أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هيبة أبو الشوارب في سوريا الأسد

يعود تاريخ هذه الحكاية إلى يوم من أيام ثمانينات القرن العشرين، حينما كان الناس يرفلون في النعيم الذي نَجَمَ عن عطاءات الأب القائد التاريخي حافظ الأسد.

لم يكن الرجال، في ذلك العصر الجميل، يهتمُّون لقَدْر، أو قيمة، أو مرتبة، أو أهمية، أو رجولة، أو بطولة، أو شخصية، أو هيبة.. ولماذا تلزم لهم هذه الأشياء المعنوية التافهة طالما أن قائدهم كبير وعظيم وعبقري إلى هذه الدرجة التي لا توصف؟!

رُويت لنا، ضمن هذا الإطار، طرفةٌ بَطَلُها رجلٌ يدعى «زاي حاء» عينوه محافظاً في إحدى المحافظات قليلة الأهمية، أعني المحافظات التي لم يكن حافظ الأسد- ولا وريثُه من بعده- يوليها ما يليق بها من الاهتمام.. مثل إدلب والقنيطرة والرقة ودير الزور وريف دمشق..

ذات صباح ربيعي جميل، بالصلاة على النبي، كان المحافظ «زاي حاء» جالساً في مكتبه، يستعد للعمل وتسيير أمور المحافظة، وإذا بحاجبه يُعْلِمُه بأن مختار إحدى القرى، المعروف باسم «أبو الشوارب» قد أتى للسلام عليه.

قال المحافظ « زاي حاء»:
- فليدخل.
كان «زاي حاء» يعتقد أن مثل هذه الزيارات تنتهي بسرعة.. فالضيف العابر، القادم من دون موعد، يمكن أن يشرب فنجاناً من القهوة المرة، ويُعَرِّفَ على نفسه، ثم يُبدي استعداده لأن يكون جندياً في خندق القائد المفدى حافظ الأسد.. وينصرف، الله لا يرده.

ولكن هذا الضيف ذا الشاربين الكبيرين خيب أمله.. ذلك أنه شرب فنجان القهوة ورفعه إلى الأعلى، وهزه، كناية عن الاكتفاء، ومسح شابيه براحة كفه، وبقي جالساً.

المحافظ «زاي حاء» طلب له كأساً من الزهورات، شربها الضيف، وقال:
-دايمة.. إن شاء الله بالنصر على الاستعمار والإمبريالية والرجعية وأذناب الاستعمار.. إلخ.

بلا طول سيرة.. شرب الضيف «أبو الشوارب»، خلال الزيارة، سلسلة طويلة من كؤوس الشاي، والقهوة التركية، والميلو، والمليسة، والمتة.. وبقي جالساً على كرسيه لا يريم. وكان المحافظ يسير الأعمال التي تأتي إليه، أولاً بأول، ويلتفت نحو صاد فيجده مقيماً ثاوياً.

شارف الدوام على الانتهاء وهو جالس.. حتى تجرأ المحافظ وقال له:
- عفواً.. يعني.. حضرتك.. لم تقل لي.. ماذا تريد بالضبط؟
قال أبو الشوارب وهو يطحّ:
- أريد «الهيبة»..
استغرب المحافظ واستفهم منه قائلاً:
- عفواً.. ماذا تقصد بـ «الهيبة»؟
قال:
- لقد تكرمتم علي بتعييني مختاراً في قريتي.. وهذا شرف عظيم، أريد أن أقوم به على أكمل وجه.. ولكنني لا أستطيع ذلك ضمن الظروف الحالية..
قال المحافظ:
- لماذا؟
قال أبو الشوارب:
- لأنني لا أمتلك «الهيبة» اللازمة.. فلو قمت (جنابك) يا سيدي المحافظ، وأعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، والرفاق من جماعة حزبنا العظيم، بزيارتي في القرية، وقتها أستمد أنا هيبتي من هيبتكم، وتقع هيبتي، بفضلكم، في نفوس أهل القرية، و....
لم يستطع أبو الشوارب أن يكمل فكرته، ذلك أن المحافظ « زاي حاء» انفلت بضحك عالٍ، طويل، مجلجل.. واستمر يضحك ويقهقه.. ثم وقف، ووضع يده على كتف الضيف الذي وقف على قدميه وهو في قمة الاستغراب والاندهاش..
وبصعوبة بالغة استطاع المحافظ أن (يُفَرْمِل) الضحك وقال له:
- الهيبة! هل قلت «الهيبة»؟! طيب قسماً بمن ألهمك على زيارتي، وأرسلَك إلى مكتبي في هذا الصباح المبارك، وجمعنا من دون ميعاد، أنا أعيش في هذا الوطن بأقل ما يمكن من «الهيبة»! وأقسم لك، يا أخي، بالله، وبما أرتجي منه، لو قَلَّتْ هيبتي الحالية مقدار أنملة لتجرأتْ زوجتي وتجرأ معها أولادي، وهم أقرب الناس إلي، على اللهو بلحيتي! ولا تستغرب أن يتشجع أحدُهم، في لحظة انخفاض طارىء (للهيبة) فيبصق في وجهي، أو كما يقول أهل حلب: يبزق فصط وجِّي!

قم عمي قم تيسر على شغلك. واعلم أن في سوريا الأسد توجد مصاري، وغنائم، وسيارات، ونسوان، نعم، أما اسم، وكرامة، وهيئة، وأهمية، وهيبة وهيك أمور ما في!

(169)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي