سننتخب... أين أنت يا عمو عبد الحليم خدام؟

ستُجْرَى، في سوريا، بعد ثلاثة أيام من الآن، انتخاباتٌ رئاسية، وسيفوز بها القائد التاريخي المظفر الرفيق المناضل الفريق الركن الدكتور بشار بن حافظ الأسد.
ستُجْرَى الانتخابات، تحديداً في اليوم الثالث من حزيران المتاخم لذكرى (نكسة) الخامس من حزيران التي قادها- في سنة 1967- الرفيقُ المناضل حافظ الأسد، باني سوريا الحديثة، مؤسسُ الجمهورية العربية السورية الوراثية، صاحبُ الأمر الشهير للقوات السورية بالانسحاب كيفياً من القنيطرة وهضبة الجولان قبل بدء المعارك مع الكيان الصهيوني الذي كان نظام حافظ الأسد، وما يزال، يعاديه عداءً إعلامياً شرساً، لا هـوادة فيه!
ستُجْرَى الانتخابات في موعدها، وسيفوز بشار الأسد، حتماً. هذه فهمناها، واستوعبناها، وبَصَمْنا عليها بالأنامل العشر... ولكن المواطن السوري، هذه الأيام، تتناسل في ذاكرته صورٌ لأحداث مهمة تتعلق بهذا الحدث المهم، الجلل، ويَطرح عليه قلبُهُ أسئلةً عويصة لا يستطيع الإجابة عليها من دون طلوع روحه.
ففي سنة 2001 تداعى ألفٌ من الفنانين والسياسيين والأدباء والمخرجين المسرحيين والسينمائيين والتلفزيونيين والأطباء والأساتذة الجامعيين والناشطين من مختلف الفعاليات الوطنية- وكنت أنا محسوبكم واحداً منهم- للتوقيع على بيان عُرف باسم «بيان المجتمع المدني»، وعُرف، كذلك، باسم «بيان الألف»، تضمنَ مطالباتٍ سلميةً خجولةً تتلخص بالدعوة للإقلال من عسكرة المجتمع السوري وسطوة المخابرات، وإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإرساء مبدأ «الانتخاب» بدلاً من التعيين في المجـالس المحليـة ومجلـس الشعب والمنـظمـات الشعبية، وما شابه ذلك..
يومئذٍ كان الأستاذ عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري قد أمضى ثلاثين عاماً في ظل حافظ الأسد متخذاً صفة «الهدهد»، أو «العقل المدبر» الذي يرشد الأسدَ إلى أفضل السبل لإحكام السيطرة على المجتمع السوري، وإركاعه، وإذلاله، ونهبه وتنشيفه «على القطنة»، ثم قاد خدام، في سنة 2000، العمليات اللوجستية الرهيبة التي كان من شأنها توريث الفتى القاصر بشار الأسد وتسليمه البلاد لقمة سائغة، أو كما قال الشاعر محمود سامي البارودي: بغير حربٍ...
وقع نبأ صدور «بيان الألف» على سعادة النائب الأستاذ عبد الحليم مثلما يقع قضيب الرمان على مؤخرة القرد على نحو مفاجئ، فنط وما حط، وهرع إلى إدانتنا- نحن الموقعين على البيان- واصفاً إيانا بالعمالة والخيانة!!!.. قائلاً بالحرف الواحد:
- إن هؤلاء الخونة يريدون أن يقدموا سوريا إلى الصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل على هيئة «لقمة سائغة»!
وكان تصريحه، في ذلك الوقت نقطة انطلاق للأجهزة الأمنية المنتشرة في الجسد السوري كما الخلايا السرطانية، لتقوم بعملية تمشيط واسعة للمثقفين الذين تجرؤوا (على أسيادهم) ووقعوا هذا البيان الخياني الرهيب! فصار الواحد منا يدور ويفتل على الأفرع الأمنية مثل «مكوك الحايك»، أو، يروح ويجيء بين مباني الفروع والمفارز الأمنية- كما يقول الفلاحون- مثل «خصيتي المُغَرْبِل»، والمُقَصِّر بين عناصر الأمن ينهرنا ويلكزنا ويسألنا أسئلة استنكارية يمكن تلخيصها بعبارة «بدكن انتخابات يا أولاد الشرموطة؟»، وأما الشاطر منهم فيشغل يديه ورجليه في الضرب ولسانه في الوساخة!
وفي سنة 2011، حينما بدأت رياح الثورات تهب على المنطقة العربية، سارع الصحفيون إلى سؤال بشار الأسد عما يعده لمواجهة احتمالات الثورة في سوريا، فقال: إن الشعب السوري غير مؤهل للديمقراطية!...
ههنا شرع السوريون يغيرون رأيهم الذي بُني في وجدانهم على أنه رجل قاصر، وأيقنوا أنه رجل فهيم، إذ كيف يكون مؤهلاً للديمقراطية شعبٌ ينقسم إلى شقين، الأول هو الشعب الصالح الذي يقوده محمد سعيد بخيتان وعمار بكداش وفايز اسماعيل وصفوان قدسي ومحمد سعيد رمضان البوطي وبثينة شعبان، والثاني هم الخونة والعملاء الذين يريدون يطالبون بـ «الانتخابات» باعتبارها، أعني الانتخابات، المقدمة الأولى لتسليم البلاد لقمة سائغة للصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل؟
للحقيقة والتاريخ، سيداتي آنساتي سادتي، إن السوريين في قرارة أنفسهم يريدون أن يكون في بلادهم انتخابات رئاسية، مثلهم مثل شعوب الكرة الأرضية كلها، ولكن الشيء الذي لا يستطيعون فهمه هو: كيف يكونون غير مؤهلين للديمقراطية، بحسب رأي رئيسهم القاصر، وكيف يجند الآن قواته المسلحة وأجهزة مخابراته كلهم لإجبارهم على ممارسة حقهم الديمقراطي والذهاب إلى مراكز الانتخاب بـ «الصرماية»، وتحت طائلة التسريح من الوظيفة وقع الراتب؟
وكيف يكون الحديث عن الانتخابات في سنة 2001 خيانة وعمالة لإسرائيل شخصياً، وكيف تدق الطبول وتنصب الدبكات في الشوارع لأجل ممارسة الانتخابات؟
لعل الحملة الأمنية التي شنها النظام السوري على الشعب السوري مستخدماً للفتك بهم كافة صنوف الأسلحة المحللة دولياً، والمحرمة دولياً، هي التي أهلتهم لممارسة الديمقراطية؟!
ربما...
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية