تعقبت "زمان الوصل" طوال الفترة الماضية من خلال البحث والمعلومات الموثقة من أصحابها، المراحل التي مر بها تنظيم داعش الإرهابي منذ بداية الأزمة السورية التي كشفته للعالم على حقيقته.
وحصلت على العديد من المعلومات الغائبة عن البعض عن طريقة عمل هذا التنظيم في مناطق النزاع وكيفية استغلال الفراغ الأمني، كما تتطرق هذه الدراسة إلى طرق تمويل هذا التنظيم، وكيفية استغلاله للمجتمعات، فضلا عن علاقته بالنظامين السوري والإيراني، سواء كانت هذه العلاقة مباشرة أم من خلال الاختراق الاستخباراتي.
وقد استندت الدراسة إلى معلومات كشفت عنها قيادات الجيش السوري الحر، الذي عايشوا هذا التنظيم وعملوا معه في بداية الأمر، إلى حين سقوط القناع، واندلاع الحرب بين الطرفين التي انتهت بخروج داعش من معظم الشمال السوري إلى محافظة الرقة .. ومن ثم إلى أقصى الشرق على الحدود مع العراق.
الجيش الحر يقع في مصيدة داعش
كيف تغلغلت داعش في المجتمع السوري وفي الجيش الحر .. وكيف تمكنت من السيطرة في أحد الفترات على شمال حلب .. كيف توسعت جغرافيا .. وما هي العوامل التي ساعدت على ذلك .. هذه تساؤلات تقودنا إلى الحديث عن أساليب هذا التنظيم..؟
استغل مقاتلو داعش التخاذل الدولي حيال إنقاذ الشعب السوري من المجازر المرعبة، وبدؤوا يتدفقون إلى سوريا من أوكارهم من مختلف بقاع العالم، عبر الحدود التركية التي تبلغ حوالي 800 كيلو متر وكذلك عبر الحدود العراقية التي تصل إلى حوالي 600 كيلومتر، بذريعة الجهاد.
في بادئ الأمر، تفاعل السوريون مع هذه الموجة من الشباب القادم للوقوف معهم، بعد أن بدأت الأزمة تأخذ شكل الحرب المذهبية، أضف إلى ذلك تدفق المقاتلين الشيعة من حزب الله وألوية "أبو الفضل العباس" العراقية .. ما جعل السوريين يستنجدون بكل من يتضامن معهم أيا كان الثمن المقابل.. لكنهم دفعوا فيما بعد ثمن هذه النجدة بتنظيم إرهابي انقلب عليهم واستباح دماءهم.
أولى سقطات هذا التنظيم، هي ترك جبهات القتال ضد قوات النظام السوري، والانشغال بالسيطرة على المقار الأمنية، إذ سيطر التنظيم في العام 2013 على معظم المناطق التي حررها الجيش الحر في ريف إدلب وحلب، في الوقت الذي كان الثوار يتركون هذه المناطق باعتبارها خالية من قوات النظام والانتقال إلى منطقة أخرى.
ومع اتساع رقعة المناطق المحررة، اتسعت كذلك سيطرة "داعش"، وعمدت على توطيد سيطرتها وبناء جهاز أمني قمعي تدخل في أدق التفاصيل لحياة المواطن السوري، ومع نمو هذه السيطرة، حاولت داعش فرض النمط التكفيري– الأمر الذي لم يعتد عليه السوريون في تاريخهم- وكانت هذه السقطة الثانية للتنظيم.
استراتيجية العدد والاستيعاب
مع إطالة أمد الحرب في سوريا، حاولت "داعش" توسيع قاعدة المقاتلين، لذا غيرت استراتيجيتها في قبول المقاتلين، بعد أن أصبح الهدف هو جلب أكبر عدد ممكن من المقاتلين لتظهر أنها القوة الضاربة على الأرض.
ففي البداية كان الدخول إلى هذا التنظيم، يحتاج إلى "تزكية" من شخصيتين قياديتين في التنظيم واختبار ديني قائم على الأفكار التكفيرية، أما بعد أن تحول الهدف إلى تشكيل قوة ضاربة، باتت الدخول إلى هذا التنظيم بدون معايير -ويفسر البعض اختراق المخابرات السورية للتنظيم انطلاقا من هذه النقطة، أما دخول بقية الشبان السوريين إلى ظلام هذا التنظيم يعود لسببين: الأول عامل الإغراء المادي، إذ بلغ الراتب الشهري لكل من ينتسب إلى داعش حوالي ألف دولار شهريا، والثاني تكدس كميات كبيرة من السلاح لدى التنظيم في الوقت الذي يبحث فيه الكثير من السوريين على السلاح لقتال قوات النظام.
تعاظمت قوة "داعش" في سوريا، بعد تحرير الثوار مجتمعين بما فيهم "داعش" لمدينة الرقة من قوات النظام، لتكون المحافظة الأولى التي تتحرر بالكامل من قوات الأسد، ونتيجة لغياب التنظيم وتشتت قوة الجيش الحر والانسحاب المفاجئ للنظام، سيطرت داعش ومعها جبهة النصرة على المدينة .. وهنا بدأت الاستراتيجية الأخيرة في مخطط داعش وهو ربط الشمال بالشرق امتدادا إلى العراق .. وهذا ما تم أخيرا بعد سيطرة هذا التنظيم على الشرق السوري بما في ذلك الحدود لترتبط سوريا بالعراق من خلال هذه المجموعات الإرهابية.. التي باتت مستعدة لقتل كل من يعترض طريقها واستخدام كل أساليب الترهيب.
حقيقة العلاقة بين داعش والنصرة
يعتبر العام 2004 بداية تأسيس هذا التنظيم في العراق، إذ حمل في البداية اسم "جماعة التوحيد والجهاد" بزعامة الأردني أبي مصعب الزرقاوي، وبعد أن التصق التنظيم مع القاعدة في ذات العام اختار اسما جديدا له وهو تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
وفي العام 2006 حدثت النقلة في هذا التنظيم، حيث أعلن الزرقاوي عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبدالله رشيد البغدادي.. وفي العام ذاته قتل الزرقاوي، ليحل أبي حمزة المهاجر زعيما للتنظيم.. ومع إعادة التنظيم لهيكليته تم تشكيل ما يسمى بدولة العراق الاسلامية بزعامة أبي عمر البغدادي.. وخلال الموجهات مع القوات الأمربكية قتل أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر.. ليصبح بعد ذلك أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم الإرهابي.
ولكن بعد هذه المقدمة .. أين أصبحت العلاقة بين القاعدة وداعش (التنظيمين الشقيقين بالأصل) .. وماذا عن حقيقة الخلافات والصراع بينهما خصوصا في سوريا.. أم أنهما وجهان لعملة واحدة..؟
البعض يرى أن الخلاف نشب بين التنظيمين في شهر أبريل /نيسان من العام الماضي، عندما أعلن أبو بكر البغدادي أن جبهة "النصرة" في سوريا هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن فيها إلغاء اسمي "جبهة النصرة" و"دولة العراق الاسلامية" تحت مسمى واحد وهو "الدولة الاسلامية في العراق والشام" التي تحول اسمها الأسبوع الماضي إلى دولة الخلافة المزعومة، لكن "جبهة النصرة" رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد، رغم نشاط التنظيمين بشكل منفصل في سوريا.
وبدأت العلاقة تتضح في الظاهر بين التنظيمين بعد التسجيل الصوتي لزعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي أيمن الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي حيث دعا فيه إلى إلغاء ما يسمى "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) ويؤكّد أن "جبهة النصرة في بلاد الشام" هي فرع التنظيم في سوريا، لكن "داعش" رفضت على لسان زعيمها البغدادي ما قاله الظواهري، مؤكّدة على أن "داعش" باقية في العراق وسوريا.
ورغم هذا التراشق الأيديولوجي بين البغدادي والظواهري في ظاهره، إلا أن العديد من قيادات الجيش الحر أكدت لـ"زمان الوصل" أنه ما من خلاف بين الاثنين، إلا في الأهداف البعيدة لكنهما متفقان في كثير من القضايا، وما جرى في مدينة البوكمال الحدودية الأربعاء الماضي في 2/ يوليو، حيث مهدت النصرة الطريق لداعش للسيطرة على تلك المدينة، يؤكد أن التنظيمين يعودان إلى أصلهما الإرهابي في الهدف والغاية وحتى الوسيلة.
العلاقة التاريخية بين النظام السوري وداعش
بدأت العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والنظام السوري في أعقاب الحرب الأمريكية على العراق في أبريل/نيسان العام 2003، حيث فتح النظام حدوده الطويلة مع العراق لكافة العناصر المتطرفة التي كانت تقاتل بذريعة الجهاد، وطالما عوّل النظام على هؤلاء في زعزعة استقرار العراق وإرهاق القوات الأمريكية.
وحتى يكون النظام فاعلا وعاملا مساعدا في تأجيج العنف الطائفي، صنع شخصية استخباراتية، تحشد كل مقاتلي العالم من أجل قتال القوات الأمريكية في العراق، وكان بطل هذا الفيلم الاستخباراتي" محمد قول آغاسي" والذي يدعى "أبو القعقاع".. فقد كان الرجل مركز استقطاب لكل من يريد القتال في العراق.. وكان وثيق الصلة باستخبارات النظام.. الذي تخلص منه بالتصفية بعد أن انتهت مهمته في العام.
ويرى الكثير من المراقبين أن المكسب الكبير من حرب العراق، هو اعتقال النظام لآلاف المقاتلين على الحدود أثناء عودتهم من القتال في العراق، وليس سرا أن النظام السوري سلّم العديد منهم للولايات المتحدة في محاولة للتقرب من إدارة جورج بوش الابن آنذاك.
في العام 2011 ومع اندلاع الثورة، وتحديدا بعد الشهور التسعة الأولى، وفي محاولة لتبرير عمليات القمع والقتل، أطلق النظام السوري العديد من المعتقلين المتطرفين من سجونه منهم سوريون وغير سوريين .. وتمكن العديد من ضباط المخابرات الجوية والعسكرية على وجه التحديد من الالتحام بهؤلاء الأشخاص ومراقبة تحركاتهم وتنظيماتهم الناشئة، حتى أن الناشطين السوريين طالما تحدثوا عن ضباط مخابرات أصبحوا قادة في الصف الأول يعملون لصالح داعش.
والسؤال الطبيعي.. لماذا النظام لا يحارب داعش .. ولماذا أطلق المعتقلين المتطرفين من السجون؟
الجواب: إن من يرى خطاب النظام السوري منذ بداية الأزمة يدرك أن النظام عمل جاهدا منذ البداية على تصوير الأمر في سوريا على أنه حرب ضد التطرف والإرهاب وليس ثورة شعبية قام بها الشعب السوري ضد الظلم والطغيان .. وحتى الآن هو يعتمد على سلوك هذه التنظيمات التكفيري ومجازرها بحق الشعب بالسوري .. ليقدم نفسه للعالم على أنه أحد دعائم الحرب ضد الإرهاب، بينما هو يمارس أبشع أساليب الإرهاب في العالم باستخدام السلاح الثقيل المتطور.
من يمول هذا التنظيم
اختلفت التحليلات والتفسيرات حول مصادر تمويل داعش، فالبعض يقول إن إيران لها الدور الأبرز في تمويل هذا التنظيم، وبغض النظر عن موثوقية هذه المعلومة، إلا أن الأكيد في الأمر أن قيادات بارزة في هذا التنظيم تتخذ من إيران مقرا لها.
أما المصدر الحقيقي للتمويل، فيعود إلى أمرين مؤكدين: الأول ما يسطو عليه التنظيم من أموال لمؤسسات النظام السوري، حصل ذلك في السطو على البنك المركزي في دير الزور وعلى الكثير من المؤسسات الخدمية الإنتاجية في حلب.. ولعل حادثة مصادرة داعش لكميات كبيرة من الذهب من إحدى أحياء حلب الراقية في مدينة الشباب أكبر دليل على سلاح السطو. ولا ننسى أيضا السيطرة على الغاز والنفط، ففي العام الثاني من الثورة، سيطرت داعش والنصرة على كل المنتجات الزراعية في حلب وريفها وفي دير الزور وريفها، وعملت على تصديرها بمليارات الليرات .. وكل هذه العوائد تذهب إلى تعزيز القدرات العسكرية على حساب ثروات الشعب السوري.
أما المصدر الثاني من التمويل، فتؤكد شخصيات من الجيش السوري الحر، كانت مقربة من هذا التنظيم، أن كل شخص يأتي إلى هذا التنظيم من الخارج، يقوم بجولة على الخلايا النائمة في الخارج لجمع الأموال وإيصالها لقائد التنظيم، خصوصا هؤلاء القادمين من دول الخليج وأوروبا.
داعش سوريا وداعش العراق
يؤكد معظم المسؤولين العراقيين من السنة لـ"زمان الوصل" أن الطريقة التي تعمل بها داعش في سوريا ليست هي الطريقة التي تعمل بها داعش في العراق، بل إنهم ينتقدون داعش سوريا ويعتبرونها مخترقة من قبل النظامين السوري والإيراني، وهذا ما أكده مفتي الديار العراقية الشيخ رافع الرفاعي في أكثر من مرة.
لكن ما هو الفرق بين الداعشين، على ما يبدو أنه ما من خلاف أيديولوجي واضح، إلا أن عناصر التنظيم في سوريا هم أكثر تنوعا منهم في العراق، فغالبية عناصر التنظيم في العراق، هم من العراقيين وإن تجاوزنا ذلك يمكن القول إنهم من العرب، وهذا ما يجعل سلوكهم مقبولا وأكثر إدراكا للواقع العربي بتفاصيله وعاداته وسلوكياته، كذلك تقاتل داعش العراق على المستوى العراقي وتعتبر أن قضيتها القوات الأمريكية سابقا وقوات المالكي.
أما داعش سوريا فهم التيار الأكثر تنوعا وينتمون إلى أكثر من 30 دولة منها عربية وغير عربية، وهذا ما شكل النفور من التنظيم الذي جاء إلى أرض لا يعرف تضاريسها الاجتماعية، ولا عن تاريخها ولا لغتها، وهذا ما ظهر في أكثر من فيديو تم بثه على "يوتيوب". أضف إلى ذلك، أن معظم القادمين إلى سوريا من الذين يتبنون الجهاد العالمي، ومن الذين قاتلوا في أفغانستان والشيشان، وهذا ما جعلهم أكثر حماسة لإقامة الدولة بأية طريقة.
هل تستمر دولة داعش
لقد باتت الإجابة على هذا السؤال أكثر ضرورة الآن من أي وقت مضى، فالتنظيم يسيطر على أراض تعادل خمسة أضعاف الأراضي اللبنانية، فمن حيث الجغرافيا جميع المعطيات تؤهل قيام هذه الدولة، خصوصا سلاسة الامتداد من الشمال السوري مرورا بشرقه انتهاء بالعمق العراقي، وكذلك من الناحية الاقتصادية تتمتع هذه الجغرافيا بموارد اقتصادية هائلة منها زراعية ونفطية، فضلا عن الطاقة البشرية، لكن هذا حقيقة لا يكفي لقيام الدولة بقدر ما يكفي لقيام مجموعة إرهابية معزولة تتخذ من هذه الجغرافيا ميدانيا لتنفيذ هجمات إقليمية.. فمسألة الدولة مسألة معقدة وتحتاج إلى الكثير من التفاصيل.
أما مسألة البقاء والزوال فهي تعود لأمرين، الأمر الأول والأهم الاتفاق الإقليمي على تطويق هذا التنظيم، تزامنا مع وقف التمويل. وبالطبع هذا لا يكفي مع تنظيمات جهادية ذات نفس طويل مستعد للقتال سنوات وسنوات، وإنما يحتاج هذا الاتفاق الإقليمي، رغبة أمريكية جدية ومسؤولة في القضاء على هذا التنظيم من خلال الضربات بدون طيار التي أثمرت في أفغانستان واليمن.. لكل هذا العمل الجماعي يثير سؤالا آخر .. هل سيكون نظام الأسد جزءا من هذه الحملة .. إن تحقق ذلك .. يبدو أن الثوار والمعارضة سيكونان خارج السياق الإقليمي والدولي.
"كلمة السر"....من يموّل "داعش"؟ (1-2)
2014-07-08
كيف يطلق الأسد سراح المسجونين الأكثر خطورةً لديه، في حين يقتل ناشطين سلميين ينادون بالتغيير عبر المظاهرات. جنّد مئات أو ربما آلاف الشبان المخلصين دينياً، ممن يقاتلون ببسالة، لكن قيادات التنظيم تبقى بعيدة تماماً... التفاصيل ..

2014-07-08
كيف يطلق الأسد سراح المسجونين الأكثر خطورةً لديه، في حين يقتل ناشطين سلميين ينادون بالتغيير عبر المظاهرات. جنّد مئات أو ربما آلاف الشبان المخلصين دينياً، ممن يقاتلون ببسالة، لكن قيادات التنظيم تبقى بعيدة تماماً... التفاصيل ..
عبدالله رجا - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية