لم تكن حالة الإفتاء على مر العصور خارجة عن كونها لعبة التفنن والأحاييل الشرعية في توظيف النص لصالح القائد الملهم أياً كان شكله، صاحب زاوية أو صاحب جيش وعسكر، ومايزال علم الإفتاء قراءة مصلحية تأتي بما يريده الوسيط التجاري بين العبد وربه، علماً أن لا كهنوت في الإسلام، ولا رجالات دين على شاكلة الأديان الأخرى التي ترى في ذلك ضرورة حتمية.
ولأن النص واسع رحب وفضفاض، فقد كان المفتي يأخذ ما يناسب حادثة يريد تأكيدها، رغم وجود نص آخر ينفي فهمه أو محاولة تعميم فهمه ...فتورط الإفتاء بمواقف غريبة مريبة لا يمكن تفسيرها إلا وفق مدرسة الشهوانية الذكورية أوالشهوانية الدونية للحاكم أو لصاحب الطريقة، من أهم تجلياتها وأهدافها (التمكين) بشقيه الفردي والجمعي..
ومن طرائف الإفتاء، أن الأزهر الشريف استخدم آية قرآنية شهيرة لتذكية حرب أنور السادات على إسرائيل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) لكن عندما وقّع معاهدة كامب ديفد، قرر الأزهرمراجعة شعاره هذا ..واستبدله بآية قرآنية أخرى (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ).
من هذا المثال بالذات يمكن فهم آلية الإفتاء وعلاقته السياسية بالحاكم، بيد أن الإفتاء لم يقف عند حدود العلاقة مع السياسيين، إذ سبق ذلك خلاف فقهي كبير بين المذاهب الإسلامية وربابنتها حول تفسير الآية الشهيرة (نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم ).
فقد فسر أبو حنيفة مفردة (أنى) بأنها زمانية المقصد، ولهذا قرر أن الزوجة مباحة في أي زمن يريده الزوج أو الزوجان.
أما الإمام مالك فقد خالفه مخالفة صريحة حين اعتبر (أنى ) مكانية المقصد، فأباح إتيان النساء من الخلف
ويورد كتاب القاضي التيفاشي (نزهة الألباب فيما لايوجد في كتاب ) قصائد شعرية في غاية الطرافة تشكر فيها الإمام مالك على صنيعه العظيم في تفسيره الخاص والاستثنائي
فقد قال شاعر يدعى همام في الصفحة 231 من الكتاب المذكور :
وأنشد مكرم بن أبي الحسن الإنصاري :
أوردت ما جاء كأمثلة توضح ضمن زاوية قصيرة وليس بحثاً طويلاً، أن الإفتاء عامة لعبة إيهام الآخر بفهم الحقيقة المطمورة في النص ...إلا أن للمفتي في سوريا دوراً آخر.
فأجهزة المخابرات لم تترك أحداً من شرها، أو بالأحرى اهتمت برجال الدين أيما اهتمام ...فقد كانت توزع عليهم خطبة يوم الجمعة لأنها القادرة على هداية الناس إلى الصراط المستقيم.
ولأن عملها سري للغاية ...فلابد من أدوات ناطقة تقول ما تريد، والمفتي أحد أركانها بالطبع
بمساعدة شيوخ يشبهونه من حيث تخليص المخابرات من إحراج الظهور خوفاً عليها وعلى أعمالها الجسيمة من الانكشاف.
وللحقيقة أن المفتي قد بالغ كثيراً حين انصاع بشكل لا يصدق لأوامر هذه الأجهزة، فتخلص هذا المكان من جلال نقدره حتى لو لم نتفق معه ..وظهوره بهذه الحلة في الأسابيع القليلة الماضية ..فتح لنا الباب للتقول عليه، إذ ما معنى أن يستقبل وفود المهنئين بفوز الأسد بالانتخابات!.
وهل تعزيز الوحدة الوطنية لاتكتمل أركانه إلا باستقبال مطرب أياً كان حجمه (كجورج وسوف) وإظهار الزيارة عبر عدد من الصور التذكارية وقد جانبتهم الفاكهة مما لذ وطاب، وللحقيقة كان ينقص الجلسة كأسا عرق وفروج بروستد، للتدليل على علمانية الدولة وفضائها الرحب.
ولم تقتصر المشكلة على ذلك، بل ظهر السيد المفتي مصافحاً لعدد من الصبايا الجميلات، وتقول ملامحه إنه كان مسخسخاً، فقد فتح فمه ورخا أي شيء تريدون.
لا ضير ... فمن حق أي واحد فينا أن يسخسخ، بفعل الزعرنة الذكورية التي منت الطبيعة علينا بها ..ففعل السخسخة لا ضرر فيه ولا ضرار، شريطة احترام من تسخسخ أمام جمالها أو مفاتنها.
إذ قالت المصادر العلمية الكبرى : إن أول من سخسخ في التاريخ هو أبونا آدم عندما أعطى أمنا حواء تفاحتها، ودعته حينها إلى مخدعها الذي يقع وراء شجرة التوت بالقرب من الحورية الثالثة على اليسار.
فرحت حقاً أن مفتينا سخسخ أخيراً، أو على الأقل قرر أن يرينا سخسخته علناً كي نشاطره المشهد وهو يصافح حماة الوطن من الفتيات الجميلات .
وما زاد فرحتي أن جورج وسوف خلال لقائه بفضيلة المفتي (على ذمة الرواة) ، كبسه سيجارة حشيش كي يسخسخ للآخر، فدعا له بالشفاء العاجل وطول البقاء.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية