أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل كانت دمشق جزيرة معزولة عن العالم كما يصوّرها مسلسل باب الحارة؟!

إعلان لمسلسل بإحدى القنوات

أظهر مسلسل باب الحارة بأجزائه الستة المجتمع الدمشقي وكأنه جزيرة معزولة عن العالم لا علاقة له بالحضارة والحداثة وإيقاع العصر الذي يرصده، وفي هذا السياق بيّن الدكتور "سامي المبيض" المختص بتاريخ مدينة دمشق السياسي والاجتماعي المعاصر من عام 1908 وحتى عام 1958 بعض الجوانب المغيّبة في المسلسل وكشف المعلومات المشوهة التي يقدمها والتي لا تمت لتاريخ دمشق بصلة، وإن لم يعلن ذلك صراحة، عندما اتصل به أحد القيّمين على العمل عام 2006 يسأله هل كان هناك كهرباء في دمشق عام 1932 حيث تدور أحداث "باب الحارة" فأجابه نعم موضحاً أن التيار الكهربائي (الكوران) دشن ﻓﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻋﺎﻡ 1907.

وأضاف: ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ أنا أحب ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭأﻗﺪﺭ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻭﻻ أنكر ﺃﻧﻪ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ، ﻭﻟﻜﻨﻨﻲ ﺫﻫﻠﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻷﺧﻄاء ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ومن أبرز هذه الأخطاء -كما يقول المبيض- أن دمشق ﻟﻢ ﺗﻐﻠﻖ أبوابها ﻳﻮﻣﺎُ، بل كانت ﺩﻭﻣﺎً ﻣدﻳﻨﺔ النور والعلم ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ. ولمن يكن هناك ﺑﺎﺏ ﻳُﻐﻠﻖ ﻓﻲ ﺣﺎﺭﺍﺕ ﺩﻣﺸﻖ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﻓﻲ أوروبا، وغابت المظاهر الثقافية عن المسلسل إذ ﻟﻢ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻞ ﺃﻭ ﺟﺮﻳدﺓ، ﺃﻭﻣطبﻌﺔ، ﺃﻭ ﻧﺪﻭﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ رغم أن الواقع آنذاك يقول إن دمشق ﻋﺎﻡ 1932 ﻛﺎﻧﺖ ﻣدﻳﻨﺔ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ سينما وقانون ﺳﻴﺮ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎﺕ وﺗﺮﺍﻣﻮﺍﻱ وﻧﺪﻭﺍﺕ أدبية وﺣﻔﻼﺕ ﺳﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ "ﻓﺮﺍﻧﻚ ﺳﻴﻨﺎﺗﺮﺍ" أو ﺷﺮﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺤﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ ﻭﺃﻡ ﻛﻠﺜﻮﻡ، ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﻧﺴﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺭﺟﺎﻝ ﻓﻜﺮ، ﻭﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﻞَّ ﻣﺜﻴﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ، وﻣﻊ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻨﺒﻞ ﻣﻬﻨﺔ ﺍﻟﺨﻀﺮﺟﻲ، ﻭﺍﻟﺤﻼﻕ، ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻥ، ﻭﺍﻟﻤﺠﻠﺦ، فإن في دمشق رجالات أفذاذا مثل ﺍﻟﺸﻬﺒﻨﺪﺭ ﻭﺍﻟﺨﻮﺭﻱ ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩﻱ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ.

أما ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻤﺨﻔﺮ أبو جودت والمعلق ﺑﺎاﺗﺠﺎﻩ الخاطئ، فألوانه عامودية ﻭﻟﻴﺴﺖ أفقية. ولم يكن ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﺋﻼﺕ ﺍﻟﺜﺮﻳﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ يﻠﺒﺲون ﺍﻟﺸﺮﻭﺍﻝ، ﺑﻞ "ﺍﻟﻘﻤﺒﺎﺯ"، فالـﺸﺮﻭﺍﻝ ﻟﻠﻔﻌّﺎﻟﺔ ﻭعمّال اﻷﺭﺽ ﻓﻘﻂ. ولم يكن ﺍﻟﻄﺮﺑﻮﺵ ﻳﻮﺿﻊ "ﻃﺐ" ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﺧﻠﻌﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺃﺱ، ﻓﻬﺬﺍ ﻓأﻝ ﺑﺸﻊ. 

ولأن ﺍﻟﻄﺮﺑﻮﺵ "ﺍﻟﻄﺐ" ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﺶ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻓﻘﻂ، ولم تكن ﺩﻣﺸﻖ تشبه ﺷﻴﻜﺎﻏﻮ ﻓﻲ ﺍﻓﻼﻡ ﺍﻟﻜﺎﻭﺑﻮﻱ، وﻻ أﺣﺪ ﻳُﺨﺮﺝ ﺧﻨﺠﺮﻩ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ أي ﻭﻗﺖ ﺃﻭ أي ﻇﺮﻑٍ ﻛﺎﻥ. فاﻟﺨﻨﺠﺮ ﺳﻼﺡ أبيض ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﺴﻤﺢ باستخدامه ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻜﻮﻣﻴﺪﻱ. وكانت ﺳﻴﺪﺍﺕ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺜﺎلاً ﻟﻠﺮﻗﻲ ﻭﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﻭﺍﻟﻠﺒﺎﻗﺔ ﻭﺍاﺣﺘﺮﺍﻡ، ﻻ ﻳﺘﻜﻠﻤﻦ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ.

وﻛﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻳﺪﺭﺳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ بعضهن ﻳﻜﺘﺒﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ. ويعلق الدكتور المبيض على تسمية "العقيد" التي لم تكن موجودة في حارات دمشق بل تسمية "الزعيم" هي السائدة وكان هذا الزعيم ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻷﻫﺎﻟﻲ ﻭﻳﺤﻤﻲ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ، ﻭكان ﻫﻨﺎﻙ "أزعر" ﻳﺴﻄﻮ ﻋﻠﻰ أرزاقهم، وﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻷﻗﺮﺏ إلى ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻫﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ "ﺃﺑﻮ ﻋﻨﺘﺮ" ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﻭﺍﻷﺳﻮﺩ. والغريب كما يقول د. المبيض إن ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﻋﻦ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﻐﻮﻃﺔ ﻋﺎﻡ 1932 رغم أن ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻛﻠﻴﺎً ﻋﺎﻡ 1927.

ولاحظ متابعو المسلسل في جزئه السادس أن هناك تسييساً مفضوحاً من خلال تدخّل الرقيب الأمني في تمرير أفكار وإسقاطات تسيء للثورة السورية وتظهرها بمظهر العبثية واللاجدوى. ففي مقطع يجمع ا"لعقيد" معتز بـ "سمعو" الهارب من سجن القلعة بدمشق يطلب من العقيد تجهيز رجاله للهجوم على السجن وتحرير الكثير من المظلومين فيه، فيرد عليه معتز -الذي عرف بحماسته المفرطة وإقدامه على المخاطر والمغامرة- في الأجزاء الماضية أن الهجوم على سجن القلعة "بدو سلاح خيرات الله" وأن العملية معقدة، وهنا يصمت سمعو ولا يجيب في إشارة إلى قلة الحيلة، وهذا الجواب القصير أراد النظام من خلاله أن يوحي للجميع بعبثية مهاجمة سجونه وتحرير الأسرى. وهناك مقاطع ومواقف أخرى في ثنايا العمل تكشف التدخل الرقابي الفجّ في مسلسل كرّست أجزاؤه الماضية مفاهيم الثورة على الانتداب الفرنسي ولكنه تحول في جزئه السادس ليكرّس مفاهيم توحي بحتمية الخنوع والرضوخ للقوة والجبروت "لمجرد أن النظام "عايز كدة".


فارس الرفاعي - زمان الوصل
(446)    هل أعجبتك المقالة (588)

لورين

2022-01-20

هل يوجد زعيم وعقيد في الشام وهل هذا الكلام صحيح.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي