أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الجثث حين تستوطن العقل

رسم للفنان العالمي علي فرزات

لا ضير في أن يتخاذل العقل لمصلحة الثأر، فهذا درس متفعن في تاريخنا المضيء يصر على تكريسه أصحاب التمسح بالسلف، ولا ضير في أن يتفوق (نصف العقل الصياد) في كسب عدد لا بأس به من المريدين المسوخيين، ومفردة لا ضير في هذا السياق هي تسليم بقضاء الدروس السابقة وليس موافقة صريحة أو ضمنية على مرورها.

فكأن كل ما في العصر من تقنيات وحداثات حجزت لنسفها أمكنة قسرية أو اختيارية من موبايل وأنترنت وفضائيات، لم تستطع أن تخلصنا من إعادة إنتاج مفاهيم السلف بتذاكي عصري ...كأن تستبدل الصيغة القديمة (المارونية السياسة) بـ(العلوية السياسية) مع فارق نقدي وبنائي شاهق.
لا الماضي يمضي ولا القادم يأتي ...وتبقى المراوحة بين تمرين على الممارسة الطائفية عند فريق الأسد وتمارين إنشاء طائفي عند فريق معارضته.. مع تبادل الأدوار وتقاسمها عبر السنتين الماضيتين سباقاً محموماً يتوهم الطهارة.

والمصيبة أن عقلاً أمنياً يريد مصادرة عدم انتمائك لكلا المجزرتين يصر وبمنتهى البشاعة أنك تساوي بين الجلاد وضحيته حين لا تعلن انتماءك لأحد الفريقين المسعورين الآن ...فما كنت تعلن عصيانك عليه ..أنت مطالب به الآن وإلا فالسيف جاهز ...إذ لم أعد أجد فرقاً واضحاً -وليحاكمني من يشاء- بين أسد قاتل ومثقف ثائر عليه وهو منه وله وفيه ...نسيج واحد ومنبت واحد في أجساد تختلف ملامحها وتتشابه تصرفاتها وتعاليمها ...مضافاً إليه بتر واضح في العلاقة مع المستقبل والذهاب بنا إلى قعر الكهف بحجة قراءة التاريخ للبناء مع القادم.

فمنهج التحريض الدموي الذي أعلنته قناة الدنيا ذات يوم ...تغير قائد ملفه على غرار الملفات الدولية، وانتقل إلى مثقفين سوريين كنا نعول على عدم انجرارهم إلى فخ قميء يجلب مريدين صغاراً ... لكنه يذهب بالعقل إلى درك لا تحتمله لحظة تأمل، فالواقع الذي يريد فضحه وعدم التستر عليه كما يدعي بعض هواة اللعب على الحبال الطائفية ليس المشكلة ...المشكلة في العقل الذي يحاول مقاربته أو كشفه ...خاصة إذا أسكن جثة في دماغه المتأمل ..وبدأت الذاكرة لا الفحص الدقيق للحاضر، تتحول إلى منهج يحاول أصحابه قوننته وفرضه على دهماء لا هم لها سوى الحفظ والتواتر والتناقل الأبله دون فحص أو اختبار.

فمن الطبيعي.. ونظراً لتعدد الأجندات السياسية والطائفية في سوريا..أن يصبح الشاغل لبعض وسائل الإعلام التابعة لها... العيش على تأهيب طائفي سيؤدي إلى مذابح تضاف إلى ما حدث، ضمن خطة يعتقد عقلها الصوري كما يصور لي عقلي غير الصوري -على محمل الادعاء- ...أنها تزيح الستائر عن مسكوت..وتذبح أضحية للتابو على مذبح الحقيقة الغائبة والتي يجب كشفها وتعميمها على شكل توضيبات شفهية أو مكتوبة…

والخضّة ليست فاقعة في الحقيقة ...فأي سوري كان سيراهن على انفجار طائفي يعرفه ويعيش بعض تفاصيله حسبما أفرزه مجتمعه الضيق، سواء رفض أم قبل...إلا أنها اكتسبت حدتها حين بدأت قامات سورية الشغل الأصيل عليها إلى درجة الكدح لتعميمها ...وهذا لا يلغي واقعاً ساهم في تكريس هذا الفهم، إلا أنني عاجز حتى اللحظة عن فهم الهدف النهائي من هذه التعرية حسب قياداتها..!.

فإذا كان التوصيف بأن الطائفة العلوية هي القاتل والهادم والمدمر والسافل سيقود إلى بتر المشكلة ...فأنا أول الذاهبين لشتمها وتسفيلها ومحاكمة أجنتها قبل رجالها ونسائها وإحراقهم كما فعل النازيون بل أكثر، ولا أتصور أن عدداً غفيراً من السوريين يختلف عن فهمي، لكن هذا الخطاب على بياض نوايا أصحابه ربما، لن يفرز هروباً إلى ما قبل الصفر، فالصفر كان بشعارات أكثر سمواً من تكتل فئوي لا يحقق إلا ازدياد تنامي الحقد الطائفي الذي لا يمكن أن يكون مخرجاً لأي شيء، حتى مخرجاً لمصعد.

لنفترض أن المشكلة حُلت تماماً، وتم الاعتراف من قبل العالم وأقانيمه بأن ما يحدث في سوريا صنعه علويو المنطقة وشيعتها، وأحلنا أوراق هذه الطائفة الباغية إلى محكمة العدل الدولية واستخرجنا قراراً بتصفيتها ...هل سيسقط (الأسد بن أبيه) سقوطاً سياسياً مدوياً؟

إذا حدث: سيكون إقرار بأنكم السباقون في استنباط الحل وجدوله زمنه ونسج فضاءاته ...لكن إن لم تفلحوا كيف سنتصرف عندها؟!.

وكيف نصدق أن العلويين هم من جعل الأسد في مكانه حتى اللحظة، ثم ما مصلحتنا في تغييب كل العوامل الحقيقية والإبقاء على تحشيد طائفي ستكون فاتورته رغم كل ما دفع أكبر بكثير.

لا يخفى على أحد أن طرفي العتلة السياسية في الصراع لا يمكن أن يخرج أولها من ثانيها وإلا انتفى الصراع ..المشكلة في هذا الطرح أنك تريد المعركة ناقصة من خصمك، أي تطلب أن تكون أوحداً ...وفي المعنى العام أنك تريد تصفية خصمك بالشعار وليس بالممارسة..فأين هي الثورة إذاً وعلى من..؟.

...الثورة في أن تكسب لا أن تنفي طرفها الذي أشعلها بظلمه وجبروته وقتله ...لأننا بهذا المعنى نوافق على منطق الأسد وأبيه في تصفية أي خصم والاستفراد بالساحة إلا من أشباه يقررهم مع أجهزته ...أليس هذا ما ثرنا عليه..؟.

إن الإعلان عن حرب داخلية بين من وقفوا ضد نظام فاشي كالذي نحن أمامه التفاتات غير محترمة عن جامع سميناه الثورة ...واستعداد البعض للنيل من مماثله في الهدف، والمختلف عنه في الطريقة، استبداد مقلوب يتوسل تصنيع ماركة طامحة للاكتساح ضمن شارع مهدم يلتهم أي حفنة تشجيع، فما معنى أن يتورط شاعر شفاف بحجم ماهر شرف الدين في خطاب تصعيدي وإن كان مؤمناً بعوامل تشكله، هل علينا بعد ثلاث سنوات من الدم..أن نذهب للتوصيف بدل تقديم كوبونات فيها معونة فكرية للحل؟

وما معنى أن تقوم القائمة الكبرى بعد أن أشيع عن حذفه للمعارضين العلويين من صفحته على الفيس بوك؟!.

ليس هذا ما أراه مصيبة رغم كل الكوارث التي أوردتها في السياق السابق ... ..الدمار الفعلي في أن يكون أي منا على أهبة الاستعداد للانقضاض الشخصي على أصدقاء الهدف الواحد ...وهذه هي النار التي لم أكن لأصدق أن تصل إليها أسماء سورية كبيرة اتفقنا مع وجهات نظرها أو اختلفنا.

فأحد الكتاب لا ينفك يراقب صفحات المعارضين العلويين متصيداً أي وجهة نظر مختلفة عما يراه ...فيهاجمه بعد أن يقول (فلان العلوي)..

ويتحدث آخر عن خولة دنيا بصفتها سارقة علوية لأموال الإغاثة، دون تقديم أي دليل أو حتى لغة فيها اتهام علمي مدروس أو شبه وثيقة أو برهان...وبعدها أسمع أن السيد غسان عبود صاحب تلفزيون الأورينت قد قال لصحفي ذات يوم: مشكلتي ليست مع العلويين المناصرين للثورة ...مشكلتي مع الذين يؤيدونها لأنهم سيقاسمونني البلد..!

نقاسمك البلد !... إذا كنت تريد مريدين لسلطة احتلال أخرى فتلذهب إلى الجحيم أنت وثورتك الكاذبة.

وإذا أيدت الثورة كي تتقاسم مع من تريد كعكتها حسب عقلك الأكول، وبذلت من أجل المنصب حلماً بالأجر والثواب والمكافأة فلتذهب أنت وثورتك إلى جحيم الجحيم.

وهذا الكلام إن كان فعلاً قد قال هذه الجملة.

الثورة مفهوم غير قابل للكسب إلا لصالح الحلم العام، والسياسة لا ينبغي أن تهزم الفكر، فهي بئر للوضاعة وذاكرة للجثث.

كل عقل ملوث بما يفكر ..وصوت اللسان ملوث بما يقول ...ومدرسة التحليل النفسي التي يهرب إليها البعض حين تحاوره في الهدف من هذا الانحراف..متورط بجعل عقله الباحث متساوقاً مع الحدث وما يولده من انفعالات ...فقد مكّن الإجرائي الوقتي واستبعد الـتأملي المتفكر، وهذا ما لا يليق بكاتب أو شاعر إن عممه ...فهناك من يسمع ولا يفكر ...وهم كثر.

من كتاب "زمان الوصل"
(196)    هل أعجبتك المقالة (211)

محسن بلال

2014-06-11

قرد مين هاد: فأحد الكتاب لا ينفك يراقب صفحات المعارضين العلويين متصيداً أي وجهة نظر مختلفة عما يراه ...فيهاجمه بعد أن يقول فلان العلوي...


اسعد محمد

2014-06-11

نقاسمك البلد !... إذا كنت تريد مريدين لسلطة احتلال أخرى فتلذهب إلى الجحيم أنت وثورتك الكاذبة. وإذا أيدت الثورة كي تتقاسم مع من تريد كعكتها حسب عقلك الأكول، وبذلت من أجل المنصب حلماً بالأجر والثواب والمكافأة فلتذهب أنت وثورتك إلى جحيم الجحيم.


كمال عليا

2014-06-11

سامر. حاج وحياة ربك. مين قتلنا إلا العلويين. يا اخي جزء منن.


amin ali

2014-06-11

استغرب من سامر التهجم على عبود !! لماذا يا ترى.


التعليقات (4)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي