يبدو أن الصراع في الائتلاف هو مرض عضال لا فكاك منه. فرغم الكوارث التي تتكوم يوماً بعد يوم مازال الصراع داخل الائتلاف هو سيد الموقف وذهبت كل الأحاديث عن التوافق أدراج الرياح. لقد عادت قضية الصراع الأولى لتكون صراعاً على الرئاسة، وتتراجع كافة القضايا الأخرى بكل أهميتها الى الدور الثاني مع قناعة واسعة بأن رئاسة الائتلاف لن تحقق فرقاً يذكر ما لم تكن ضمن برنامج إصلاح شامل للائتلاف ولبقية ما يسمى "مؤسسات الثورة".
كتلتان، الأولى الكتلة الديمقراطية وحلفاؤها برئاسة الجربا هذه المرة، وقد انتخبت مرشحها موفق نيربية، والكتلة الثانية كتلة ما يسمى بالهيئة الاستشارية، وتضم مجموعة الصباغ السابقة الى جانب لؤي المقداد وفاروق طيفور وأحمد رمضان وبرهان غليون وميشيل كيلو وآخرين والثقل فيها لمجموعة الصباغ. وتتوجه هذ المجموعة لترشيح رياض حجاب. وكل من الكتلتين تراهن على الفوز في انتخابات الرئاسة مما يعكس شبه توازنٍ يجعل نتائج الانتخابات القادمة غير واضحة، والتي ستشمل الرئيس ونواب الرئيس والهيئة السياسية.
كما سيتوقف مصير الحكومة المؤقتة على نتائج الانتخابات ففي حال فوز مجموعة الجربا فإن رئاسة الحكومة قد تكون عرضة للتغيير. والعكس بالعكس. بينما سيكون مصير هيئة الأركان التبديل في حال فازت كتلة الهيئة الاستشارية والعكس بالعكس.
المهم في كل هذا أنه بغض النظر عن نتائج الانتخابات والفائز والخاسر فيها فإن هذا لن يغير في واقع الائتلاف شيئاً وهو يتعرض لنقد شديد بسبب اداؤه وبسبب ضعف تمثيلة وبسبب غياب رؤيته.
ورغم حديث كلا الكتلتين عن إصلاح الائتلاف فإن أي منهما لم يعلن عن برنامج للإصلاح ليتم التقييم على أساسه، ولا يعرف الشارع السوري الفروقات بين توجهات هذه الكتلة من تلك، وما هي نقاط الخلاف وهل هي حول سياسات وقضايا وطنية، أم هي مجرد خلافات لها طابع شخصي. وبالتالي مازال كسب الولاءات يقوم على نفس الأسس السابقة. والاصطفافات تكاد تكون كالسابق مع بعض الانزياحات بين الفريقين.
الوقت ضيق لفعل أي شيء، فالانتخابات ستكون في 4-6 تموز القادم أي بعد أقل من عشرة أيام. ولكن فإن أي تقييم بشعور وطني سيوصلنا الى استنتاج مفاده ضرورة تأجيل هذه الانتخابات لشهرين قادمين، وأن يتم خلالها تشكيل فريق عمل من مجموعة تتسم بالموضوعية والاستقلال سواء من بين أعضاء الائتلاف أو ممن خارجه، وأن تقوم بوضع برنامج للإصلاح الجذري للائتلاف وتنفيذه خلال الشهرين القادمين ليتحول الى ائتلافٍ يمثل فعلاً قوى الثورة السورية.
نعتقد أن اعمدة إصلاح الائتلاف هي ثلاثة:
أولاً: محددات سياسية:
أن توضع وثيقة تكون بمثابة دستور للائتلاف تتضمن محددات لتوجهاته السياسية تكون ملزمة لأية قياده تتولاه، وأن تلزم قيادة الائتلاف بالعمل على استعادة القرار الوطني للثورة السورية بعد أن أصبح القرار مرهوناً بإرادات خارجية الى حد بعيد. وأن يكون مؤسسة حقيقية للعمل الوطني توجهه مصالح سوريا وشعبها أولاً وقبل أية اعتبارات أخرى وأن يسوده الشفافية والمساءلة والجماعية والتشاور وأن تحدد سمات سوريا الحرة التعددية الديمقراطية التي يريدها الشعب السوري لتكون سوريا وطناً لجميع مكونات الشعب السوري دون اقصاء وانتقام. وان يتوجه نحو الداخل السوري ليكون هو الرهان والتصدي لمشكلاته بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والثوري. وأن ينفتح على الجميع ليغدو ائتلافاً واسعاً يمثل حقيقة قوى الثورة وأهدافها ويرتقي لمستوى متطلباتها، خاصة وهي تواجه تعقيدات قل نظيرها مما يجعل العبء مضاعفاً، وأن يكتسب قبولاً وتأييداً شعبياً سورياً واسعاً من قوى الثورة الشعبية والسياسية والعسكرية. يجب أن يكون الائتلاف برلمان فعلي لجميع السوريين وأن يشعر السوريون أن هذا الائتلاف يمثلهم فعلا. و أن يلتزم بتجميع شتات الجيش الحر لتتشكل في جيش حر وطني واحد له هيكلية محددة ويقوده هيئة اركان من ضباط عاملين مختصين. كل هذا كي يصبح ائتلافاً يقنع جميع أشقاء الشعب السوري وأصدقاؤه أنه جدير بقيادة الثورة السورية وأن المعارضة السورية قادرة على قيادة سورية بعد سقوط الأسد.
والأهم على قيادة الائتلاف أن تعمل ليكون الائتلاف الجهة الوحيدة للتواصل مع سوريا والداخل السوري، ورفض أي تدخل عربي أو إقليمي أو دولي في شؤون الثورة السورية دون موافقته أو التنسيق معه لأن التدخل المباشر كان أهم سبب في التشتت والشرذمة والانحراف وتكبد خسائر هائلة إضافية في البشر والحجر.
بكلمة يحتاج الائتلاف الى دستور محدد معلن ملزم يتم ترويجه على نحو واسع ويلتزم به الجميع.
ثانياً: اعادة هيكلة مؤسسة الائتلاف:
يحتاج الائتلاف الى اعادة هيكلة مؤسسية كاملة وليس ترقيعا كما يجري التداول الآن، وهذا يتطلب وضع نظام داخلي جديد ليتحول الى مؤسسة منظمة تعمل بكفاءة عالية وتدار بروح ونظم مؤسسية ترسم المهام والحدود وتنمي العمل الجماعي التشاوري التوافقي الكفء بعيداً عن المطابخ السرية. ويجب استبدال نظام الرئاسة (رئيس وعدة نواب) وتشيكل قيادة لها طابع جماعي اكثر تتكون من مكتب تنفيذي من 16 عضو إضافة لرئيس ينتخبون مباشرة من الهيئة العامة لسنة واحدة قابلة للتجديد، وتشكيل مكاتب مركزية لا يزيد عدد اعضاء كل منها عن تسعة أعضاء ويرأس كل منها عضو من المكتب التنفيذي ( مكتب سياسي، مكتب علاقات خارجية، مكتب اعلام، مكتب اغاثة، مكتب عسكري، مكتب علاقات عامة، مكتب المخيمات، مكتب إداري، مكتب مالي، مكتب شؤون الاغاثة ..الخ ) وأن تحدد مهامها بالتفصيل ويضم كل مكتب نحو تسعة أشخاص من بين أعضاء الائتلاف ومن خارجه (بحسب الخبرات) ويرأس كل مكتب أحد اعضاء المكتب التنفيذي، ويضع كل مكتب خطة عمل ويقدم تقريراً اسبوعياً عن نشاط كل مكتب وعن نشاط المكتب التنفيذي .وأن يقيم الجميع في نفس المدينة اقامة دائمة ويداومون يومياً في مكتب الائتلاف ويكونوا مستنفرين في كافة الأوقات. وأن تجتمع المكاتب اسبوعياً وكلما دعت الحاجة وتتخذ قراراتها بالأغلبية البسيطة. وأن يودع ما يصل إلى الائتلاف من أموال في حساب مصرفي، يخضع دخول المال إليه وخروجه منه لقواعد محاسبة قانونية تمنع استعماله كأداة سياسية، أو لغايات شخصية وفئوية ويدار وفق أسس الإدارة المالية الرشيدة، وأن تجتمع الهيئة العامة كل ثلاثة أشهر وتكون قراراتها ملزمة، على أن يقدم لها تقارير عن نشاط المكتب التنفيذي ونشاط مكاتبه المتخصصة اضافة لتحليل للموقف السياسي والعسكري للأزمة والوضع الداخلي والدولي المحيط بالأزمة السورية ووضع النظام وسياساته وأوضاع المعارضة.. الخ اضافة لتقرير عن نشاط المكتب التنفيذي والمكاتب المختصة. وأن يكون الانجاز هو مقياس الجدارة.
ثالثاً: توسيع قاعدة تمثيل الائتلاف:
يشكل ضيق التمثيل واحدة من أهم عيوب الائتلاف ونقاط ضعفه تضعه في حرج وتضعف الثقة بقدرته على تنفيذ ما يلتزم به أمام السوريين أولاً وأمام اصدقاء الشعب السوري ثانياً. فغالبية أعضاء الائتلاف الآن لا يمثلون سوى أنفسهم ولم يكن لهم دور يذكر في الثورة وجاء جزء كبير منهم ليكون صوتاً انتخابياً يسهل تحشيده لصالح. وبالتالي لا بد من إعادة تشكيل كامل الهيئة العامة للائتلاف بحيث تتوسع قاعدته لتضم ممثلين حقيقيين لمجموعات سياسية والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني التي تشكلت ومجموعات الجيش الحر إضافة لعدد من الشخصيات السورية التي لها دور وتاريخ سياسي أو ثقافي أو مكانة اجتماعية. وان تملك الجهات الممثلة فيه حق تسمية مندوبيها و حق تبديلهم كلما ارادت ولا يحق للهيئة العامة التصويت على قبولهم.
برنامج تنفيذ الاصلاح:
نعتقد أن خطوات إجراء هذا الاصلاح الجذري الضروري تتطلب:
أ. أن تؤجل الانتخابات فلا تجرى في اجتماع الهيئة العامة القادم بين 4 – 6 تموز،
ب. أن تشكل الهيئة العامة التي ستنعقد في 4-6 تموز "مجموعة حكماء أو مجموعة عمل من نحو 15 شخصية" تكلفها بوضع خطة مفصلة لاصلاح الائتلاف. ويتوخى ان يكون المجموعة من مستقلين ويتسمون بالموضوعية.
ت. تقوم "مجموعة الحكماء" بجرد للتنظيمات السياسية ومجموعات الجيش الحر والمجالس المحلية والشخصيات وتتواصل معها وتدعوها للمشاركة في الائتلاف وتتوافق على تشكيل محدد للائتلاف الجديد وفق اسس تتوافق عليها بقوام لا يزيد عن 100 شخص. وان تحدد الجهات الممثلة سابقاً او لاحقاً في الائتلاف ممثليها بحسب التوافق الذي يتم.
ث. تكلف لجنة الحكماء مجموعة من ثلاثة أشخاص لصياغة نظام أساسي جديد وفق الأسس الجديدة.
ج. تشكيل مجموعة عمل من ثلاثة أشخاص لوضع وثيقة برنامجية سياسية للائتلاف لتقدم للهيئة العامة الجديدة.
ح. الترويج لبرنامج الاصلاح المعتمد بين اعضاء الائتلاف وبين السوريين والمجموعات المعارضة السياسية والمسلحة.
خ. تعقد الهيئة العامة وفق قوامها الجديد المشكل من قبل لجنة الحكماء (مطلع ايلول القادم) وتقر النظام الأساسي الجديد وتقر الوثيقة السياسية (دستور الائتلاف) وتجري انتخابات قيادة جديدة على أساسه.
سيقول قائل: هذا كلام مثالي يجرد الأشخاص من نزعاتهم ولن يطبق في أرض الواقع، ولكننا سنرد: نعم مثالي ولكنه يبين الفرق بين التخبط والفوضى السائدة وبين والعمل المنظم المنتج. وما لم يلتزم أعضاء الائتلاف بمثل هذا السلوك المثالين الذي لا يجرد الأشخاص من نزعاتهم ولكنه يمنعها من ان تكون طاغية، وما لم نتخلص من طغيان النزعات والنزاعات الشخصية أمام هول ما يحدث فإن أي من اعضاء الائتلاف لا يستحق شرف عضوية مؤسسة يفترض أنها تمثل الشعب السوري ويفترض بأعضائه أن يذهبوا الى بيوتهم. ليبحث السوريون عن بديل آخر.
*عضو اتحاد الديمقراطيين السوريين
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية