قلما وثّق السوريون أو غيرهم، "الثورة اقتصادياً" في مسح ميداني أو كتاب مرجعي موّثق، ينطلق من الأسباب الاقتصادية لخروج السوريين على سوء توزيع الثروة وعدم العدالة في منح الفرص، مروراً بدخولهم المتدنية وصولاً لتبديد ثرواتهم أمام أعينهم وعملهم أجرَاء في مزرعة السلطة.
وكيف اقتص نظام الأسد من السوريين وممتلكاتهم، في طريقة عقاب جماعي، خلال رده على مطالبهم بالحرية والعدالة الاجتماعية، حيث حوّل النظام سوريا من بلد ناتجه المحلي الإجمالي عام 2010 نحو 2800 مليار ليرة"60 مليار دولار" إلى أقل من 15 مليار دولار ناتج عام 2013. بعد أن ترك نصف سكان سوريا منازلهم جراء التهديم الممنهج لمناطق حواضن الثورة، وتوقف قطاعات اقتصادية كاملة عن الإنتاج والعائدية، كالسياحة والنفط، وتراجع كبير في الزراعة والصناعة والتجارة الخارجية.
لم يصدر مرجع حتى الآن، عدا بعض الدراسات والأبحاث، والمتناقضة أحياناً في نتائجها، على حسب الجهة الباحثة ومراميها، فما نقرأه عن خسائر البنى التحتية لمؤسسة تعنى بإعادة الإعمار، مختلف بالمطلق عن الذي يصل إليه مركز بحثي أو مؤسسة علمية، وما يصرّح به معارض منفعل من أرقام الخسائر التي منيت بها سوريا، مغاير لما تقوله الدراسات أو الحقائق، هذا عدا الاختلاف الجذري بين ما يسوقه النظام وما تقوله المعارضة.
أخيراً، وفي محاولة لسد هذه الثغرة، أصدر الدكتور حسين العماش في الأردن كتابا بعنوان "الحرية والتنمية..مستقبل سورية الجديدة" ما يعد لبنة في حقل توصيف الأسباب الاقتصادية إلى جانب السياسية والاجتماعية، وربما تنبيهاً للباحثين، ليبدؤوا في تأريخ الثورة قطاعياً، وإيلاء الاقتصاد الذي راهن عليه كثيرون، منذ البداية، ليكون بوابة لسقوط الأسد، ومن ثم غدا كعكة تسيل لعاب الشركات والدول لاقتسامها. ما يستحق من اهتمام.
يعرض رئيس هيئة مكافحة البطالة السابق عماش خطة الثورة لبناء سوريا من خلال عقد اجتماعي جديد يقوم على شرط استفادة كل مواطن من خيرات سوريا، على أن الهوية الاقتصادية الجديدة انعكاس للحرية السياسية التي قاتل من أجلها. وهذا يعني إعادة الإعمار والمساكن وإعادة المهجرين واللاجئين ومساعدة الجرحى والمرضى والأسرى على المدى القصير، ومن ثم معالجة المشاكل المزمنة حول النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في جوانب توزيع الدخل والثروة، وحل مشكلة الفقر والبطالة، والتنمية المتوازنة في المناطق، والنمو الاقتصادي والتنافسية الدولية.
إنها تنمية يجب أن تكون حرة من جهة وأن تكون عادلة لكل السوريين من جهة أخرى. وهذا مايعزز خيار الحرية الذي ثار من أجله السوريون ودفعوا من أجله ثمنا باهظاً.
يقدم كتاب "الحرية والتنمية" رؤية سياسية واقتصادية وإنسانية في دولة الحرية والحق والعدالة والديمقراطية. عبر استشراق للمستقبل أكثر منه سرد للمأساة السورية. من خلال سرده لحقائق تؤكد أن الثورة السورية هي ثورة الحرية والكرامة ضد نظام الاستبداد والإجرام الأسدي، ثورة شعب عربي ومسلم تم قهره وإذلاله وإهانته على مدى خمسة عقود في ظل شعارات زائفة من المقاومة والصمود والعروبة وغيرها على يد نظام مجرم بكل معنى الكلمة وخلق منظمة سرية طائفية رهيبة فرقت السوريين.
وهي ليست ثورة طائفية بين السنة والعلوية كما روّج النظام ليكسب التأييد الخارجي ويبرر جرائمه في قمعها، وهي ليست حرب أهلية بين السوريين على أسس عرقية أو دينية أو سياسية. فهي بدأت وستنتهي بسقوط نظام بشار الأسد الأمني وإقامة الدولة المدنية والمواطنة على أساس المساواة. وهي لن تكون غير ذلك مهما حاولوا حرفها وتشويهها لوأدها.
يحاول عميد كلية الفرات المنشق حسين العماش ومنذ عنوان الكتاب، ربط الحرية بالتنمية، وذلك ليس من قبيل الجذب أو التنويع، بل لقناعته التامة كاقتصادي، أن الرابط وشيج بين المعايشة والمعاينة، وأن استمرار الحرية لايستقيم أبدا إن لم تصاحبه تنمية اقتصادية عادلة لكل المواطنين. وأن التنمية ذاتها لاتتحقق في جو الاستبداد والكبت والظلم. فالحرية والتنمية متلازمان ويشكلان أساس قيام دولة سوريا الجديدة.
تأتي فكرة الكتاب على نحو مختصر، بأنه حتى تؤتي الثورة ثمارها يجب أن نضع الخطط الناجعة لما بعد سقوط الأسد. وهو سقوط قادم حتما لامحالة. وحتى لا نتفاجأ بالفوضى والاضطراب وضياع الفرصة لبناء سوريا جديدة، وهو التبرير الذي اعتمده المؤلف في تلازم مساري الحرية والتنمية بمثابة خارطة طريق، حسب التعابير الدارجة.
كتاب"الحرية والتنمية...مستقبل سوريا الجديدة" يقع في 200 صفحة، وقد صدر مطلع الشهر الجاري عن دار البيروني في عمان-الأردن وقدم له رئيس الوزراء المنشق الدكتور رياض حجاب.
والمؤلف حسين مرهج العماش مواليد مدينة دير الزور في سوريا "البوكمال" عام 1950 درس الاقتصاد في جامعة حلب عام 1974 وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة عام 1985.
عمل في وزارة التخطيط في الكويت قبل أن يعود لدمشق ويتسلم هيئة مكافحة البطالة عام 2002.
وشارك عماش في الإعلان عن المبادرة الوطنية الديمقراطية وكان من مؤسسي لقاء سميرا ميس في 3-7-2011 ومن ثم اعتقل قبل أن يغادر سوريا.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية