صفحة الكاتب على "الفيس بوك" (اضغط هنا)
الإسلام هو المشكلة وليس الحل

بعد ردود الفعل العنيفة على مقالتي التي انتقدت فيها كهنة السلطان - صرت على يقين وهذا ما لم أعتده في حياتي - أن التطرف الإسلامي هو أعتى أنواع التطرف وأشدها فتكاً وقتلاً ، حتى وإن شابه تطرف وقتل أديان أخرى عبر تاريخ قديم زار العنف مسعاها السياسي ، إلا أنها خرجت من كوابيسه وشكلت لنفسها عتبة روحية تمارس سلطتها من خلالها، تاركة شؤون الدولة لمن يستطيع تكوين منهج عمل خاص بأشيائها.
ولعل المطالبة من قبل البعض بعدم شق الصف انتصاراً لهدف واحد وهو إسقاط الأنظمة الاستبدادية ومن ضمنها النظام السوري، أصبحت عبئاً على مقولات الثورة، وفسحة زمنية لتمكين نظام أشد إرهاباً مما ثار الناس عليه.
فكما كان النظام عبر عقود طويلة يطالبنا بتأجيل كل شيء حياتي من أجل حربه الفراغية مع إسرائيل، تنطلق أصوات كتاب ومثقفين كثر هذه الأيام لتبني المقولة نفسها، فليس هذا وقت فتح الجبهة مع المتشددين، لأن حرباً مع النظام علينا الانتهاء منها قبل التفرغ لتحديد شكل الدولة التي نبتغيها.
وكأنما مثقفو (ليس الوقت المناسب) هم وحدهم من يقرر متى وكيف وأين تفتح الجبهات، وكأنهم أيضاً يسهلون سيطرة حفنة من شذّاذ الأحلام والممارسات بأن يدوسوا تاريخ سوريا المدني والعودة بها إلى كهف الكهنوت المستبد الذي هو الوجه الآخر للكهنوت المخابراتي.
كيف يمكن أن نفهم القول بتأجيل الحرب - نعم الحرب- على هؤلاء الذين يمعنون في تكوين تراجع عن مفهوم الثورة خوفاً من ضباع جديدة تعتبر أخطر من الضباع الحاكمة، ثم ما الثورة وما أهدافها وما هي النتائج التي حلم كل منا بتحقيقها، ولماذا انقلب جزء كبير من الناس ضد الثورة وكرهوا وردية الأوهام التي بعناها لهم بعد أن شاهدوا بأم أعينهم الثمار المنتظرة من هكذا ثورة، يصبح المثقف فيها تابعاً لأمي يحمل سلاحاً بحجة أنه يقاتل بالنيابة عنه !
فلو كان يقاتل بالنيابة عني على هدف واحد سأنصبه وصياً ولا مشكلة في ذلك، أما أن يكون مقاتلاً للخصم نفسه وبخطط لا تتفق مع أحلامي بالعدالة والدولة الحرة التي أستطيع أن أفكر فيها وأحلم فيها كما أشاء، فهذا مالا أستطيع التهليل له حتى وإن وصلت معاركه للقصر الجمهوري نفسه، فتهليلي هو تسخير القلم لخدمة الدفاع عن إجرامه، وبهذا أتطابق مع مثقفي السلطة الذي لم يتركوا محفلاً للدفاع عن النظام إلا وطرقوا أبوابه مستندين على أن الخصم هو ما دفع الدولة للحرب، تماماً كما يسوق بعض المثقفين أن الدولة هي ما دفع بهذه الانحرافات إلى الظهور والتشكل.
عند هذا المد الجارف من تصغير المثقف لنفسه أمام حامل السلاح، تضع الثورة السورية نفسها أمام استحقاق في غاية الخطورة ومفصل لا يمكن تجاوزه إلا بإعلان حرب تحمل الزخم نفسه على عدو آخر يريد النيل من الهوية السورية، الحرب على الأصوليين بكل تأكيد، لأنهم خدموا النظام أكثر من أجهزته الأمنية والعسكرية والإعلامية ..فقد ساهموا - من حيث يدرون أو لا يدرون - بالانتقام من كل شعار نبيل انطلق في الخامس عشر من آذار، وخانوا دماء أهلنا وأصدقائنا الذين قضوا وهم يعلقون يافطات الأحلام على أكف خيالاتهم.
فالأصولي الإسلامي خطر منذ بداية تأسيس وعيه العنيف، إنه يقوم على قتل أي صوت يحاول المساس بحقائقه التي كونها من فرضية التسليم والخضوع، لا من فرضية الوعي والدراية بالخالق الرب، فلو كانت المعرفة هي المحرك، لما كان القتل حواراً ...لأن الله حب وجمال وعلاقة تهذيب وتسوية للنفس، وليس تبشيراً بالاغتيال والتنكيل والعمل على تتطابق البشر رغم حض جميع الأديان على أن الفروق الفردية قائمة باقية، وعلى أي آخر أن يحترمها و ويصونها.
فمن قال للإسلامي السوري إن المسيحي يريد تأسيس دولة الإسلام ...ومن قال بأن الأقليات المذهبية والعرقية السورية تتفق على هذا الهدف، فإن قال متطرف لا يعنيني أجيبه بأنك أيضاً لا تعنيه ..وإذا أردت أن تفرض ما تريده أهواؤك فأنت جندي عند نظام يشبهك تماماً، فهو يريد للجميع أن يخضعوا وأنت تفعل ما فعله فكيف تثور عليه، ثورتك كاذبة نافقة ...وشعاراتك الأولى في تشجيع فكرة دولة القانون مجرد تحالف رخيص مع قيم لا تخصك، ساهمت برفعها في البداية كي تنقضّ عليها حين تصبح أقوى، ولحظة امتلاكك براميل كالتي يلقيها النظام على معارضيه أو هكذا يدعي، ستلقيها على معارضيك، ولكل منكما حججه في ذلك ...النظام ليحمي الدولة ويحارب الإرهاب ..وأنت لتقيم الدولة وتحارب الكافرين وكلاكما لا يفهم إلا لغة الاغتيال والتصفية والتخوين والتأثيم والخنق وبعدها الصلب والذبح.
وعوداً على بدء ..وتحديداً المقال الذي تحدثت فيه عن الرأي الفقهي الخلافي وغير المثبت عن الإمام مالك، فقد هجم عليي مجموعة من الجهّال ومبدعي تأجير الشقق المفروشة للعماء، ولم يكتفوا بالسباب المستند حسب رأيهم على الإسلام، بل توازعوا منشوراً يتهمني بالإساءة إلى الدين، لمجرد نقلي عن هذا الإمام أو سردي لطرفة واضحة المسعى عن آدم أبي البشر !
هنا تبرز ظاهرة مماثلة لأنصار الأسد المنزه حسب تعبير شارع المولاة، والخط الأحمر الذي لا يجوز المساس به، وإن قال قائل هل يستوي الأسد مع الإمام مالك أجيب أن عقيدتك تقول لا ...وعقيدتهم تقول نعم ...وبالتالي الكل ينطلق من المنبع نفسه مع اختلاف أن الأول يتصور بأنه يدافع عن دينه حين يفرض عليك تقديس رجالاته، والآخر يدافع عن وطنه حين يجعل من الأسد نموذجاً موازياً للدولة بعد غض الطرف عن الحس الطائفي عند الفريقين.
هل قال الإسلام بعصمة الأولين عن الخطأ، سؤال يفتح على إجابة واحدة حسب ما تم تواتره ...فالذي أعرفه -أنا على الأقل- أن الأنبياء وحدهم من يمتلك هذه الخاصية الإلهية، وإلا لما كان لدينا خمسة مذاهب إسلامية اختلفوا وتصارعوا في حججهم كدليل صحة لا دليل التباس، وإذا كنت غير قادر على استيعابي وأنا أنقل، فكيف ستستوعبني حين أفكر وأتصور وأنتج فهماً مختلفاَ عن فهمك للنص، أو حين أتجرأ مثلاً على حديث نبوي وأحاول معاصرته بقراءة جديدة حسب اجتهادي، ومن يتصور أن رجال الدين وحدهم من يحق لهم القراءة والاجتهاد، فقد أخطأ معرفياً وسلطوياً.
إذ يزيح نفسه من ارتباطه بخالقه ويكلف إنساناً ذا نزعات خطاءة مثله، وينصبه وصياً على هذه العلاقة التي يفترض أنها لا تقبل وساطة البشر كأديان أخرى.
حقاً إنها المعرفة الجديدة ، القائمة على تنزيه رجال الدين والحط من أي شيء آخر عداهم، إنها الثقافة الكهفية النكوصية المنتجة لشيء قبيح واحد، هو المراوحة في العتمة.
الغريب ضمن هذا السياق هو دفاع بعض المتنورين عن هذه الحالة، واعتبار غض النظر عن تصرفات هؤلاء المرتزقة باسم الدين احتراماً للخصوصية والعقائد، لكن لم يخطر في بال أي من مسخّري القلم لخدمة القطيع، أن السماح بهذا الانفلات سيجرفهم أولاً وسيجرف بلدانهم وهوياتهم وسيجرف المستقبل بمعلومه وليس بمجهوله استناداً إلى فضل ذبحهم وإقصائهم، فعن أي مستقبل تتحدثون ولم يبق شيء لم يسحقه المد الجاهل بشراً أم حجراً أم تراثاً..
هل هناك شخصية سورية إلا وأهينت وأهين تاريخها لمجرد خلاف في الرأي ؟!
هل هناك اتفاق على شخصية سورية في عالم السياسية والثقافة والفن معارضة أو موالية ؟!
ما هي سوريا إذا لم تكن بثقافتها وعلمها وفنها ؟!
هل سوريا عبارة عن مجموعة من الأمتار التي تشكل مساحتها الجغرافية الصغيرة ؟!
نحتاج ثورة على المفاهيم وليس على السلطات التي ولدتها فقط، فالمفهوم هو ما يعطيها شرعيتها، وهو ما يمنحها قوة البقاء في نفوس أصولية التكوين ، تعشق الاستبداد الماضي وتهيم حلماً في إنعاشه، أونفوس توالي و تعشق الاستبداد العسكري الجديد وتدفع به نحو التحكم والبقاء.
وما سيل الانتقادات التي يوجهها المحسوبون على الثورة لدولة العراق والشام وإعلان الخلافة، إلا محاولة للتطهر من تأييد المتطرفين في البداية والتهليل لهم، بحجة أن هذا ليس الإسلام !
ما الإسلام إذاً وما شكل الدولة الإسلامية ؟!..أرجوكم دلوني فقد أضعت العنوان، ولا أريد عناوين يعتبرها الكثيرون ضحكاً على العقل والذات.
هل الإسلام وشكل دولته هو ما نشأ على يد الوهابية الأولى والثانية في الجزيرة العربية ؟! هل هو الدولة الإسلامية الإيرانية أم دولة طالبان ؟! هل هو حزب التحرير أم داعش أم جبهة النصرة ومريدوها، أم دولة (أبو طاقة) ومزار سيدنا الخضر...
كلهم سواء، وشكل دولتهم مرتبط عضوياً بالشرع وحد السيف، هذا هو الإسلام ودولته اللذان يعتبران حلاً..
سأطرح اليوم شعاراً جديداً قاسياً، الإسلام ليس الحل، الإسلام مع هؤلاء هو المشكلة..
هامش :
سأترك الكتابة في "زمان الوصل" فترة ليست بطويلة، وأعود لأرد على الشتائم الجديدة التي ستطالني بعد هذا المقال، فالشتائم فنون العصر، والرد عليها فضح لأذهان بلطجيتها، إلا إذا كان رداً يمتلك حجة وعقلاً محركاً، عندها أكون مع حوار مخالف وهذا هو المسعى...
صفحة الكاتب على "الفيس بوك" (اضغط هنا)
صفحة الكاتب على "الفيس بوك" (اضغط هنا)
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية