قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنّه " لا توجد معارضة معتدلة داخل سوريا قادرة على هزيمة الرئيس بشار الأسد وأن مثل هذا التصور غير واقعي"، وأضاف أن "إسقاط المعارضة للأسد ضرب من الخيال".
وفي مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس الأميركية، قال أوباما إنّ ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) "استغل حدوث فراغ في السلطة في سوريا لجمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطته وقوته على الأرض".
وادعى السيد أوباما أن إدارته "استهلكت وقتاً كبيراً في العمل مع "المعارضة السورية المعتدلة"، ولكن وجود معارضة قادرة على الإطاحة بالأسد أمر غير واقعي ومجرد "فانتازيا"، على حد تعبيره.
لا أعتقد أن الشعب السوري تفاجأ بمثل هذه التصريحات، ونحن لم نر على أية حال أي مساعدات حقيقية قدمتها الولايات المتحدة للثوار السوريين، "المعتدلين منهم أو المتطرفين".وما سمعنا إلا عن مساعدات إنسانية شحيحة كنا نتندر عليها بتسميتها علب السردين.
لكننا سمعنا ورأينا أن الولايات المتحدة منعت وصول السلاح النوعي للثوار، بحجة خوفها "من وقوعه بالأيدي الخطأ". وقامت البحرية الأمريكية باعتراض سفينيتين اثنتين كانتا تحملان أسلحة للكتائب التي تقاتل بشار الأسد.
لقد سألنا الولايات المتحدة إذا كانت منطقة الحظر الجوي ستقع في الأيدي الخطأ، أو إذا كان السماح لتركيا بتفعيل المادتين الرابعة والخامسة من ميثاق حلف الناتو سيقع بالأيدي الخطأ أيضاً.
لقد رفضت أمريكا على الدوام إقامة منطقة حظر جوي فوق سورية لحماية منجزات الثوار المعتدلين، مع أنها هي من أنشأ تلك المنطقة فوق العراق بحجة قيام طيران صدام حسين بمهاجمة منطقة حلبجة، والأمثلة على هذه السياسة الازدواجية كثيرة ولا تكاد تنتهي.
يتحدث السيد أوباما اليوم عن قلقه من تنظيم الدولة الإسلامية وتناميه في سورية، ونحن بدورنا نسأله فأين كنتم إذاً عندما بدأ التنظيم بالتنامي، وكيف نامت مخابراتكم عن دخول أفراد التنظيم إلى سورية، ثم كيف تمّ حصولهم على الأسلحة التي يملكونها اليوم. وإذا كانت المخابرات الأمريكية تتجسس على معظم المكالمات الصوتية في العالم، ولا تستحي أن تفتش أحذية الناس وألبستهم الداخلية، فكيف لنا أن نفهم وصول أفراد التنظيم إلى سورية دون علم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
ذكرت في دراسة مطولة حول استراتيجيات واشنطن في الحفاظ على الأسد، أن البيت الأبيض والغرب عموماً خططوا من بداية الثورة لإطالة عمر النظام السوري، حيث تمّ السماح بتشكيل تنظيمات محددة، وتسهيل دخول أفرادها إلى سورية كي يتم التذرع لاحقاً بوجودها كمنظمات إرهابية تمنع الغرب من تقديم أسلحة للثوار، وهذا ما حدث بالفعل، إذا تم اعتبار تلك التنظيمات إرهابية بعد تشكيلها وتمكينها من السلاح. في الوقت الذي اقتصر فيه الغرب على اعتبار الجناح العسكري لحزب الله إرهابياً دون المساس بالجناح السياسي وحسن نصر الله اللذان يأمران الجناح العسكري بارتكاب جرائمه في سورية والعراق.
لا مفاجأة بتصريحات السيد أوباما، وإنما نشعر ببعض الشماتة بائتلاف المعارضة والمجلس الوطني من قبله فقد أرادا في مرحلة سابقة أن يفرضا حب الولايات المتحدة والغرب وما يسمى مجموعة أصدقاء سوريا علينا فرضاً. وقد وجهت لنا عشرات الانتقادات عندما كنت عضواً في المجلس الوطني السوري، بسبب "تطاولي" على السياسة الأمريكية في المنطقة، وكذلك سياسيات "أصدقاء سورية".
السيد لؤي صافي وبعض الأصدقاء في المعارضة انتقدوا بشدة ما جاء على لسان السيد أوباما، وذكّروا الرئيس الأمريكي بواجبه القانوني والأخلاقي تجاه الشعب السوري، وأعادوا ما قلناه لهم قبل ثلاث سنوات.
لكن هل من المعقول أن السادة في الائتلاف الوطني لم يكونوا يعلمون بمنع وصول السلاح للثوار؟ أم تراهم لم يسمعوا بالاعتراض الأمريكي على منطقة الحظر الجوي وكذلك الممرات الإنسانية؟ وإن كانوا لا يعلمون، أفلم يحضروا اجتماع السيد فورد بأعضاء المجلس الوطني في قطر حيث استخدم أشد الكلمات النابية في حق أعضاء المجلس الذين طالبوا بالأسلحة النوعية.
أ لم يلحظ أعضاء المعارضة السورية ما فعلته الولايات المتحدة عندما حركت أسطولها لقصف قوات الأسد ثم غيرت رأيها في سبيل الحصول على السلاح الكيماوي فحسب، وهل يذكرون تصريح أوباما نفسه عندما قال "لم أفكر على الإطلاق بضربة عسكرية للأسد لولا استخدامه الأسلحة الكيماوية".
بقي لدينا سؤال، لماذا ظهر الموقف الأمريكي الجديد بكل هذا الوضوح وبكل هذه الصلافة الآن وليس قبل أشهر على سبيل المثال؟ والجواب لأن الولايات المتحدة تحتاج الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى وذلك للمساهمة في القضاء على الثورة العراقية، فالأسد والمالكي وإيران هم حلفاء واشنطن الحقيقيين في محاولة إخماد هذه الثورة وإخماد الربيع العربي كله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية