أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما وراء فشل السياسة الخارجية للمعارضة السورية .. د. وسام الدين العكلة

تعتبر عملية تقويم الأداء في أي مؤسسة سياسية أو إدارية أو حتى عسكرية من العمليات اللصيقة بها والتي تنعكس آثارها بالنهاية على عمل هذه المؤسسة، وغالباً ما تترك آثارها البارزة على أداء العاملين فيها من جهة، وعلى الجمهور المتابع أو المعني بعمل هذه المؤسسة من جهة ثانية، وإذا ما أردنا زيادة مستويات الأداء في مؤسساتنا المختلفة فلا بد أن يتم ذلك بواسطة عمليات مستمرة من التقويم والمتابعة وذلك من خلال قياس مستوى الأداء الفعلي كما هو في الواقع ومقارنته بمستوى الأداء المطلوب الوصول إليه. 

وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على أداء مؤسسات المعارضة السورية وعلى رأسها الائتلاف الوطني نجد أن أداء هذه المؤسسات منخفض جداً ولم يصل بعد إلى الحد الأدنى من المستوى المطلوب على كافة الأصعدة، ولم تستطع أن تؤدي المهام المنوطة بها وتحتاج إلى جهود وعمليات تطوير كبيرة حتى تتمكن من القيام بذلك.
إنَّ الحديث عن أسباب فشل المعارضة في أداء المهام الملقاة عليها والتي أسست أصلاً للقيام بها سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإغاثي أو العسكري يطول ويحتاج إلى مجلدات كثيرة بسبب تعدد هذه الأسباب وتعقيدها وتضارب المصالح الدولية والإقليمية، والحزبية والفئوية داخل المعارضة ذاتها، ولكن في هذا الصدد سنحاول أن نلقي الضوء على بعض الأسباب التي قادت إلى فشل المعارضة وعلى وجه الخصوص الائتلاف على الصعيد السياسي والدبلوماسي الدولي الذي يعاني من نتائجه كافة أبناء الشعب السوري.
إنَّ الائتلاف الوطني لم يرقى بعد إلى كونه مؤسسة سياسية تمثل شريحة واسعة من الشعب السوري وإنما لا يزال عبارة عن مجموعة من الأشخاص يعملون في شركة خاصة ( دكانة) يعمل كل واحد منهم بحسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية أو مصالح حزبه على أبعد تقدير بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا أو مصلحة الشعب أو الثورة السورية. لذا نجد أنَّ الانخفاض في مستوى الأداء السياسي للائتلاف نابع بالأصل من انخفاض المستوى السياسي لأعضائه لأنَّ جل هؤلاء لم يسبق لهم العمل في مواقع سياسية أو دبلوماسية أو مواقع لها صلة بكيفية اتخاذ القرار السياسي، إضافة إلى إبعاد من يملكون هذه الخبرات خوفاً على مناصبهم. ناهيك عن عدم اتباع الائتلاف برامج وسياسات واضحة لتحقيق أجندته السياسية، بل على العكس من ذلك حرص بعض أصحاب القرار فيه على اتباع سياسة التهميش للكفاءات العلمية واستبعاد أصحاب الخبرة السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى حالة التنافس والتزاحم السلبي بين هيئاته ومكوناته، والفشل الواضح في إدارة أغلب الملفات الهامة، إلى جانب ما نسمعه من هنا وهناك حول عمليات الفساد الإداري والمالي المستشري في أوساط الائتلاف ومؤسساته. فضلاً عن عدم تمكن الائتلاف حتى الآن رغم مرور أكثر من عام ونصف على إنشائه من تحقيق تواجد ملحوظ في الأراضي المحررة أو كسب ثقة أبناء هذه المناطق أو الجهات الفاعلة فيها، هذا على المستوى الداخلي. أما على المستوى الدولي فقد أثبت الائتلاف فشله في كافة المحافل الدولية والإقليمية وحتى العربية، ولم يستطع تسويق نفسه كممثل لشعب يقتل العشرات منه يومياً بالصواريخ والبراميل المتفجرة، كما لم يستطع أن يسوق لقضيته بالشكل الصحيح في أورقة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية, أو لدى وزارات خارجية الدول المعنية بالملف السوري، والنتيجة التي وصلنا إليها بسبب هذا الفشل هي ملايين المشردين والمهجرين بدون أي أفق بالحل في القريب العاجل واستمرار تفاقم المعاناة بشكل يومي على كافة الأصعدة . 
وإذا ما تتبعنا الملف السوري على قائمة اهتمام الدول المعنية بالأزمة السورية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نجد أنَّه لا يزال يقبع في أروقة أجهزة المخابرات في هذه الدول ولم تتصدى له وزارات الخارجية في الدول المذكورة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ جميع الأصوات التي تنادي هنا وهناك بالحل السياسي للأزمة السورية لا تعدو أن تكون مجرد نداءات لذر الرماد في العيون بهدف التسويف وإطالة أمد الأزمة لرغبة هذه الأجهزة بتحقيق أهدافها المبيتة على الساحة السورية وخير دليل على ذلك مؤتمري جنيف واحد وأثنين وما تبعهما من فشل ملحوظ. لذلك بات من الضروري البحث عن أسباب هذا الانخفاض الكبير لمستوى عمل المعارضة السورية وتقييم أدائها بشكل موضوعي لمواجهة تدهور صورتها وضعف أداؤها. 
من الناحية القانونية والسياسية ونتيجة لعدم وجود جهة عليا تستطيع أن تمارس رقابة حقيقية على عمل مؤسسات المعارضة أو دستور " مؤقت " ينظم ذلك ، فإنَّه من الأجدر بالائتلاف الوطني باعتباره المؤسسة الرئيسة المعنية بتمثيل الشعب السوري باعتراف أغلب دول العالم أن يتولى قيادة تيار اصلاحي داخل مؤسسات المعارضة بالتعاون مع القوى الفاعلة على الأرض لإنقاذ ما تبقى من مصداقيتها إن بقي شيء من هذه المصداقية لدى الشارع السوري أو حتى لدى الدول المعنية بالملف السوري بحيث يبدأ أولاً بإصلاح نفسه ثم ينتقل إلى إصلاح المؤسسات الأخرى التابعة له بشكل أو بآخر وعلى رأس هذه المؤسسات الحكومة السورية المؤقتة، و" وحدة تنسيق الدعم " التي لا يزال يحيط بعملها منذ إنشائها الكثير من الغموض وغيرها من المؤسسات.
ورغم إدراكنا لصعوبة تحقيق هذه الخطوة بناءً على القاعدة القانونية " فاقد الشيء لا يعطيه " إلا أن ذلك لا يمنع من المحاولة خاصةً وأن المعارضة تمر بمرحلة حرجة جداً تنبع من حساسية الوضع الإقليمي الذي تمر به منطقتنا خاصةً في سورية والتطورات الأخيرة في العراق التي ستنعكس بشكل أو بآخر على تطورات المشهد السياسي السوري. وبرأينا يمكن أن يتم ذلك من خلال مجموعة من الخطوات منها : 
- بدأ مرحلة التقييم الموضوعي لكافة أعضاء الائتلاف والعاملين فيه وضم عناصر جديدة على قاعدة جذب الكفاءات واستبعاد كافة الأشخاص الذين دخلوا إليه عن طريق المحاصصة الحزبية والفئوية والعشائرية والمحسوبيات التي باتت السمة الواضحة للعمل في الائتلاف وكافة مؤسسات المعارضة بما فيها الحكومة المؤقتة وانتشرت في أوصالها كالنار في الهشيم.
- اتخاذ قرارات حاسمة بشأن بعض الأعضاء الذين لا يلتزمون بأحكام النظام الأساسي للائتلاف والذين لم تعد تنطبق عليهم شروط العضوية خاصة الشرط المتعلق بحصول العضو على القبول العام من الشعب السوري، أو قام بأعمال تتعارض مع الأهداف الأساسية للائتلاف والثورة السورية، أو بسبب غيابه المتكرر عن اجتماعات الائتلاف وعدم تقيده بالنظام الأساسي.
- تعديل النظام الأساسي للائتلاف لتفعيل دور الهيئة العامة بحيث لا تبقى سلطة اتخاذ القرار محصورة بموقعين محددين( الرئاسة والأمانة العامة) أو بيد شخصين قد لا يمتلكان القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ( الرئيس ، الأمين العام).
- الدبلوماسية سلاح، وهذا السلاح قد يكون، في بعض الظروف والمعارك، أمضى من القوة العسكرية، فهناك شعوب حققت، بواسطة الدبلوماسية الواعية المتحركة انتصارات باهرة ضد أعدائها، لذلك يتوجب معالجة مواطن الخلل في العمل الدبلوماسي الخارجي للائتلاف من خلال التركيز على أداء عمل ممثلي الائتلاف في الخارج ومراقبة تصرفاتهم وأن يتم اختيار هؤلاء على أساس الخبرة والمهارة الدبلوماسية والابتعاد في تسمية هؤلاء عن الأسلوب العشائري العشوائي الذي يقوم على مدى الصداقة أو القرابة أو الانتماء للحزب أو الكتلة الفلانية، وعدم تحويل السلك الدبلوماسي إلى وسيلة لمكافأة المقرّبين والمتزلّفين، أو لإرضاء أصحاب النزوات من الانتهازيين .
- لا يزال أداء الهيئة السياسية للائتلاف على المستوى الدولي والدبلوماسي ضعيف جداً، لذلك فإن ما يقال في مؤهلات ممثلي الائتلاف في الخارج يمكن أن يقال في مؤهلات الأعضاء والعاملين في الهيئة السياسية الذين يتولون وضع السياسة الخارجية للائتلاف وإعداد الملفات الهامة التي تعرض على مسؤولي الدول التي لها علاقة مباشرة بالملف السوري، لأنه لا يمكننا أن نتصور ممثلين ناجحين في الخارج في ظل هيئة سياسية عاجزة عن تقييم أدائهم.
- ضرورة أن تكون هناك مراجعة للأخطاء ومحاسبة على القرارات الخاطئة ووضع حد للتسيب والتصريحات المتناقضة وغير المسؤولة وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي . 
- يجب أن تكون اجتماعات جميع الهيئات واللجان التابعة للائتلاف دورية وثابتة، وتتسم جداول أعمالها بالشفافية وأن تكون معروفة مسبقاً لجميع الأعضاء واطلاع الرأي العام على نتائجها.
- أن يكون هناك مؤتمر صحفي أسبوعي للناطق الرسمي للائتلاف يوجز فيه أهم وأبرز التطورات والقرارات التي اتخذها الائتلاف وخطته للأسبوع الذي يليه. وتعيين ناطق رسمي للحكومة المؤقتة بحيث ينظم أسبوعياً مؤتمراً صحفياً عن انجازات الحكومة ومشاريعها وأهم القرارات المتخذة والصعوبات التي تواجهها ووضع المواطن والجمهور في صورة هذه التطورات.

د. وسام الدين العكلة
(141)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي