نتمنى ألا يلعن التاريخ السياسة السورية بسبب من مثلها في أولى ثورات الشعب على مغتصب داخلي، لأن ذلك التمثيل الإجباري، حفز كثيراً من العاطلين، والعاطلين عن العمل، ليدلوا بدلائهم في بئر "فن الممكن" مُخرجين حلولاً وأدوات طغى على أغلبها المراهقة والارتجال، أو السيرة المضمخّة والاعتداد بالماضي من النضال، على أحسن تقدير.
ليعاني السوريون من كل ما خرج عن آبار، لم تعد مياهها صالحة، لا للشرب ولا لتغيير المرار الذي سكن حلاقيم السوريين، بعد "أن وصل القيح للحنجرة".
لا نتقصد رمي مسؤولية مآلات الحال برمتها على تمثيل الثورة السياسي، لعلمنا أن الحالة تدوّلت بقصد وأُدخلت غصباً في دهاليز تصفية الحسابات ورسم جيوسياسي جديد، ولأن "التعميم قتال" وثمة من حاول ولم يزل، وإن حورب من أهله، بعد تفشي "أنا أو أنت" بعد الخروج على شعارات الثورة البكر"أنا وأنت...وواحد واحد واحد".
لكن حصاد "الساسة" الذي انعكس جوعاً على حلم السوريين، يستدعي، أخلاقياً كحد أدنى، تحميلهم وزر الإساءة وتضييع الفرص وحتى من كان أصدقاء للشعب السوري .
لن نأتي "تشريحياً" على النتائج لنبدأ من الخلافات والتشرذمات داخل جسد الائتلاف لنمر عبر مسؤوليتهم في ضياع الجغرافيا لنصل إلى زيارة واشنطن والفتوحات اللفظية في مؤتمر "الأصدقاء" في لندن، بل ستعرج عبر سؤال مفتاحي وهو، لماذا خسرت الثورة مؤيديها الخارجيين؟!
لا أتوقع إمكانية اختزال الإجابة بالتبعية للبترودولار ولا الانضواء تحت جناح الغرب أوالشمال، ولا حتى بحداثة عهد "المناضلين" بالعمل السياسي الحقيقي على اعتبار أن سوريا لم تلد ساسة في مناخات القمع والأحادية، أو بسبب الفجوة التي سحقت تباعاً، فيما بين تكتلات الائتلاف وبعدهم عن الأرض، بل ربما لكل تلك الأسباب مجتمعة، ويضاف لها، ما نحسبه الأخطر، وهو تصديقها بما دخل "ساحة الثورة" بعباءات وشعارات، فانفتحت له على مبدأ "عدو العدو صديق" بالطريقة ذاتها التي خسرت خلالها مؤيدين محتملين وفاعلين، منهم موسكو وطهران، على مبدأ "صديق العدو عدو" .
اليوم، خرج نشطاء بمبادرة، قد تكون صيغت على عجالة، وربما توصف باللا ناضجة، لكنها تؤسس لفكر وذهنية جديدتين، لم يمسك ساسة المعارضة بزمامهما، أو من يتكلم باسم المعارضة على الأقل.
المبادرة تجلت بطلب نشطاء سوريين إلى الولايات المتحدة الأمريكية "بضرب معاقل" تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على كافة الأراضي السورية، استكمالاً لما تقوم به واشنطن، على هذا الصعيد، حالياً في العراق.
وفوضت "القوى الثورية والنشطاء" الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بتقديم طلب رسمي لحكومة الولايات المتحدة "الصديقة" ودعوتها للبدء بجهودها العسكرية وتحريك طائراتها بدون طيار لضرب معاقل "تنظيم الدولة" على كافة الأراضي السورية التي يسيطر عليها التنظيم، كجزء من الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، واستكمالاً لما تقوم به الطائرات الأمريكية في العراق المجاور لأكبر معاقل "تنظيم الدولة" في مدينة الرقة السورية.
وقال بيان النشطاء: إن "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" هو تنظيم إرهابي يستهدف شعوب المنطقة، وكافة الشعوب الحرة بالعالم، وعلى رأسها، الشعب الأمريكي، وإن المصلحة المشتركة تقتضي تحرك الولايات المتحدة مباشرة، استباقاً لخطر تحوّل التنظيم إلى منبع للإرهابيين الجوالين حول العالم.
فماذا يعني ذلك، رغم شبه اليقين، ربما حتى لدى الموقعين على البيان، أن واشنطن لن تفعل، إن لم نقل لا تسمح، فقط لأن الوقت لم يحن بعد، ولكن سجل النشطاء نقطة في لحظة قد لا تتكرر.
ويعني أن النشطاء قرأوا الداخل الأمريكي، وأيقنوا أن "دافع الضريبة" هو من أهم محركات سياسة واشنطن، فعزفوا على مصلحة مشتركة، وهي "بيت القصيد".
ويعني أن التدخل "لضرب الإرهاب" غيره تماما التدخل "لضرب النظام" لأن في الأولى عدا تلاقي المصالح والأهداف، لا يمكن لأحد أن يعارضه ويؤكد تبنيه ودعمه لـ"داعش" أوغيرها، في حين ضرب النظام سيواجه بعراقيل إن بدأت من فيتو مجلس الأمن، قد لا تنتهي عند حرب شاملة، بعد وقوف موسكو وطهران، واعتبار النظام السوري، الأداة التي أعادت لوجهيهما، كل ما أراقته العصا الأمريكية عبر عربداتها الطويلة.
ويعني، وهو نهاية القول: إن النشطاء ابتعدوا عن خطاب التشكّي والاستجداء والتوصيف، فعدا انتقائهم للحظة المناسبة، غلفوا هدفهم بغلاف يرقى إلى "السياسة" وإن جاء على نحو مباشر وغير ناضج.
ولم يفت النشطاء أن يزيدوا من دروسهم، بأن خاطبوا واشنطن عبر "الائتلاف" ليذكروا من يسعى لتنفعه الذكرى، أن المؤسسية هي كلمة السر، ليس في نجاح العمل فقط، بل وفي كسب احترام الآخرين أيضاً.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية