أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ضريح وجامع السلطان في جبلة.. آية معمارية بديعة تعكس حياة متصوف كبير في التاريخ الإسلامي !

بالقرب من المدرج الروماني وسط مدينة جبلة على الساحل السوري يقع جامع السلطان إبراهيم الذي ارتبط اسمه بالمتصوف الإسلامي الكبير إبراهيم بن الأدهم الذي عاش في جبلة إلى أن توفي ودُفن فيها سنة 776م، ويضم جامع السلطان إبراهيم الحالي قبره، وتُعتبر قصة تحول ابن الأدهم من عرش الإمارة والجاه والنعيم الدنيوي في مدينة بلخ من أعمال خراسان إلى حياة الزهد والتصوف والعزلة واحدة من أغرب قصص التصوف والتطواف الروحي في التاريخ الإسلامي. 

وابن الأدهم كما جاء في (دائرة المعارف الإسلامية) هو إبراهيم بن منصور بن يزيد بن جابر أبو إسحاق التميمي العجلي زاهد مشهور من كورة بلخ ينحصر تاريخ وفاته وفقاً لوثائق مختلفة بين سنتي 160-166 هـ (776-783 م) وكانت وفاته على ما قيل أثناء اشتراكه في حملة بحرية ضد البيزنطيين، وتؤكد كثير من الروايات الواردة في كتاب "حلية الأولياء" للعطار أنه هاجر إلى بلاد الشام بعد أن تصوف وعاش هناك من عمل يده إلى وقت مماته ويقال إنه أجاب عبد الله بن المبارك عندما سأله عن سبب تركه خراسان "ما تهنيتُ بالعيش إلا في بلاد الشام أفرّ بديني من شاهق إلى شاهق ومن جبل إلى جبل فمن يراني يقول موسوس ومن يراني يقول هو جمال".

الجمل والثعلب 
ثمة قصة شائعة عن تحول ابن الأدهم إلى التصوف صيغت بأسلوب أقرب إلى الأسطورة بل هي على نمط قصة بوذا حيث يقال إن ابن الأدهم الذي كان أميراً من أمراء بلخ خرج يوماً متصيداً فأثار ثعلباً أو أرنباً وهو في طلبه فهتف به هاتف يا إبراهيم ألهذا خُلقت أم بهذا أُمرت؟ ثم هتف به أيضاً من قربوس سرجه، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أُمرت، فنزل عن دابته وصادف راعياً لأبيه فأخذ جبته وكانت من صوف ولبسها وأعطاه فرسه وما معه ثم “رفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة”.

وصحب أبا سفيان الثوري والفضيل بن عياض ودخل الشام واشتغل بالوعظ والإرشاد والعبادة وكان يأكل من عمل يده في الزراعة والحصاد وطحن الغلال وما إلى ذلك بعد أن كان يعيش عيشة الملوك والسلاطين في بلخ. 

وتُروى حكاية أخرى لا تقل أسطورية عن الحكاية الأولى حول تحول إبراهيم بن الأدهم إلى التصوف إذ يقال إن إبراهيم كان نائماً في سريره في قصره الملكي ذات ليلة وفي منتصف الليل اهتز سقف وسمع وقع أقدام أشخاص على السطح فتساءل إبراهيم من هذا؟ فأتاه الجواب. لقد أضعت جملاً فأنا أبحث عنه فقال إبراهيم: يا جاهل أويمكن أن يكون الجمل فوق السطح؟ فأُجيب ها أنت تجلس على سرير مذهّب وتلبس ثياباً حريرية فكيف تبحث عن الله ؟ تغيّر حاله على إثر ذلك فقد ترك هذا الكلام في نفسه أثراً معنوياً وانصرف إلى حياة الزهد.

من بلخ إلى جبلة 
بعد هذا الانقلاب الروحي الذي تعرض له ابن الأدهم ودخوله في حياة الزهد والتصوف رحل إلى بلاد الشام ليعيش حياة المتصوفة الزاهدين وليكسب رزقه الحلال من عمل يده وقضى سنوات متنقلاً في تلك البلاد مشغولاً بالسياحة وتزكية النفس ثم شارك في الحرب بين المسلمين والروم وتوفي في حملة بحرية عام 160 هـ -776م) ويذكر ابن عساكر أن ابن الأدهم طلب وهو على فراش موته قوسه وسهمه ليكونا بيده. 

أما قبر إبراهيم بن الأدهم فقد جعله بعض المؤرخين اعتماداً على ما أورده (محمد بن إسماعيل البخاري) في (سوقين) وهي قلعة من قلاع الروم وجعله بعضهم في مدينة صور في لبنان وتذكر بعض المراجع أنه دُفن في ساحل البحر المتوسط دون تحديد المكان. ويشير (محمد بن كناسة الكوفي) وهو -ابن أخت ابن الأدهم- أن قبر خاله في بلد غربي يسميه (الجدث الغربي) والمقصود بها الناحية الغربية لدلتا مصر غرب نهر النيل. 

ويذكر أهل الشام وفلسطين أن قبره في مدينة جبلة على الساحل السوري وقد زار ضريحه ابن بطوطة في هذه المدينة كما زار الأماكن التي كان يختلي فيها للعبادة في جبال لبنان وبعد ابن بطوطة قال أبو الحسن الهروي في كتابه الشهير (الإشارات لمعرفة الزيارات) أن قبره في مدينة جبلة على شاطىء البحر المتوسط وذكر في موضع آخر من الكتاب أن قبره في قرية (كفر تريك) قرب قبر لوط لكنه استدرك فقال والصحيح إنه في مدينة جبلة. 

جامع السلطان 
يقع جامع السلطان إبراهيم الذي يضم ضريحه في وسط مدينة جبلة السورية ويقال إن السلطان الزاهد نفسه قد وضع أساسه ويتميز هذا الجامع بقبابه البيضاء المتعددة ومئذنته العالية وحماماته الشهيرة وعلى واجهته الخارجية كتابات تعود إلى العام 1095 ميلادية ولكن تاريخ بنائه الحقيقي مازال مجهولاً برغم وجود بعض المؤشرات الدالة على أنه شُيّد زمن الخلافة العباسية. 

وفي العصر العثماني تم إنشاء القبة الرئيسية في حرم الجامع وترميم الواجهات وتجديد المنارة لتأخذ شكل المآذن العثمانية الاسطوانية المدببة وإلى الغرب من الجامع يقع حمام السلطان إبراهيم الذي بُني في القرن السابع عشر (العصر العثماني) على الطراز المملوكي وللجامع أوقاف كثيرة تشمل أربع عشرة قرية ومئات الهكتارات من الأراضي المنتشرة حول مدينة جبلة. 

هذه هي حكاية إبراهيم بن الأدهم أمير بلخ الذي تخلت عنه متع النفس الدنيوية ليدخل ملكوت المتع الروحية وكما يقول أبو الحسن النوري التصوف هو التخلي عن كل متع النفس، والتخلي نوعان صوري وجوهري فلو تخلى الإنسان عن متعه ثم وجد متعة في ذلك التخلي لكان هذا التخلي صورياً أما لو تخلت عنه المتعة فإن المتعة عندئذ تكون "مفناة" وهذه حال المتأمل الحقيقي (المشاهدات) -التخلي عن المتعة فعل الإنسان بينما إفناء المتعة فعل الله.

خالد عواد الاحمد - زمان الوصل
(398)    هل أعجبتك المقالة (509)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي