لا شك أن تعليم اللغة العربية، في الجامعات البولندية، قد بدأ يأخذ أبعادا جديدة، مع تزايد الاهتمام بالثقافة العربية والإسلامية مؤخرا.
تُعدّ جامعة ياجيلونسكي في كراكوف من أعرق المؤسسات التعليمية في أوروبا الوسطى والشرقية. وقد كانت اللغة العربية من أهم اللغات التي دُرّست في قسم الاستشراق؛ وهذا القسم تعود بدايات تأسيسه إلى عام 1919، ولكنه حُوّل في عام 1972 إلى معهد الآداب الشرقية التابع لجامعة ياجيلونسكي.
يعمل في قسم اللغة العربية فريق مكون من اثني عشر مدرسا وأستاذا من ذوي الاختصاصات المختلفة في مجال علوم اللغة العربية، كتابة، ونطقا، ونحوا، وفي مجال الأدب العربي، نثرا، وشعرا، وفي شؤون التاريخ العربي والإسلامي. وكذلك تُدرّس بعض اللهجات العربية الرئيسة كالمصرية والشامية والمغربية في الصفوف الدراسية.
يتقدم كل عام عدد كبير من الطلاب الراغبين بتعلم اللغة العربية (حوالي 250 طالبا) وكلهم من البولنديين. ويشار هنا إلى أن نظام التعليم الجامعي حاليا يتكون من ثلاث سنوات، يحصُل في نهايتها الطالب على شهادة الليسانس (البكالوريوس)، وبعد ذلك تأتي مرحلة الماجستير ومدتها سنتان، ثم الدكتوراه ومدتها 4 سنوات. ويبلغ مجموع الطلاب، الذين يتخرجون في قسم اللغة العربية حاملين درجة الماجستير، نحو 15 طالبا سنويا. وبعض هؤلاء يقوم بالعمل على إتمام الدراسات العليا في معهدنا من أجل نيل درجة الدكتوراه، وفي قسمنا الآن العديد من المعيدين والمعلمين، الذين يسعون إلى إنهاء أطروحة الدكتوراه.
إن تعليم اللغة العربية في قسمنا يبدأ من الصفر، أي من تعليم الحروف وطريقة كتابتها ونطقها. وغالبا ما تكون البداية صعبة فالطلاب المبتدئون يجدون صعوبات كبيرة في تعلم نطق العديد من الحروف العربية، التي لا يوجد لها مقابل في اللغة البولندية. ويعتمد الأساتذة على كتب لتعليم اللغة العربية من مصادر عديدة منها بولندية، وأميركية، وعربية، تقوم على طرائق حديثة ومزودة بأقراص مدمجة وبرامج كمبيوتر.
إن محاولة النهوض في طرائق تدريس العربية تتطلب أن تتخذ الصفوف الأولى للدراسة منهجا مماثلا لمناهج التعليم، التي تتبعها معاهد تعليم اللغة العربية للأجانب في البلاد العربية. أما في ما يتعلق بوضع الصفوف العليا، فطلاب هذه الصفوف يحتاجون إلى المزيد من الجهد لتطوير طاقاتهم اللغوية وتوظيفها في المحادثة، وهي من أصعب الأمور التي تواجه دارسي اللغة العربية من الأجانب.
وتكمن هذه الصعوبة، قبل كل شيء، بصدمة اللهجات العربية، التي إلى الآن لا توجد طريقة مثلى، ومنهجية خاصة، لتدريسها. لذا نرى أن أفضل طريق لهضم اللهجات العربية هو التواصل بين الطلاب والشارع العربي، وذلك من خلال المنح الدراسية (مدة عام واحد مثلا)، التي نرجو من الجامعات العربية، والدوائر المختصة بهذا الشأن، أن تقدمها بصورة دورية إلى عدد من الطلاب المتفوقين.
وقد حصل عدد كبير من طلابنا على منح دراسية من بلدان عربية عديدة كالكويت، والعربية السعودية، وقطر، ومصر، وتونس، والمغرب، والأردن، وكذلك من مؤسسة إيرازموس أوروبا (ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، فرنسا).
ومن شأن هذه المنح الدراسية أن تسهم في عملية التعارف، وتبادل الأفكار، والحصول على المعرفة. ويحتاج طلاب الصفوف العليا إلى سماع المحاضرات اللغوية والأدبية والثقافية الأخرى، التي تقرب إلى أذهانهم المخزون الثقافي العربي الزاخر، وتساعدهم في الإعداد والتحضير لرسالة الماجستير.
في الختام أود التأكيد أن مستقبل تعليم اللغات، ومن ضمنها اللغة العربية، يتمثل بالتعليم الإلكتروني، وقد بدأت جامعتنا بتطبيقه بالفعل لسد حاجات التعليم في المرحلة ما بعد الجامعية المخصصة لحرس الحدود.
إن تعليم اللغة العربية يمكن أن يتطور ويعطي نتائج جيدة تفيد في نشر الثقافة العربية، وجعلها مألوفة لدى الثقافات الأخرى. ولكن نجاح ذلك يظل مرهونا بالدعم والتوجيه البنّاء من قبل الجامعات العربية، والمؤسسات المعنية بنشر الثقافة العربية، ومنها السفارات العربية في بولندا.
د. بربارا ميخالك - مديرة معهد الاستشراق - رئيسة قسم اللغة العربية
د. بربارا ميخالك
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية