في الشهور الاولى للثورة برز سؤال هام هو : ما هذه الثورة وماذا تريد ؟ ثم برز سؤال تال على السؤال الاول هو: أين هم – بمعنى من هم - ممثلي الثورة وماهي مطالبهم ؟
للإجابة على هذا السؤال عقد نشطاء في الثورة يعملون في نطاق مدينة دمشق لقاء في مدينة جرمانا في نيسان 2011 محاولين تأسيس خطوات فكرية وعملية ونشر آخرون في نفس الشهر وثيقة بعنوان " برنامج سياسي للثورة السورية" اقاموا لها صفحة على الفيسبوك
راح عديد من المعارضين السابقين وعدد أقل من النشطاء الذين كان لهم حراك مدني قبل الثورة وبرزوا خلال شهورها الاولى كقادة للحراك الثوري في الارض يبحثون في تأسيس كيان سياسي يمثل الثورة، بدأ العمل في الداخل، كان هناك اقتراح من قيادي كبير في اعلان دمشق بنفخ الروح في الاعلان وتوسيعه ليضم عدد من النشطاء والمعارضين الجدد الشباب، وكان هناك اقتراح من قبل بعض هؤلاء المعارضين الشباب أن يتم تأسيس كيان سياسي شبابي يضم عدد من المعارضين التاريخيين، لكن الاقتراح الاول هو من انتصر وكان السبب في هيمنة العجائز على قرار وتمثيل الثورة الشابة التي قادها ومات من اجلها العشرينيون ،
كان خيار الثوار في الداخل ان من يمثل الثورة لا يمكن ان يكون في الخارج بعيدا في المكان والمعاناة عن الثورة فأسسوا لجان التنسيق المحلية في كل المدن والارياف والتجمعات والاحياء الكبيرة لتكون هي القيادة الفعلية للثورة، وبالتالي كان من المفترض ان تكون قيادات لجان التنسيق المحلية هي الممثل السياسي للثورة السورية، لكن المعارضة التقليدية كان لها رأي آخر
فقد تمّ تشكيل هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة بمساعي من معارضين تاريخيين من امثال حسن عبد العظيم، حسين العودات، ميشيل كيلو، برهان غليون، بعدها عقد مؤتمر سمير أميس كان ابرز الداعين له لؤي حسين ومن ثم بعده بشهرين تمت الدعوة الى مؤتمر حلبون، بعد هذين المؤتمرين دعى معارضون ثقافيون من امثال طيب تيزيني الى المؤتمر التشاوري في دمشق وضم شخصيات نصف معارضة ومحسوبة على النظام من امثال وزير الاعلام السابق محمد سلمان وقد حضر اللقاء نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع.
ومن ثم رأينا عدداً من اللقاءات في اسطمبول وانطاليا والدوحة وبروكسل وأخيراً في القاهرة ...
تمّ الإعلان عن المجلس الوطني بشكل متسرع وارتجالي، الأمر الذي رفضه معارضون وجهات ثورية على نطاق واسع فأعيد الإعلان عن المجلس الوطني مرة ثانية بعد توسيعه على يد الاستاذ الجامعي برهان غليون ...
هذا التمثيل غير الحقيقي للثورة بقي مسيطراً عليها حتى اللحظة، وبقي الصراع المعارضاتي داخل المجلس والإئتلاف وباقي التشكيلات السياسية السورية بين المعارضين القدماء والجدد كبار السن، بينما تمّ استبعاد الشباب أو تجاهلهم، أو إقصاء كل صوت ثوري شاب احتجّ على القيادات الهرمة في المجلس الوطني،
يعتبر البعض ان الاخوان المسلمون خطفوا المجلس الوطني وخطفوا معه الثورة، بل يتهمهم آخرون انهم ساهموا في خطف البلاد ويحملهم مسؤولية الاستعصاء السياسي الحاصل .. وهذه برأي آخرين " واحدة من أبرز مبالغات الجدل السياسي السوري؛ فتمثيل الإخوان في هيئات المجلس محدود إلى حد كبير، وليس ثمة موقف اتخذه المجلس منذ تأسيسه يمكن وصفه بالمنحاز إخوانياً أو إسلامياً."
كثير من شباب الثورة يرون أن شيوخ المعارضة خطفوا الثورة سياسياً وهم الذين إما عاشوا بعيداً عن سورية منذ عشرات السنين أو عاشوا داخلها لكنهم عانوا من أمراض المعارضة السورية السرية وخلافاتها وشخصانيتها ولم يصلوا إلى مستوى نقاء الشباب الفكري او الثوري، ولم يفهموا أو يدركوا أن متطلبات الثورة تختلف جوهريا عن متطلبات المعارضة، وان زمن الثورة هو غير زمن الاستبداد ...
هكذا تمّ معالجة الامور بروح المعارضين التقليديين وليس بروح الشباب الثوري برح الماضي وليس بروح الحاضر بطوباوية وانفعالية المثاليين وليس بعقلانية الواقعيين ...
برزت مشكلة اخرى فيما يتعلق بالتمثيل والقيادة بين معارضتي الداخل والخارج، ربما كانت ابرز واخطر مشاكل المعارضة السورية بعد الثورة، فالجدل حول أولوية تمثيل الثورة وبالتالي لمن أولوية القيادة بقي بين داخل وخارج ونتج عنه سوء فهم كل من الطرفين للآخر، الأمر الذي نتج عنه تالياً تخوين كل طرف للآخر واتهامه بالتبعية او العمالة للمجال الجغرافي المتواجد فيه، فمعارضة الخارج يتهم معارضة الداخل بالتبعية للنظام ومعارضة الداخل (هيئة التنسيق تحديداً) تتهم معارضة الخارج بالتبعية لقطر وتركيا ...
بعد ستة اشهر يكتب احد اعضاء المجلس الوطني أن "التمثيل السياسي للمجلس لم يستفد منه المجلس حتى اللحظة من أجل تكريس نفسه كمؤسسة ديمقراطية فاعلة ومؤسسية"
ويبدو بيان لجان التنسيق المحلية في نوفمبر 2012 الاقوى حتى وقته في نقد غياب التمثيل السياسي الحقيقي للثورة وغياب الاستقلالية ناقداً المجلس الوطني ومتهماً الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون الثورة السورية
حتى اللحظة -بعد ثلاث سنوات على تأسيسه - يعاني المجلس الوطني من آثار لحظة تشكيله الاولى التي جاءت كردود افعال ونكاية بجهات ،هو الامر الذي سينعكس لاحقاً على الإئتلاف ، الذي كان بدوره عملية جمع بين المجلس الوطني والذين انسحبوا منه سابقاً إضافة لعدد من ممثلي الكتل او الشخصيات التي تدخل لأول مرة إلى جسم سياسي وطني واسع كالإئتلاف.
أما الإئتلاف فلا تعترف الجامعة العربية به الى وقت قريب كممثل للسوريين لأنه لم ينشئ مؤسساته بعد أو لم يكمل إنشاءها على الرغم من وجود الحكومة المؤقتة رغم ان مسعى الجامعة العربية للإعتراف بالإئتلاف هو سابقة في تاريخ الجامعة العربية .
أزمة التشكيل والتمثيل بين الثورة والمعارضة السورية ... فراس سعد

كاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية