تُنسب الرقصة المولوية إلى المتصوف الشهير جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشهير المعروف وأحد القمم الكبرى في الشعر والتصوف، وتقوم هذه الرقصة على الدوران وتستند على فلسفة باطنية ترى في الإنسان عالماً مصغراً على نسق العالم الأكبر، ولهذا فإن خير طريقة يسمو بها هي حركات العالم الكبير فيدور حول محور مثلما يدور العالم حول الأرض أو الشمس والدوران يؤدي إلى المفارقة والشطحات والذوبان في عالم لا متناه من الانجذاب وبلوغ الحضرة الإلهية .. إلخ ودعا جلال الدين الرومي هذا النوع من التعبير الإنساني الراقي رقصة السيما ووصفها بـ"جوهر الروح" لاكتشاف الحب الإلهي والإحساس برجفة الصدمة وإزاحة الستار الحاجب للوصول إلى حضرة الله.. إلخ وتؤدى رقصة السيما بأن يتوسط الشيخ الحلقة ويلتف حوله الدراويش بثيابهم البيضاء بياض الأكفان وبرابيشهم التي تشبه في لونها حجارة الأضرحة ويبدأون الذكر بتراتيل وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم وحركات دائرية يقف المريد فيها سابلاً يديه وكفه الأيمن موجهاً إلى السماء والكف الأيسر إلى الأرض ثم يدور ويدور عكس عقارب الساعة إلى أن تتداركه الغيبوبة.
ورغم أن هذا "الباليه" الشعبي الشرقي –إن صح التعبير– قد أصبح جزءاً من الماضي التليد وخصوصاً بعد أن أصدر أتاتورك عام 1926 قراراً بإلغاء الطرق الصوفية في تركيا وتحويل أماكنها إلى متاحف أثرية عادت المولوية إلى الحياة وعاد مريدوها يتحلقون في حلقات الذكر والحفلات العامة والخاصة والاحتفالات الدينية الأخرى التي تبلغ أوجها في شهر رمضان المبارك والتي تقدمها فرق مدربة وورث أفرادها أسرار المولوية وكيميائها الخاصة وأضفوا عليها من السمات المحلية الشيء الكثير.
وإذا كانت أغلب المصادر التي أرَّخت لحركة المولوية قد أشارت إلى أن السيما تراث تركي يعود لأكثر من ثمانية قرون إلا أن هناك إشارات تُرجع هذه الرقة إلى أصلها العربي كما يقول الفنان "رابح السباعي" رئيس فوج المضرية في حمص ويضيف إن تاريخ المولوية يعود إلى عهد الرسالة عندما بشر الصحابي أبو بكر الصديق من قبل النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله راض عنه ومن شدة فرحه أخذ يدور ويشكر الله ويلهج بذكره، ومن هنا أخذت هذه الرقصة مع كلمات قيلت في ذلك الوقت "عبد الله العتيق وفي الغار الرفيع أبو بكر الصديق صاحب المصطفى"، ضمن لحن على طريقة الذكر أخذت بعداً من أبعاد الاحتفالات الدينية وتم توارثها بأشكال مختلفة وبموشحات ومقامات متنوعة، وفي عهد الملك المظفر أحد الحكام المماليك أُعطيت هذه الاحتفالات الدينية حقها العلمي ضمن المهرجانات الدينية التي كانت تُقام في عهده وعلى سبيل المثال قراءة السيرة النبوية بشكل مختصر ضمن قالب شعري، وكذلك اجتماع أرباب الشعائر الدينية والتحدث عن القصص التي مرت على النبي صلى الله عليه وسلم كل في طريقته وكذلك شاع الذكر بأنواعه وطرائقه المختلفة.
وحول كيفية أداء رقصة المولوية يقول المولوي عبد الرحمن شلار صاحب فرقة حمص للرقص المولوي:
تضم المولوية سبعة أشخاص أكبرهم سناً ويسمى "شيخ المولوية" يقف في الوسط وعلى يساره المريد الأول حسب تسلسل السن والخبرة، وعلى يمينه شيخه في الطريقة الذي يقف واضعاً يديه على صرته (اليد اليمنى فوق اليسرى) ثم يخرج شيخ المولوية من أمام شيخه ويدور حول نفسه مع المريدين حتى يصبح وجهه مقابلاً لوجه شيخه ثم يقوم بتقديم التحية وهي عبارة عن إحناءة لنصف الجذع تعبيراً عن الاحترام والولاء لهذا الشيخ المبجل الحاضر، ثم يبدأ تخت النوبة بعزف إيقاعات معينة تختلف من طريقة إلى أخرى ثم يبدأ الإنشاد المعروف لدى أتباع الطريقة المولوية:
يا إمام الرسل يا سندي أنت باب الله ومعتمدي
فبدنياي وآخرتي يا حبيب الله خذ بيدي
ويضيف شلار: بعد ذلك تأخذ الفرقة التشكيل التقليدي في المولوية ويقف شيخ النوبة في الوسط ومن حوله عناصر المولوية ثم يبدأ حركة تكون إيذاناً بالبدء لتنفيذها من قبل أفراد وعناصر المولوية، ويقوم أفراد النوبة بوضع أيديهم على شكل إشارة الضرب أعلى صدورهم ثم يبدأون الدوران وتكون إحدى أرجلهم ثابتة والأخرى متحركة حتى لا يتغير مكان الوقوف وللمحافظة على المنظر العام لتشكيل المولوية، ثم بعد ذلك تبدأ حركة ثانية عبارة عن فتح يد إلى الأعلى بانسيابية دون انحناء من شيخ الطريقة ثم اليد الثانية ثم ميلة للرأس إلى اليمين، ثم تعود اليدان على الخصر والقبضة مغلقة وتجري حركات بالرأس إلى اليمين مع الدوران، وتنتقل النوبة من إيقاع بطيء إلى إيقاع أسرع حسب تدرج الموشحات التي كانت تنشد أثناء حفلة المولوية، وكانت ترافق حفلات المولوية ثلة من الدراويش الذين يحملون فوانيس أو أي أدوات أخرى يرافقون الفرقة في جميع مراحلها ويندمجون مع حركاتها بشكل عفوي ويصدرون حركات تعبر عن تفاعلهم العفوي مع النوبة والإنشاد المولوي.
وحول الزي الذي يرتديه المولوية يقول عبد الرحمن شلار:
يعتبر اللباس التقليدي لأفراد المولوية من أجمل المظاهر التي كانت ولا تزال ترافق احتفالاتهم ويتألف من (اللبادة) وهي قبعة عالية من اللباد المصبوغ باللون البني، ومن رداء أبيض قصير (صديري) مفتوح وتحته ثوب أبيض عليه تخريج عربي من الخيوط الحريرية ويتصل هذا الثوب برداء فضفاض عريض مطبق على طريقة معينة يفتح أثناء الدوران فيصبح شبيهاً بمظلة مفتوحة مما يعطي شكلاً جمالياً ميَّز رقصة المولوية ولا يزال، ويربط أعضاء الفرقة في وسط كل منهم شملة ملونة كلٌ حسب طريقته فهناك الألوان الحمراء والخضراء والسوداء وكل لون من هذه الألوان يرمز إلى طريقة ما، أما في أقدامهم فينتعلون خفاً طرياً لتكون حركاتهم خفيفة ورشيقة.
خالد الأحمد - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية