أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن مآلات الثورة السورية

هناك سؤال يلاحقنا , لو أن الأسد اختار طريقة أخرى للتعامل مع حادثة أطفال درعا , و حتى بعد ذلك , مع تصاعد الاحتجاجات في حمص أو ريف دمشق و ادلب الخ , هل كانت الثورة السورية تقدمت بهذا الشكل ؟ يمكن إذن الاستنتاج أن الثورة هي صيرورة مستمرة تنتج عن جدل تناقضي بين طرفين هما الديكتاتور و نظامه من جهة و في مواجهته القلة المندسة و الجماهير الأوسع .. أيضا يمكن القول أن الثورة السورية , الجماهيرية , قد فشلت , حتى اليوم , على الصعيد الإستراتيجي عندما عجزت عن إسقاط الديكتاتور بقواها الذاتية , و أن أية حلول أخرى هي محاولة لتلطيف هذه النتيجة أو للحفاظ على ظروف مواتية أكثر لنضال الجماهير السورية في المستقبل أو للتخفيف من تغول السلطة على هذه الجماهير , أقل بكثير مما حلم به السوريون و هم يهتفون بإسقاط النظام .. هناك عدة قوى توصف بالثورية لكنها في الواقع تملك أهدافا و غايات , و وسائل عمل , منفصلة , أو متناقضة تماما مع أهداف و غايات الجماهير السورية من ثورتها .. هناك أولا الائتلاف ( و معه مؤسسات المعارضة الرسمية الأخرى ) التي حشرت الثورة في منظورها الخاص , "الدبلوماسي" , القائم على مركزية العلاقة مع الغرب و "الدول الداعمة" , و على استجداء تدخلها و مساعداتها , وصولا إلى أن تشكل هي "السلطة الجديدة" .. يوجد لدى الائتلاف , و قوى المعارضة السورية الأخرى , عجز و تخلف هائلين في فهم الثورة كما تفهمها الجماهير , و هذا منطقي جدا , و له أسبابه البنيوية غير القابلة للحل .. ما بدأ كثورة جماهيرية قزمه جدا محاولات التعبير عنه من خلال مثل هذه المؤسسات الفوقية المعزولة و المنفصلة عن الشارع بشكل كامل تقريبا .. ثانيا هناك ما يسمى بقوى العسكرة , و إذا استثنينا بعض الحالات القليلة ( داريا مثلا ) فإن هناك انفصالا متزايدا بين الناس و بين القوى العسكرية , خاصة قياداتها , على صعيد المصالح و أساليب و أشكال النضال .. أحد المهازل هنا هو أن تتجسد ما يسمى بالمعارضة المسلحة المعتدلة بلصوص يجري العمل بشكل حثيث على تحويلهم إلى مرتزقة , طبعا هذا خارج إطار القيادة الرسمية للجيش الحر التي تبدو ضعيفة الحيلة في أرض الواقع , بينما تصبح قيادات العمل العسكري الإسلامية هي أيضا أقرب إلى دمية بيد الممولين الخارجيين و إذا كان من الممكن لها التغطية على واقع انفصالها هذا عن الشارع الثائر ببلاغة لفظية إسلاموية أو طائفية فإن تأثير هذا لن يتجاوز القلة المؤدلجة إسلامويا .. هناك أيضا مجموعات الناشطين الذين امتدت إليهم يد الإفساد , إفساد الدول و المؤسسات المانحة و المنظمات "غير الحكومية" فشوهتهم أخلاقيا و إنسانيا و مسخت نضالهم إلى طقوس مشهدية منفصلة عن الشارع و الواقع .. صحيح أن نظام آل الاسد قد عمل على مدى اربعين عاما على إفساد الواقع السياسي و الثقافي عبر رشوة البعض و قمع البعض الآخر و تهميش و إقصاء من لا يتقن لعبة التصفيق , لكن صحيح أيضا أنه قد جرت في السنوات الثلاثة الماضية من عمر الثورة عملية إفساد متسارعة , رشوة و شراء ضمائر و ذمم , ليس فقط لما يسمى بسياسيي المعارضة و للقادة العسكريين , بل أيضا لمن يسمون بالناشطين السلميين أو المدنيين , و حتى لأوساط من الجماهير .. لقد كانت الرشوة السياسية و المال السياسي عاملي تدمير في الثورة السورية .. هناك أخيرا الجماهير السورية نفسها , الممزقة , المنكوبة , التي يستثمر الكثيرون معاناتها و آلامها لمصالحهم الخاصة , و التي تبدو بعيدة كما كانت دائما عن التحكم في مصيرها و عن القدرة على محاربة مضطهديها و هزيمتهم .. في مواجهة قوى و واقع كهذا , قد تبدو إمكانيات المقاومة محدودة , لكن ذلك يتعلق في النهاية بالناس أنفسهم , و بمن يختار الثورة كطريقة لتغيير الوضع القائم و بناء عالم جديد .. يمكن هنا القول على الأقل انطلاقا من تجربة الثورات الماضية أن أحد المهام الضرورية اليوم هو النقد الثوري الجريء لكل ما جرى , و الذي قد يلعب دورا ما في النضال الثوري الحالي و في الموجات الثورية اللاحقة , يمكن أن نضمن هذا النقد الضروري ما يلي مثلا : ضرورة عدم اصطحاب النخب إلى الثورات القادمة , على الأقل ليس كنخبة مخولة بالتصرف نيابة عن الجماهير , و عدم اللجوء إلى أنظمة سلطوية استبدادية طلبا للمساعدة , و محاولة تجميع كل قوى الجماهير في اللحظة التي يكون فيها النظام أضعف ما يكون , و ان تتم المحافظة على الشكل الديمقراطي الجماهيري الأفقي للميليشيات الشعبية لا الاستعانة بضباط من جيش الديكتاتور أو محاولة إقامة جيش يشبه جيش الديكتاتور في السمع و الطاعة و الضبط و الربط الخ .. إن قضية استمرارية الثورة ليس مسألة نظرية في الواقع بل عملية جدا , و تحتاج إلى إثباتها بالأفعال لا بالأقوال , و قد يكون هذا أيضا من أهم دروس الأيام الثورية التي مضت

مازن كم الماز
(124)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي