أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فرقة المسرح العمالي بحمص تجدد شبابها وتقدم عرضاً ممتعاً بذكرى تأسيسها


قدمت فرقة اشبيلية مسرحية «الشوكة» تأليف فرانسواز ساغان، إخراج جماعي، تمثيل: روزا الخضر، فهد رحمون، بشار الجمعة. والمسرحية تحدثت عن ممثلة مسرحية تقيم في فندق متواضع تقول إنها مشهورة وتطلب من خادم غرف الفندق أن لا يشيع خبر إقامتها في الفندق حتى لا تتعطّل عن عملها وهو إتقان شخصية نسائية فقيرة، إلاّ أن المسرحية تخبرنا فيما بعد من خلال ظهور شخصية « إيفان» وهو زميل لها كانت تربطها به علاقة عشق، بأنها ليست أكثر من ممثلة تتوهم الشهرة، كما تخبرنا هذه الشخصية بأن سبب إقامة الممثلة في فندق متواضع هو عدم امتلاكها المال لأنها لا تعمل بسبب مرضها الذي أصيبت به جراء حادث سيارة تسبب به هو عندما كان مخموراً. وعدم التوافق بين شخصية الممثلة والممثل تكشف لنا عن إنسانية هذه الممثلة وكيف ترى من هو الجمهور الحقيقي للمسرح، وهي تكره العمل بغير المسرح لا تحب السينما أو التلفزيون، فهي ترى الجمهور في خادم الغرف الذي يبوح لها بأنه كان يحلم بدخول المسرح وإنه يحب هذا الفن، وفي ضوء تلك العلاقة الإنسانية تطلب الممثلة من زميلها أن يحضر الثياب الخاصة لشخصيته في مسرحية يتدربان عليها لإجراء بروفة أمام خادم الغرف، وأثناء البروفة تتجسد بعض المفارقات ما أضفى على بعض لحظات العرض جواً لطيفاً، وتكشف هذه البروفات اهتمام الخادم بالمسرح وتقديره للممثلة، في حين يضجر زميلها ويعتبر ذلك مسخرة وينسحب، ثم يخبر الخادم بأنه ضاق ذرعاً من تصرفات الممثلة ويدفع له مصاريف إقامتها وينصرف بلا عودة لأنه سيقيم علاقة مع فتاة أخرى أصغر منها. وحتى لا ينكسر خاطر الممثلة يلعب الخادم دور الممثل في بروفة ويزرع في الممثلة نفسهاالأمل بأنها ستعيش رغم مرضها. هذه النزعة الإنسانية التي تؤطر أجواء المسرحية والتي جاءت مفعمة بالدفء جسد الممثلون أدوارهم بتفاوت في الأداء كانت روزا الخضر أكثرهم امتلاكاً للشخصية التي جسدتها، في حين كان الممثل فهد رحمون يحتاج أن يشتغل على داخله أكثر لنقتنع منه بالشخصية التي أحسسنا بأنها تلقي الحوار وكأنها في بروفة طاولة، وفي إطار شخصية الخادم كان بشار الجمعة في الدرجة الثانية من الإقناع بما يجسده. لكن العرض بمجمله كان يحتاج إلى نضج أكثر، حتى تصل لنا حرارة ما أراد قوله.



الحياة حلماً وواقعاً ‏

جسّد عرض «آخر ليلة .. أول يوم» فادي حناوى ومرام اسرائيل، تأليف جوان جان اقتباس من مسرحية«تخريف ثنائي» ليوجين يونيسكو، إخراج بسام نمرود. مثلما تبدأ المسرحية على صوت قذائف تنتهي على صوتها ويتخلل العرض الصوت ذاته فيما زوج وزوجته ينتظران أصدقاء لهما ليحتفلا معهم بعيد زواجهما الرابع، وبعد قلق الانتظار وعدم حضور أحد تبدأ المشاحنات بين الزوجين، تبدؤها الزوجة مستنكرة الحياة التي وعدت بها، إذ كانت تأمل بحياة رومانسية، وكان لها محاولاتها في الكتابة التلفزيونية لكن الزوج لم يقف إلى جانبها لأنه متمسك بعقلية ذكورية وهي لا يمكن أن ترضخ وتكون عبدة له، صوت الرصاص والقذائف يدخل الخوف إلى قلبيهما فتحاول الزوجة كسر ذلك بأغنية لفيروز «عودك رنان» وتبدأ الرقص وحدها، الزوج ينزعج من الصوت العالي فيصرخ بها بأن تخفض الصوت، لكنها ترفع حدة الصوت، فيصرخ الزوج ويطفىء آلة التسجيل. يتشاحنان وتبكي على صدره تحاول إرضاءه وتعرض عليه إعادة ترتيب حياتهما، وتمضي المسرحية على هذا النحو وإذ بنا نكتشف أنها تغار عليه من مريضة لديه بما انه طبيب، فيقسم لها بأن عمر المريضة أكثر من خمسين سنة وفي لحظة اشتداد المعارك في الخارج ونتيجة الخوف يختبئان تحت الطاولة في مشهد جميل فيكتشف الزوج بأن زوجته جميلة ويقترح عليها عدم ضياع اللحظات الحلوة فتصدّه فيخرج الزوج منكسراً ويظل النقاش بينهما لمعرفة أسباب ما يحصل لهما ولم تجد أجوبة، وفي غمرة مشاحانتهما ونتيجة الحرب الدائرة تنقطع الكهرباء يشعلان الشموع فيصبح الجو رومانسياً فيعود الهدوء ليسيطر عليهما ويستعيدان ذكرى اللقاء الأول يتبادلان الأنخاب، وبين خوف عليه وشجار معه تبدأ بإطفاء الشموع التي على الطاولة الجانبية وتحاول إطفاء الشمعة التي على الطاولة التي في منتصف البيت تتردد وتتوقف، فهي من داخلها لا تريد أن تطفىء آخر قبس ممكن لاستمرار حياتهما ويفعل الزوج مثلها يطفئ الشموع التي في الجهة المعاكسة ويقول لها الله معك يا مدام، يصل للشمعة التي في منتصف البيت يقف متردداً ولا يستطيع إطفاءها يعلو صوت الرصاص في الخارج ومع موسيقا صوت أغنية فيروز «ما في حدا» يديران ظهرهما بشكل موارب للجمهور ويتواصلان بحركات صوتية غير مفهومة، وتختتم المسرحية بجمود حركاتهما. لم تجعلنا الأغنية نفهم دلالة نهاية العرض، هل اختتم بأنه ثمة استمراراً للشجار بين الزوجين أم أن ما كان يجري في الخارج مجرد وهم، والتواصل قد تحقق بينهما. ولا ندري هل الخلل من المؤلف أم من المخرج؟ كان امتلاك الممثل فادي أقوى لمفاتيح الشخصية التي يجسدها من زميلته مرام رغم جودة أدائها وانفعالاتها في مواقف عديدة. ‏

جهد ضائع



ينتمي عرض «تلك الرائحة» الذي قدمته فرقة تجمع ميماس المسرحي التابعة لنادي دوحة الميماس إلى المسرح الفقير، إذ لم يضع المخرج ولا قطعة ديكور أو إكسسوار واحدة ولم يستخدم الموسيقا باستثناء جسد المُمَثلين، والإضاءة. العرض من إعداد وإخراج محمد بري العواني عن مسرحية«الزنزانة» للكاتب هارولد كمل. ويمكن القول إن العرض لم يقدّم لنا المتعة التي يجب أن يقدمها أي عرض مسرحي رغم ما بذله الممثلان من جهد في الأداء والذي غلب عليه الأداء الخارجي أكثر من الأداء الداخلي للشخصيتين المجسدتين. تدخل شخصية مارك/ بسام مطر إلى الزنزانة التي تضم السجان سابقاً بطرس/ تمام العواني ومنذ لحظة دخوله يبدأ الشجار ولا أقول الصراع، وهو شجار مبالغ فيه جداً إذ ما معنى أن لا يكون شجارهما سوى بالعراك الجسدي على الأرض وكأننا في حلبة مصارعة وليست خشبة مسرح، واللحظات التي لا يتشاجران فيها، يقفان فيها ويتشاجران كلامياً، فلماذا لم يلجأ المخرج إلى إراحة الممثلين بالجلوس، فهل يعقل أن يظلا واقفين معظم فترة العرض وهما في زنزانة كبيرة؟! ومن ذلك الشجار يصلنا أن مارك مزوّر عملة ولذلك ألقي القبض عليه، وبطرس كان قد تسبب بموت زنجي شيوعي من كثرة التعذيب فسجنوه عقاباً على فعلته. ولأنه مؤمن لم يستطع الكذب فاعترف بفعلته وهو يجتهد بخدمة أسياده البيض في حين أن مارك أبيض ونجده ضد فكرة العنصرية ويحاول جاهداً إقناع الزنجي بفكرته، وفي الوقت ذاته يتهم بطرس الزنجي مارك بأنه أبيض بعقل أسود ويعده بكتابة تقرير فيه لأنه كافر. من هذا التناقض يتولّد الصراع بينهما، ويأتي ذلك متأخراً في العرض، ويجهد مارك بإقناع بطرس بالتفكير بالآخر كما يفكر بنفسه، والثورة على أسياده، لتختم المسرحية بأن مارك سيكتب على جدران الزنزانة تاريخ الساعة الماضية بأن مارك كان هنا فيحتج بطرس على ذلك بأنه لا يريد أن يبقى وحده وأنه كان معه في الزنزانة أو في الحياة، وفي الوقت الذي تجمد حركة مارك معتزاً بما سيفعله نجد بطرس وقد رضخ لما يقوله بالانبطاح عند قدميه. ولا ندري عن أي صراع يتحدث العرض في زمن نتابع فيه أن صراع الزنجي مع الأبيض قد تغيّر كثيراً خصوصاً ونحن نتابع أن زنجياً يسابق سيدة بيضاء إلى سدّة البيت الأبيض! ألا يغدو الواقع أوسع مفهوماً من مقولة العرض؟ وألا يثبت الواقع موت النص الذي لم يعد يتناسب مع الصراع في الواقع، إذ إن الخوف من الشيوعية قد تبدد بعد انهيار الأنظمة في دول المنظومة الاشتراكية؟ ولو انتقلنا للحديث عن الإضاءة لقلنا إن ضعفها أو خفوتها لم يخدم العرض، ودون أن يكون ذلك مسوغاً من الناحية الدرامية، بل كان يجب أن تكون الإضاءة أقوى لاسيما وأن العرض قائم على أداء الممثلين فقط إذ من خلالها كنا سنرى لحظات الأداء الداخلي لهما على قلته، بشكل أوضح، وسيسهم ذلك بتوافر المتعة للمشاهدين. ‏

حيوية الأداء ورشاقته



كان ختام المهرجان مسكاً مع فرقة المسرح العمالي التي قدمت عرضاً بعنوان «الصبر المتحرّق» تأليف أنطونيو سكارميتا، ترجمة ممدوح عدوان، إعداد وإخراج فرحان بلبل. بهذا العرض شعرنا وكأن المسرحي بلبل يجدد شبابه الإخراجي، فقد أدار ممثليه بشكل حيوي ورشيق أدخل المتعة لقلوبنا. وأعترف بأنني كنت متوجساً مع بدء العرض من عدم حصولي على متعة تذكر، وأنا الذي لا أزال أختزن متعة من مشاهد وتفاصيل العرض الذي قدمه المخرج محمود خضور في المسرح القومي للمسرحية ذاتها «ساعي البريد» بتجسيد فنانين محترفين غسان مسعود ورغداء الشعراني وفايزة الشاويش وماهر صليبي، ذلك العرض الساحر الذي قدم في دمشق منذ سنوات، ولكنني وبعد لحظات قليلة تبدد توجسي واستسلمت للمتعة التي يقدمها عرض فرحان بلبل بفرقة هواة ، جسد الشخصيات عبد القادر الحبال «بابلو نيرودا» وجواد الحبال «ماريو/ ساعي البريد» وعفراء بلبل «روزا/ صاحبة الحانة» ورفاه خزام «بياتريس/ابنة روزا» والمسرحية تعرض لتلك العلاقة الحميمة بين الشاعر نيرودا وساعي البريد، بحكم أن الأول هو أكثر الأشخاص إن لم يكن الوحيد في الجزيرة التي يعيش فيها الذي تأتيه رسائل وبرقيات، ويرصد العرض فرح الشاعر نيرودا بوصول مرشح حزبه القائد الشهير سلفادور الليندي إلى رئاسة التشيلي، وفرح ساعي البريد وصاحبة الحانة وابنتها بحصول الشاعر على جائزة نوبل للآداب، كما رصد حزن الشاعر نيرودا لاغتيال الليندي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العلاقة بين الشاعر وساعي البريد نشاهد توسط الشاعر لماريو عند أم بياتريس للموافقة عليه عريساً لابنتها التي لم توافق عليه من محاولة الطلب الأولى، كما رصد العرض تأثر العروسين بحزن الشاعر نيرودا ومرضه ثم وفاته واقفاً كدلالة على أن المبدع الحقيقي المحب لوطنه لا يموت إلاّ واقفاً. ويختم المخرج عرضه بكلام الشاعر نيرودا مردداً على لسان ماريو وبياتريس: الموت يأتي..وبالصبر المتحرّق للحرية تتحرك النار في الأعماق. لتقدم المسرحية الجوانب الإنسانية للشاعر نيرودا والتفاؤل الذي يجب أن تتحلى به البشرية مهما تعرضت لكوارث، طالما أن الحرية هدفها الأعلى. ‏

وقد جاء العرض بأداء مجسد لكل العواطف التي انتابت الشخصيات وهو أداء حيوي أخذ بشغاف المشاهدين وأمتعهم وكأننا نرى فرقة المسرح العمالي تولد من جديد، ودون أن أغالي شاهدت تميّزاً للممثل جواد الحبال يجعلنا نتفاءل به كثيراً، طبعاً لا أغفل بقية الممثلين حقهم فعبد القادر وعفراء من جيل الفرقة المخضرم كان من الطبيعي أن نشاهد أداءهم المميز. ‏

أخيراً أختم بالإشارة إلى أن فرقة المسرح العمالي لم تنس هذه الدورة أيضاً من تقديم بطاقة ورد لروح فقيديها الفنانين «محي الدين الهاشمي، وبسام الشاويش». ‏



تشرين
(151)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي