخواتها يعقدن اجتماعاً عاجلاً طالبن في ختامه بالعدل والمساواة مناشدات ألا يحظى الجهل وحده بالتقدير والترويج، فلم تكترث الوزيرة لمطالبهن، وتابعت عملها متنقلة من نصر إلى نصر، وظل ابنها يُرغم كل صباح على الذهاب إلى مدرسته منتحباً.






بالإتفاق مع الكاتب
(135)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي