في خضم الأحداث المؤسفة التي تعيشها سوريا وشعبها وثورتها بشقيها العسكري والسياسي، وبينما تتعاظم المسؤوليات الملقاة على كاهل "ممثلي الشعب" المكلوم بشهدائه ومعوقيه، بنسائه وأطفاله ورجاله؛ تقف شخوص في المعارضة السورية أمام استحقاقات مصيرية متجددة، طالما فشلت في الفوز بها أو الاقتراب كحد أدنى في أطروحاتها من مرتبة الثورة، وعظمة الجمهور الثائر على لعبة الأمم وشجاعة الأبطال المرابطين في الثغور الذين ما انفكت تشغلهم مظاهرات الاحتجاج أو معارك الصمود أو تجميع الدعم وأغلال الإغاثة عن مزاولة السياسة والتعاطي مع رموزها المحليين.
كثيرون من أولئك الذين أبصروا في الثورة مطية لتحقيق مآربهم الخاصة، تصدروا شاشات التلفزة، وصحف الأخبار العالمية والمحلية، على أنهم أبطال يحملون إرثاً نضالياً وتحصيلاً أكاديمياً يؤهلهم لذلك، وبذلك، اغتنموا كل فرصة أتيحت لتعزيز المكاسب الشخصية على حساب الثورة وأهلها، حتى وصل بهم الأمر إلى تقاسم الحصص وإقصاء المخالفين، والشواهد الكثيرة تبدأ سيرورتها من توسيع المجلس الوطني في عام 2012 ليصبح "معجوقة" على الطريقة الحلبية بعدد أعضاء وصل إلى 400 عضو، مروراً بتفاصيل إنشاء الائتلاف الوطني السوري وتوسعتيه الأولى والثانية، وصولاً إلى جر الائتلاف مجبراً لحضور مؤتمر جنيف 2 في يناير/ كانون الثاني من عام 2014 والجلوس مع وفد النظام المجرم برعاية أممية.
ليس ضرب النعال وتبادل الصفعات الثقال وتبادل الشتائم وكثير من الاستهبال، العلامات الأبرز على تخلّف بعض المعنيين بالملف، فهناك "قلة الأدب" بالمعنى السياسي، وتجاوز المبادئ العريضة للتبادل السلمي للسلطة. كيف لا، وأحدُ أولئك المتورطين "بأمور كثيرة اذكرها لاحقاً"، يصرح في أوساط ضيقة بنيته ترشيح نفسه لمنصب ريادي في الائتلاف السوري المعارض بعد سنة نصف من إنشائه.
أنس العبدة، رئيس ما يسمى "حركة العدالة والبناء"، هو ذاته الرجل الذي دخل صفوف الائتلاف في التوسعة الأولى 31 مايو/ أيار 2013 ممثلاً عن المجلس الوطني السوري بـ "معية جورج صبرا، وجكر بجماعة كيلو، وتلطيف للإخوان"، تشير كثير من الدلائل إلى أنه ينوي ترشيح نفسه إلى أحد المنصبين الأكثر حساسية في الائتلاف (الرئيس، الأمين العام) في انتخابات الهيئة الرئاسية المزمع أن تعقدها الهيئة العامة في الرابع والخامس والسادس من شهر يوليو/ تموز العام الجاري، وهو ما يعني أن السيد "العبدة" صاحب المصائب السوداء ، "خرف" أو أصابه "الزهايمر المبكر" أو أنه "يمازح" المقربين منه.
لا يخفى على مطلع في شؤون المعارضة السورية، علاقات أنس العبدة مع المخابرات الأمريكية والمخابرات والبريطانية، وتورطه في قضايا معينة مع جماعة الإخوان المسلمين وجماعات أمريكية.
في عام 2006 تأسس "إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي في سوريا" ولعب أنس العبدة دوراً كبيراً فيه، وفي ذات الوقت كانت الخارجية الأمريكية، وفق وثائق سربها موقع "ويكيليكس"، قد دفعت مبلغ 6 مليون دولار كدعم للمعارضة السورية بهدف تشغيل قناتها الفضائية الخاصة (بردى) والتي يرأس مجلس إدارتها مالك العبدة، وهو الأخ الشقيق لأنس العبدة. المبلغ الضخم الذي دفعته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" اختفى لثلاث سنوات حتى تم الإعلان عن بث قناة "بردى" الفضائية في أبريل/ نيسان 2009 كمنبر رسمي لـ "إعلان دمشق"!.
"إعلان دمشق" لم يكن الذراع السياسية الحقيقة التي يرتكز عليها "أنس العبدة" في استجلاب الدعم المادي، بل كانت "حركة العدالة والبناء" التي يترأسها الرجل، هي الذراع السياسية الأكثر نجاعةً، وكذلك لعبت قناة بردى الفضائية التي يستحوذ عليها شقيقه "مالك العبدة" دور الذراع الإعلامية.
قارئ السطور السابقة قد يعتقد بأن الرجلين أبطال تحرير وطنيون، ولكن الحقيقة تشي بالكثير. فمالك العبدة عضو في مؤسسة الحوار الإنساني بجنيف، وهي المؤسسة التي تعنى بعقد مفاوضات سرية بين مؤيدين ومعارضين للنظام، وتشير تقارير إعلامية إلى أنه في الوقت الذي كان أنس العبدة إلى جانب بقية وفد المعارضة إلى جنيف 2 مجتمعين مع وفد النظام على طاولة مفاوضات برعاية الميسر الدولي "الأخضر الإبراهيمي" كان مالك العبدة وبعض رجال الأعمال من المؤيدين والمعارضين للأسد مجتمعين بالعاصمة السويسرية "برن" برعاية إحدى المنظمات الدولية التي ترعى مفاوضات غير رسمية في الدول التي تشهد نزاعات.
ادعى أنس في يناير/ كانون الثاني بأنه قد حصل على تفويض من كتائب حمص بالتفاوض مع النظام قبل مؤتمر جنيف 2، ليعلن ثوار حمص أن لا صحة لأي كلام من هذا القبيل. وتأتي الأيام التي تلت ذلك الحدث لينتقم "العبدة" من عاصمة الثورة من خلال ضلوعه في تأخير وصول الدعم إلى حمص المحاصرة مما ساهم في سقوطها بيد النظام وميليشياته.
تصف الولايات المتحدة حركة العدالة والبناء بـ "الليبراليين الإسلاميين المعتدلين"، وصف يقترب من الوصف الذي يطلق على جماعة الإخوان المسلمين. هذا يذكرني بمقابلة بسام يوسف (علوي) مع جريدة الشرق السعودية، عندما قال بأن أنس العبدة هو مرشح الإخوان لرئاسة الائتلاف. ولا يخفى على مطلع قوة العلاقة بين الإخوان وأنس العبدة، وخصوصاً علاقته بأحمد رمضان الملقب بثعلب المعارضة السورية، طبعاً هو مكّار ضد المعارضة وليس لصالحها، وطالما أشعل الفتن وأذكى الخلافات.
لا مشلكة في علاقة العبدة مع الإخوان، ولكن المشكلة تكمن في سعيه إلى جانب أحمد رمضان لتشكيل تكتل إسلامي عسكري جديد على المقاس الأمريكي لمحاربة الكتائب الإسلامية وبقية كتائب الثوار لتي لم تنصع للإملاءات الأمريكية . المشكلة تكمن في أن "العبدة" يشترط على أهل دمشق تقديم الولاء له لتسليم أموالهم المستحقة من الحكومة السورية المؤقتة، فقد خصصت الحكومة المؤقتة 200 ألف دولار لمحافظة دمشق، سلمت إلى يد أنس العبدة كي يتكفل بتوزيعها، إلا أنه لم يقدم أي بيانات حول عملية التوزيع، ويقال أنه وزع الأموال على مناطق في ريف دمشق، علماً أن الحكومة لم تخصص أي دعم لريف دمشق حتى اللحظة، فأين ذهبت الأموال؟!
ليس من المستبعد أن يُقِدمَ رجل كأنس العبدة، برعاية شركائه في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبمشاركة ودعم شقيقه مالك العبدة وصديقه أحمد رمضان، على ترشيح نفسه إلى أحد المناصب الريادية في الائتلاف، فمن رأى لهفته للذهاب إلى جنيف وتعزيز سجل علاقاته الشخصية مع الدبلوماسيين والسفراء لن يفاجأ بسماع نبأ ترشيحه، ولكن ما قد يفاجئ الجميع هو دعمه من قبل تحالف الجربا السعودي وهو على ما يقولون "مرشح الإخوان"!، إن صح عزمه الترشح.
"زمان الوصل": الجريدة لكل السوريين، وتترك الباب مفتوحاً للعبدة للرد على كل ماأوردته الكاتبة
مشاركة لــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية