أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

استبدال علم الثورة في "باب الحارة"، هل هو قرار سياسي أم إجراء رقابي؟!

السمان: مسلسل باب الحارة هو مسلسل مشبوه؛ يطمس وجه دمشق

استبدل المخرج "عزام فوق العادة" علم الثورة الذي كان النظام يصفه بعلم الانتداب الفرنسي، بعلم النظام في الجزء السادس من مسلسله "باب الحارة" في خطوة فُسرت بأنها مداهنة للنظام، ورضوخاً لتعليمات لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سوريا التي أصدرت منذ أشهر تعليمات منعت بموجبها تضمين الأعمال الشامية أي صورة لأول علم رفعته سوريا إبّان استقلالها في العام 1946، كما دعت اللجنة إلى تلافي ذكر عبارة "ثوّار الغوطة"، أو أي "ثوار"، في الحوارات التلفزيونية السورية مستقبلاً.

 وألمح ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن قرار منع علم سوريا السابق في مسلسلات البيئة الشامية التي يتم إنتاجها مستقبلاً، أو عدم تمجيد الثوّار، لا يخفي أغراضاً سياسية وراءهما، ويعكس نوعاً من "الرهاب" تجاه الثورة السورية خاصّة أن هناك من حمّل الأعمال الشامية، ولاسيما "باب الحارة" في بداية الثورة السورية مسؤولية بناء ذهنية معينة لدى شرائح من المجتمع السوري، كان لها – على حد قولهم- تأثيرها المحرّض حيث أعادت الكثير من المظاهر الاحتجاجية ضد السلطة إنتاج بعض مشاهد هذا المسلسل في مواجهة المحتل الفرنسي.

والملفت أن هذا القرار أتى بعد منح موافقة الرقابة السورية على تصوير جزئين جديدين من "باب الحارة"” في دمشق، وإعلان صنّاع العمل في وقتٍ لاحق بأن التصوير سيكون داخل سوريا، ما يفتح باب التساؤلات مجدداً حول مقولات أحدث نسخ هذه السلسلة الشاميّة الشهيرة، التي طالما تغنت ببطولات الثوار، في مواجهة جنود الاحتلال، وأعطت لشيخ الحارة مكانة متميزة ومقدّرة بين أبنائها.

كذلك تدور الأسئلة حول مصير عشرات الأعمال التلفزيونية السورية التي تغنت ببطولات الثوّار في مواجهة الانتداب الفرنسي، وأعْلَتْ قيمة الاستقلال، وعلمه فوق كل علم، خاصة مع بروز اتجاه مؤخراً بإعادة مونتاج واقتطاع مشاهد مماثلة من مسلسلات سورية سابقة، والتي يعاد بثها خلال الفترة القادمة عبر قنوات الإعلام الرسمي.

وحول تفسيره لاستبعاد علم الثورة من المسلسل رغم أنه كان موجوداً في الأجزاء الخمسة منه وهل يعكس هذا رهاباً من الثورة يقول الكاتب والصحفي محمد ديبو لـ"زمان الوصل": إن قرار النظام بالإيعاز لوسائل الإعلام وشركات الإنتاج التلفزيوني باستبعاد كل رمز أو علم أو صورة يدل على الثورة أو يوحي بها لا يدل فقط على خوف النظام من الثورة، بل يعكس الأمر أيضا بُنية هذا النظام غير القابلة للإصلاح. ويضيف ديبو: إن قراءة الأمر في العمق يوضح لنا كيف يجيّر النظام كل شيء لصالح بقائه ونفي حدوث ثورة أو انتفاضة أوحتى خروج مظاهرة ضده، ويشي أيضاً باحتقار النظام العميق للدراما والتاريخ والثقافة والمعرفة، فهو في سبيل بقائه ليس مستعداً لحرق البلد لأجل الأسد فقط، بل مستعد لحرق التاريخ وتحريفه حين لا يلائم مزاجه الاستبدادي، أو حين يستشعر الخطر قادماً منه. ويذهب الكاتب ديبو إلى القول إن نظاماً يخاف من مجرد علم في مسلسل يعكس صورة كاريكاتورية لهذا النظام الذي لا يستطيع البقاء يوماً واحداً دون قوة العنف المطلق، ومن هنا نفهم لماذا ثار السوريون ضد هذا النظام؟ كيف يمكن بقاء نظام يريد أن يزوّر التاريخ ويلغي الأعلام ويتلاعب بالجغرافية؟ كيف يقبل السوريون مهانة كهذه؟

وحول رأيه في طبيعة هذا الإجراء وهل هو قرار سياسي أم مجرد إجراء رقابي يقول الكاتب محمد ديبو: لاشك أنه قرار سياسي بامتياز وليس رقابياً، إذ يستحيل على نظام كهذا أن يقبل بعلم يشير إلى الثورة في ظرف كهذا. فهو يريد أن ينفي أن ثمة من قام ضده، فكيف يكون الأمر لو أبقى على العلم موجوداً؟ إن مجرد وجود العلم في المسلسل ولو في مسلسل تاريخي سيجعل الناس (حتى المؤيدين منهم) يتذكرون أن هناك ثورة ما زالت قائمة وهذا العلم هو علمها (سواء اتفقنا مع هذا العلم أم لا) وهو لا يريد أن يتذكر أحد أن ثمة ثورة تجري على أرض هذه البلاد الطاهرة.

مسلسل باب الحارة بضاعة فاسدة !
الكاتب نجم الدين السمان كان قد طالب مؤلف ومخرج المسلسل قبل انتهاء أولى حلقات الجزء الأول منه بتحديد الفترة الزمنية للمسلسل؛ حيث التبست مرجعيتها بين أواخر العهد العثماني وأوائل الاستعمار الفرنسي لسوريا؛ وفي الجزء الثاني ظهر العلم الفرنسي وراء رئيس المخفر؛ ثم ظهر أول علم سوري بعد معاهدة 1936 والذي اتخذته الثورة السورية علما لها؛ وفي رمضان الحالي 2014 وبعد ثلاث سنوات من القتل والتدمير والتهجير والاعتقال والموت تحت التعذيب؛ يسحب صناع المسلسل العلم السوري من حيث صار رمزاً للثورة ويعيدون العلم الفرنسي.

ويضيف السمان إن مهزلة استبدال الإعلام تذكرني بمهزلة المراسيم البعثية ثم الأسدية في عهد حافظ الأسد، من حيث استبدلت العلم السوري كما تشاء وبحسب المتغيرات ومن غير أخذ رأي المواطن السوري في هذا التبديل المستمر للأعلام؛ حتى صار للثورة على النظام الأسدي علم تُعرَف به.. بدأت حملات التخوين والتشكيك به؛ ولم يكن إقصاؤه عن مسلسل باب الحارة آخرها. بالنسبة لي، وكنت أود أن يكون علم أول استقلال لسوريا 1918؛ هو علم الثورة؛ لكن حزب البعث اختطفه له؛ من حيث تم إغفال هذا الاستقلال؛ والتركيز على الاستقلال الثاني 1947. 

ويردف السمان إن لعبة استبدال الأعلام تحظى أيضاً بمفارقة أكثر ألماً وهي استبدال علم الثورة ذاته بألف راية وعلم ترفعها الكتائب المقاتلة؛ لاغية بذلك خصوصية الثورة السورية على الاستبداد وكذلك وطنيتها الجامعة من حيث هي ثورة لكل السوريين وليست لبعض السوريين حتى لو كانوا أغلبية عددية.. وصولاً إلى علم الخلافة الداعشية التي صنعتها كل دوائر الاستخبارات بما فيها استخبارات الدول التي تدعي بأنها صديقة للشعب السوري؛ بينما هم الاصدقاء الأعداء؛ و قد نحتُّ لهم مفردة: الأعدقاء؛ لما فيها من دلالة تراجيكوميدية ساخرة؛ إذ لا شيء يقض مضجع أحدٍ بأكثر من السخرية عليه وتقويض دلالته.

ويشير الكاتب السمان إلى أن مسلسل باب الحارة هو مسلسل مشبوه؛ يطمس وجه دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ؛ ويكرسها كحارة "غيتو" مغلقة على نفسها وعلى العالم؛ ولاشي فيها سوى شوارب رجالها وثرثرة نسائها مع بضعة توابل وطنية حتى لاتظهر الرائحة الفاسدة لبضاعة فاسدة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(404)    هل أعجبتك المقالة (312)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي