أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حبة مسك

كانت أيام زمان في قريتنا، وهي ككل القرى، تسعيرة للفلاح الذي يملك زوجاً من البقر للفلاحة، وتسعيرة أخرى لزوج الحمير، وتسعيرة ثالثة للزوج الهجين المكون من بقرة وحمار؛ لأن الفلاحة كانت بواسطة المحراث الروماني الذي يربط على دابتين أو دابة.

كانت أفضل الأسعار تُعطى للفلاح الذي يملك زوجا من البقر المدرب، لأن البقر يسير بخط مستقيم ويفهم أوامر الفلاح، يأتي بعده في ترتيب الأسعار الفلاح الذي يقتني زوجا من الحمير، وأدنى الأسعار كانت يدفعها الناس للفلاح الذي يستخدم زوجا من الهجين المكون من البقر والحمير.

في أحد الايام، اتفق عمنا "أبو إلياس" مع الفلاح "أبو طنسي" على قلب (حراثة) قطعة الأرض القريبة من بيادر الضيعة، فطلب "أبو طنسي" أجرة ذلك (مسحة درة صفرة)، يعني تنكة من عشرين ليتراً، وردَّ "أبو إلياس" : "مسحة درة و"حبة مسك" يا أبو طنسي.

انتهى "أبو طنسي" من حراثة قطعة الأرض بعد ظهر اليوم التالي؛ لأنه يملك زوجا من البقر الممتاز المخصص للفلاحة، وجاء إلى ساحة الكنيسة، التي كانت بمثابة مقهى الختايرية، حيث وجد "أبو إلياس"، وطالبه بأجرته، ولما كان بيت "أبو الياس" ملاصقاً للكنيسة فقد صاح بأعلى صوته على "أم إلياس" لتعطي الفلاح أجرته، وتم الأمر، ولكن "أبو طنسي" عاد ليطالب "أبو إلياس" "بحبة المسك" التي وعده بها. ضحك "أبو إلياس" وبقية شلة العجايز، وظنوا أنّ "أبو طنسي" يمزح؛ لأن مصطلح "حبة المسك" معروف على أنّه نوع من قفلة الكلام أو الموافقة على الطلب، ولكن "أبو طنسي" أصر على تنفيذ الاتفاق كما ورد حرفيا، قائلا: "إن الشرط شرط وآخرتو رضا".

استهتر "أبو إلياس" بكلام الرجل وإلحاح "أبو طنسي" وانفعالاته، ثم ترك شلة الختايرية وذهب إلى بيته ليرتاح.

في الصباح، وجد أهل القرية أرض "أبو إلياس" مليئة بأحجار ضخمة. ما ألغى الفائدة من حراثتها، فاجتمع عقلاء القرية وزعماء العائلات فيها، بناء على طلب "أبو الياس"، وتناقشوا في أفضل السبل لإقناع "أبو طنسي" بتحديد السعر الذي يريده لـ"حبة المسك" التي اندلقت من فم "أبو إلياس" وسقطت بين الأقدام، مقابل رفع الحجارة من الأرض!.

من وقتها دخلت "حبة المسك" في تسعيرة الفلاحة، وكانت أحيانا سببا في نشوب صراع دموي بين عائلات القرية!

من كتاب "زمان الوصل"
(193)    هل أعجبتك المقالة (249)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي