بتاريخ الرابع والعشرين من أيار 2014 أجرت الفضائيةُ السورية، ضمن برنامج "المواطن والوزير"، حواراً مطولاً مع سيادة وزير الصناعة السوري الدكتور كمال الدين طعمة.
يمكننا أن نقرأ هذه المقابلة ضمن حزمة من الاتجاهات، والاعتبارات، والدلالات، يصعبُ حصرُها.
أولُ هذه الاتجاهات والاعتبارات والدلالات هو أن القيادة السورية، ما زالت، منذ أيام القائد التاريخي حافظ الأسد وحتى هذه اللحظة التاريخية من حكم القائد الوريث بشار الأسد، تُقَدِّمُ المواطنَ، واسمَ المواطن، ومصلحةَ المواطن، على الاتجاهات والاعتبارات والدلالات كلها، مجتمعة.
فمما لا يخفى على المشاهد الحصيف أنه كان بمقدور فريق الإعداد (حسام الدين- قيومجيان- شلهوب) أن يُسَمُّوا البرنامج "الوزير والمواطن"، ولكنهم أبَوْا ذلك، إباءً، وقَدَّمُوا "المواطنَ" إلى الأمام، وجعلوا الوزير يحتل المركز "الطشّي".
في سوريا الأسد، أيها السادة، تقع إجراءاتُ الحكومة، والدولة، والنظام، والقيادة، أولَ ما تقع، كلُّها، على "المواطن" فحينما كان حافظ الأسد يشتهي على "وجبة مَسيرات عفوية" سرعان ما كان يوحي لمخابراته بأن يُنزلوا كميةً محددة العدد مسبقاً من "المواطنين"، لا يبالي إن كان بعضُهم مصاباً بأمراض المفاصل، أو الدوالي، أو الربو، أو السماط، أو الفتاق، أو البواسير الشرجية، أو كانت لدى بعضهم الآخر حساسية من حرارة الشمس في أيام الصيف، ويجعلهم يركضون في شوارع دمشق تحت شعار (رَكْض وغَبْرة وقلة قيمة)، بينما يقف هو على شرفة أحد المباني الحكومية ويصطفُّ بجواره بعض أزلامُه، وبضمنهم بعض "الوزراء"، ويبدأ باستعراض زُمَر المواطنين التي تمر (من تحته) مُظْهراً نشوة حقيرة تفوق نشوة اللذة الجنسية التي تحدُث عند المهووسين في لحظات اغتصاب فتاة قاصر.
وحينما كان رامي مخلوف ينهب الاقتصاد السوري، علناً، وجهاراً، وفي وضح النهار، إنما كان يفعل ذلك من أجل إفقار المواطن، ولا يوجد أحدٌ في العالم المترامي الأطراف يظنُّ أن هدف رامي مخلوف هو "تشليح" ضابط كبير، أو مسؤول، أو وزير، فهو، أي "أبو الرام"، ليس غبياً إلى هذه الدرجة.
وحينما قَتَلَ الجيشُ العربي السوري وفروعُ الأمن والمخابرات، خلال السنوات الثلاث الماضيات، ما يربو عن ثلاثمئة ألف "مواطن"، مَنْ مِنْ المسؤولين والوزراء السوريين قُتِلَ معهم، أو اعتُقل، أو شُرِّد، أو أوقف راتبُه التقاعدي، أو حُرِمَ من جواز سفره، أو عُذِّبَ في فرع مخابراتي حتى اشتهى الموت ولم يعرف إلى الموت سبيلا؟
لا أحد بالطبع. ومن هنا فإن تسمية البرنامج "المواطن والوزير" سليمة لا غبار عليها.
ثاني هذه الاعتبارات، أن الوزير "طُعمة"، الذي أجرت معه المذيعة الفاتنة "كندة نسلي" تلك المقابلة هو من النوع العارف، العَرِّيف، ولولا الحياءُ لظن المشاهدون أن اسمه ليس كمال الدين طعمة وإنما كمال الدين "بَعْرِفاتو"!…
ولأنه- حصنتُه بسورة "تَبَّتْ"- شديد الاطلاع، والإلمام، والدراية، والمعرفة، فقد كان يجيب عن أي سؤال توجهه إليه المذيعة كندة بعبارة: أنا أعرف. أو أنت تعرفين. أو كما تعرفين حضرتك. أو كما يعرف السادة المشاهدون: أن الجماعات الإرهابية المسلحة هي التي ضربت الصناعة السورية ودمرت المعامل والورشات والمانيفاكتورات، ونحن نعرف (يقصد هو وهي والسادة المشاهدين) أن إعادة بناء ما دمرته العصاباتُ الإجرامية ممكن بمجرد ما يقضي جيشُنا الباسلُ (يقصدُ تحالف جيشنا الباسل مع حزب الله مع كتائب أبي الفضل العباس غير الإرهابية بالطبع) على العصابات الإجرامية المسلحة..
ما يمكنُ قراءتُه بين سطور هذه المقابلة الرهيبة مع سيادة الوزير الدكتور «بَعْرِفاتو»، بكل وضوح، أن الطائرات التي ما فتئت تفتح الرشاشات الثقيلة على المواطنين السوريين، وترمي فوقهم حمم الصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، إنما هي طائرات تابعة لسلاح الجو الخاص بالعصابات الإرهابية المسلحة! وأن جيشنا الباسل هو الآن في مرحلة البحث عن مضادات جوية نوعية لإبطال مفعول هذا السلاح الفتاك من أجل حماية "المواطن" السوري من حقدها وبطشها، وتأتي المرحلة الثانية من العملية، ألا وهي إعادة بناء المصانع والمشاغل والمانيفاكتورات التي توقفت بسبب نشاط العصابات الإرهابية، وتوظيف عدد كبير من "المواطنين" فيها على نظام الورديات!
المعروف، في عالم التلفزة، أن كل مقابلة تلفزيونية تبث على الهواء تحدث فيها لقطات فاشلة، مضحكة، تنتمي إلى جنس "الأخطاء والعثرات". ولعل أجمل لقطة من هذا النوع وقعتْ عندما سألته المذيعةُ نسلي عن مجموعة من "المواطنين" أرسلوا شكوى يقولون فيها إنهم تقدموا بطلبات توظيف في أحد معامل مدينة حلب، وإن وزارة الصناعة "طَنَّشَتْ" على طلبهم.
ههنا قال سيادة الوزير بأسى: معهم حق الإخوة المواطنون. ولكننا لا نستطيع تلبية طلباتهم.
استغربت المذيعة، وهي تعرف حرص سيادة الوزير على مصلحة المواطنين وقالت: لماذا؟
قال: لأن المعمل المذكور لم يعد موجوداً.
ازدادت دهشتها، وقالت: أين ذهب المعمل؟!
قال: دمرته العصابات الإجرامية المسلحة!!!
وغص بالبكاء!
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية