أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسالة غير عاطفية إلى أستاذ الفلسفة

بفرح كبير، وسعادة غمرت قلبي، قرأت رسالتك، المنشورة في إحدى الجرائد العربية في مونتريال فأزاحت الغشاوة عن عيني، وأنارت أمامي طريق التوبة والعودة إلى الأب القائد، كعودة الابن الضال، عبر سبل العمل الديمقراطي، التي أنتم خير من يعرفها ويطبقها. كما أقنعتني كلماتها العميقة والمحكمة "بالتعددية" التي تغني المجتمعات البشرية، وتفجر طاقاتها الخلاقة. وكان أن غاب عن ذهني، المصاب "بالبارانويا"، وذلك، كما تفضلت وكتبت، نتيجة عدم نضج فكري العشائري وانحسار منسوب الأخلاق "الطائفية" السورية الفاضلة عن ساحة حياتي اليومية منذ نعومة أظافري. في هذا الوقت جاء ردك على كتاباتي عن الثورة السورية، فأعادني إلى جادة الصواب، وعرفت أن في الجالية السورية أفرادا قضوا حياتهم في سبيل خلق كيان للسوريين، وهو شيء، أعترف بتواضع، أنني كنت أجهله إلى أن قرأت كلماتك التي ترشح "أخلاقا" و"ثقافة" تعبران عن تماسك منهجي محكم، ومنطق لا يخرقه "الباطل" من أي جهة من جهاته، وكأنه منطق أستاذ للفلسفة قدير. وأغفر لي خطابي إذا كان قد أشعرك "بالدونية" أو أساء إليك، فأنا لم أقصد ذلك، وإذا كان فيه شيء مما ذكرتَ فقد يكون مرده إلى عدم "تمرسي" الكافي بالحياة الديمقراطية مقارنة مع تجربتك.

وهنا أجد من واجبي، أن أحييك وأسجل لك تثميني البالغ لبعض النقاط الهامة جدا التي وردت في رسالتك، فالحوار الشريف الديمقراطي يقضي أن يعترف كل محاور بفضائل محاوره وتفوقه في بعض الجوانب، جتى لو كانت غير مطابقة لسلوكه وممارساته اليومية.

لقد أدهشني، وأنا لا أُدهش بسهولة، اكتشافك المبتكر، وعرضك الجذاب، وتسلسل أفكارك القوي، وانقياد الكلمات وطواعيتها لك، منطلقا من "الأجزاء" إلى "الكل"، لتعود فتقرأ "الكل" في الأجزاء، أثناء تفنيدك ما جاء في كلامي، ومن خلال دفاعك عن أصلك السوري، الذي تخشى ضياعه في زحمة "الأصول"، وتبريرك تعدد تجمعات السوريين بتعدد وجهات نظرهم، وكأنك ترى القتل وجهة نظر أيضا، هذه التعددية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على امتلاكهم حرية والقرار، وصولا إلى اعتبارك العرب والسوريين "إخوة"، وهي نقطة ما تزال غائبة عن ذهن الكثيرين، لذلك فإن إشارتك إليها، وتثبيتها في أكثر من مكان، تعتبر بحق اكتشافا باهرا وجريئا في حقل علم الاجتماع العربي، أرجو أن لا يؤثر سلبا على طموحك بالانضمام إلى "نادي الوجهاء والحكماء".

النقطة الإيجابية الثانية، البادية في مقالك، هي هذا الحس الثقافي العميق الذي تتمتع به، عند اكتشافك خطورة كلامي، وقدرتك على الغوض في مضامينه، ومعرفتك أنه مجرد "وصف كاريكاتوري مبتذل" لواقع الجالية السورية. وأحب أن أهمس لك بصوت عال، معترفا بتفوقك في اكتشاف الأبعاد الحقيقة لما يرمي إليه كلامي، والتي غابت عن الكثيرين، وتنديدها بالانقسامات الدينية والطائفية والعشائرية والمناطقية، التي تعاني منها الجالية السورية، بمباركة ورعاية بعض "الوجهاء" وبالتالي فالاستنتاج المنطقي "الأرسطي" يقود إلى أن واقعا مبتذلا إلى هذا الحد، يعكس ذاته، بالضرورة، في كاريكاتور مبتذل، كما أشرت في رسالتك. أما تنديدك بالمواقع والجرائد التي تنشر لي، فأعزوه، من باب حسن النية، إلى حبك الكبير للجالية السورية بمختلف طوائفها، التي تقف صفا موحدا وراء سيادة "القائد الرمز"، في صموده وتصديه للمؤامرة الغربية-الصهيونية- الرجعية، حتى لو كان هدف "سيادته" من صموده هذا، هو قتل كل السوريين، وبقاؤه وحيدا في الوطن على كرسي الحكم!
أما النقطة الثالثة في رسالتك، واعذرني إذا وصفتها بالسلبية، فهي اتهامك لي بأنني "حشاش"، فأنت تعرف أكثر من غيرك، "ديمقراطيا" إن كلامك هذا خرق فاضح "لحقوق الإنسان" ولحرية الأفراد في حياتهم الخاصة، ومع ذلك فأنا أقبل هذه التهمة منك، لأنك "مؤمن" ولأنها أطلعتني على صفات المثقف المؤمن الذي يتعاطى المخدرات، ولم يكن لي خبرة سابقة في ذلك، فشكرا لك خبراتك المنشورة، في هذا المجال، لأنها خير وسيلة لتوعية أفراد الجالية، والمراهقين منهم بشكل خاص. أما عن رغبتك في نشر رسالتك كي تكون "شاهدة" على الجالية السورية وأفرادها، فأنا اطمنك أن هذه الرسالة وكل من وقف مع قاتل السوريين قولا وعملا سيحفظها السوريون في كل بقاع الأرض، وسيزتي الوقت المناسب لإعادة تذكيركم بما فعلتم.
أخيرا، أشكرك عى ثقتك "الغالية" بي، وتأكدك من أنني مدفوع من جهات "خارجية" للطعن في "أصلك السوري"، مفترضا أن "نا" في "أصلنا" التي استخدمتها في رسالتك، جاءت من باب التفخيم لحضرة "الوجيه" الجديد.

وإلى اللقاء في حوار ديمقراطي قادم بعد سقوط ابن الأسد.

من كتاب "زمان الوصل"
(154)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي