أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انتخابات الائتلاف

حينما اندلعت الثورة السورية، في أواسط شهر آذار مارس 2011، لم يكن في سوريا ثمة معارضة يمكن الإشارة إليها بالبنان.

إنه لمعلوم لدى حضراتكم أن الجنرال حافظ الأسد مشى في القضاء على المعارضة ضمن خطة متدرجة، تراكمية، كان قوامها، في المرحلة الأولى، التحالف الصوري مع الأحزاب الأخرى، والاحتواء، من خلال تجربة الجبهة الوطنية التقدمية التي (يقودها) حزب البعث العربي الاشتراكي.

في المرحلة الثانية، أواسط السبعينات، بدأ بضرب القوى اليسارية الراديكالية كحزب العمل الشيوعي والمكتب السياسي وحزب البعث (جماعة العراق)، وبعض الناصريين غير الجبهويين، ضرباتٍ موجعةً، فامتلأت بهم سجون أمن الدولة، وأُرْتِجَتْ دونهم الأقفال.

ومع ظهور تمرد الإخوان المسلمين (1979- 1980) بدأت المرحلة الثالثة، وفيها أطلق الأسدُ لمخابراته وقواته الخاصة العنان، فنزلوا ينكلون بالشعب والمعارضة الموجودة، والمعارضة المحتملة، سواء أكانت من الإسلاميين، أو من الشيوعيين، أو من القوميين، لا فرق عنده.

وفي أعقاب الانتصار الكبير الذي حققه على الإخوان (والشعب والمعارضة)، بعد مجازر 1982، تحول الأسدُ إلى المرحلة الرابعة التي قادها وزيرُ الإعلام أحمد اسكندر أحمد وتتلخص بما يعرف باسم "عبادة الفرد"، وفيها لم يعد ثمة وزن لحزب أو لشخص أو كيان. وحتى حزب البعث الذي جاء الأسد إلى السلطة ممتطياً موجتَه هُمِّشَ وأصبحت أهميته تتلخص بقدر ما يقدم للقائد من ولاءات، ومدائح، واحتفالات. وأما أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، فقد بدأت تتأثر بأسلوب حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يقوده صفوان قدسي، فألغى قادتُها كياناتهم، وبرامجَهم، وعلاقتهم بالمجتمع، وتحولوا إلى نجوم في المهرجانات الخطابية التي يتبارى فيها المتبارون على مديح القائد التاريخي، حتى إن السيدة وصال فرحة بكداش كانت أول شيوعية تمتدح الرئيس الأسد في مجلس الشعب، (دورة 1990)، وحينما طلب منها أعضاء اللجنة المركزية أن تعتذر لقيادة الحزب وقواعده النضالية عن هذه الفعلة التي لا تليق بحزب عمره (آنذاك) ستون سنة، انبرى زوجها المرحوم الرفيق خالد بكداش يقول: هي لن تعتذر، لأنها لم تخطئ، ولم تأت بشيء من عندها، فأنا الذي طلبت منها ذلك... إلخ. 
المرحلة الخامسة كانت بقيادة الوريث الرئاسي المدلل بشار الأسد الذي استنفرت الدولة السورية كلها في سنة 2000 لكي تهيئ له المناخ اللازم لحكم سورية، وبضمن ذلك تزوير الدستور... وكانت مرحلةً بالغة التعقيد، استطاع الوريث خلالها أن يوهم قطاعات كبيرة من المجتمع السوري، بما فيها التيارات اليسارية والديمقراطية، بأنه لن يسير على خطا والده (المجرم التاريخي)، فكان ربيعٌ تفتحت فيه الورود لسنوات قليلة، حتى أينعت وحان قطافها، لتعود الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه في زمن المجرم التاريخي الأب.

ضمن هذه الخارطة الشائهة لقوى المعارضة السورية المشتتة، اندلعت الثورة السورية... وما هي إلا أيام قليلة حتى وجد الثوار أنفسهم في العراء لا توجد مظلة سياسية حقيقية قادرة أن تحمي ثورتهم، وتقودها، وتمشي بها نحو بر الأمان.

في تلك الأثناء، إن كنتم تذكرون، سارعتْ شخصياتٌ سورية إلى عقد مؤتمرات متتالية في بعض المدن التركية كأنطاليا واسطنبول، أسفرت، في النتيجة، عن ولادة المجلس الوطني الذي لاقى ترحيباً ثورياً داخلياً وخارجياً غير مسبوق، ثم بدأ يضعف ويفقد الدعم والاهتمام، دواليك حتى تشكل الائتلاف، وحاز هو الآخر على تأييد كبير (تأييد إقليمي ودولي بالأخص)... ثم بدأت النقمة عليه في الداخل، ولا سيما بعدما نمت التيارات الإسلامية الأصولية المتشددة.

الحقيقة أن وضع الائتلاف، الآن، لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً... ولا سيما ضمن ظروف الثورة السورية التي تشهد تطورات دراماتيكية معقدة، وتجاذبات دولية تبدو- في بعض الأحيان- غير مفهومة، وامتدادات إقليمية في طريقها لأن تشعل المنطقة برمتها.

وجود الائتلاف، للحقيقة والتاريخ، ما يزال ضرورياً، بل إن واقع الثورة السورية الآن هو في أمس الحاجة لوجوده، ولكن ليس على هذه الصورة، بل إنه أحوج ما يكون لأن يرأسه شخص قوي الشخصية، وطني، قادر على العمل ضمن روح الفريق، والاستجابة لمتطلبات الداخل السوري، وأن يكون ديمقراطياً.

نعم. نريد رئيساً ديمقراطياً. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. الديمقراطية تتسع لكافة القوى الفاعلة على الأرض، وفي المنطقة، وفي العالم. بينما لا تتسع القوى غير الديمقراطية لشيء، فكيف تتسع لوطن يحترق؟

من كتاب "زمان الوصل"
(127)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي