كتبت إليك كثيرا, لكنني لم ألبث أن أتوقف .... تراءت لي ابتسامة ساخرة , فألقيت بالورقة إلى النار لتأكلها كما يأكل اليأس بقايا الأماني ...
هاهو الليل يلفّ الآن المنزل و الكل فيه نائم , وها أنا اكتب إليك و قد خدر الدفء أعصابي و أفكاري , إن صور الحياة يتخاطف بعضها بعض حولي , فأشعر أن لها مستقرا في داخلي, يلفّها و يضطرب معها بإحساس أساسي , وهو تلاحم الموت و الحياة تلاحما صحيحا مع الإنسان.
هنا إذ ليس من يعيش بجوارحه لتعيش معه , حاولت أولا أن أتجاهل الأمر وأن أتجاهل نفسي, لكن الواقع كان واقعاً, ولا ينفع معه خداع النفس....
آه يا حبيبي ما أجمل الذهاب إلى البعيد , حيث كل شيء غريب إلا الوحدة واليأس , هذه البلدة الفارغة إلا من تلك الأحاديث والمناقشات التي نعهدها, و التي تشعر فيها بعقم وجودنا.
في نفسي الكثير لكنني لا أجرؤ عن التحدث عنه , ولا أستطيع أن أستقر في البيت ساعة واحدة.
السير في الأيام و الفصول أقضيها في انتظار شيء لن يأتي, أو في انتظار لاشيء.... لقد بعدت الغاية فلم أعد آمل بها.
إنها ليست هنا ليست في كل ما أعيشه,عرفت كل شيء, ولم أتمتع بشيء , وفهمت لماذا أن (( كل ما نسيطر عليه يصبح تافهاً )) إنني أعيش مع الظروف , تسيرني كيف شاءت ولا أر مبررا للتخلف عن أحدها, أو الاستجابة لآخر , إنني أعاني ففي كل مرة أحاول أن أكتب فيها أجد نفسي خاليةً يابسةً كالطاولة التي تحت يدي .
أعيش أقسى حياة وأغربها... ويجب أن أحرر نفسي تحريراً كاملاً لأستطيع أن أمشي إلى الأمام دون أي التفاة إلى الوراء , أعرف أنها طريق شاقة لكنني يجب أن اقتحمها على الأقل لكنني مازلت معذبةً وأعيش في الرتابة
منذ أسابيع, أشعر بالكآبة وأنا متسمرة في الحياة المفروضة , أريد أن يبقى إحساسي بالزمان معدوماً , وليس أحبّ من التعب إليّ الآن لأنام , ما أقسى الصمت وأغناه ! أنا هنا على حافة الحياة , أتلمس ظلام الموت فلا يردني إلا ذلك الشوق الجارف للاحتراق ... وأثقل رأسي بالسجائر , حتى أشعر بما يشبه الدوار , فانهض إلى حيث لا أدري , لا تحملني مشقة التعبير الآن فأنا متعبٌة لا أدري ما أكتب , شعوري بالجمال ميت .
لو كنت أستطيع لما بقيت في هذه المدينة يوماً , لأن التوقف يفقد الحياة خصبها ويهبط إلى مستوى مميت من العادية إن التوقف سقوط ولابد من مسافة دون التسمر في العلاقات , هي في النهاية استعباد , إن الإخلاص يجب أن يكون للحياة أولاً تلك التي يهمها أن تغني باستمرار دون أن تحفل بالموضوع حتى ولو كان صاحبها نفسه , أليست تهجره بلا أسف إن أصبح عاجزاً عن التجدد , طالبةً أن يهبها إخلاصه الوحيد الباقي : أن ينتحر ؟... انتهت فترة من حياتي , كانت قاسية لأنها علمتني اليأس وعلمتني أن ما تبقى لنا هو خلق الحياة من الموت فلنُقْدم أن كنا نستطيع...أتمنى أن أكُبُ برأسي على المدفأة وأغفو لولا أنني سأحترق , لابد من أن أذهب إلى بعيد لأستطيع أن أعود غداً أغير ما أنا عليه الآن , ولأمزق هذه الورقة أيضا أي لابد من النوم وها أنا ذاهبة .... جسداً بليداً وسيجري شأن آخر والمطر يهطل والشوق إلى الغياب أجمل ما أرى الآن. لاشيء غير تكرار الرتابة, رتابة نهارنا والريح تعصف...تذكرت الشعور الغريب الذي ينتابني كلما وقفت أحياناً أتأمل المساء.
الدار مبللة تحت مدّ الشتاء, صوت الأوراق و الريح تهتز تذكرت وجهك, كتبت لك منذ فترة ثلاث رسائل, كنت بحديثي صادقة بعض الشيء وكان فيه شيء لا اعلم ما هو ولكنه شيء ينقصه الجمال على أي حال ...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية