خطأ قد يكون غير مقصود، ولكنه بحجم خطيئة لا تغتفر ذلك الذي وقعت به الجهة التي تولت طباعة مناهج الأطفال في المخيمات والمناطق المحررة وأماكن اللجوء.
وتمثل هذا الخطأ بإيراد عبارة مشهورة لحافظ الأسد عن الشهداء في كتاب الاجتماعيات الموجه للصف الخامس الذي قام الائتلاف الوطني بطباعته على عجل مع غيره من المناهج وبكميات هائلة تجاوزت الـ19 ألف نسخة بحسب ناشطين والعبارة التي تم تذييلها باسم (القائد الخالد حافظ الأسد) هي "الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر"، و"كأنك يا أبا زيد ما غزيت" - كما يقول المثل - وتحت الترويسة (الصاعقة) نُشرت صورة لعدد من الجنود المنشقين في حي الخالدية (حديقة العلو) ويبدو في خلفية الصورة مجسم الساعة الجديدة وكتب تحت الصورة عناصر من الجيش الحر بعد الانتصار في إحدى المعارك، وللمفارقة أيضاً، فالأسئلة الموضوعة تحت الصورة يبدو وكأنها أخذت بحذافيرها من مناهج النظام مثل المقدمة التي تقول (سنتعرف في هذا الدرس إلى أهمية الشهادة ومكانة الشهداء و المكرمات" التي قدمت لهم في الجمهورية العربية السورية)، والأسئلة التي تحمل نفساً "تدجينياً" من مثل: لماذا يحمل الجندي العلم العربي السوري، لماذا يدافع الجنود عن وطنهم، ماذا نسمي الأشخاص الذين يضحون بحياتهم دفاعاً عن الوطن.
ووفقاً لما أكده أحد الناشطين فإن "الائتلاف السوري المعارض" اعترض على الكتاب وطبع كتابا رسميا جديدا يوجد عليه اسم "الائتلاف"، وسحب الكتاب من جميع المدارس، وفي الطبعة الجديدة استبدل "الائتلاف" قول الأسد بالآية القرآنية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"، ولاقى هذا الخطأ حينها موجة من التعليقات الرافضة على صفحات التواصل الاجتماعي، ورأى فيه البعض خطأ جسيماً مطالبين المسؤولين عن هذا الخطأ أن يستقيلوا ويقدموا اعتذاراً للثورة.
و لم يقتصر الخطأ على نشر أقوال "القائد الخالد" بل تم الترويج لمنجزاته فقد ورد في مكان من الكتاب حرفياً (عملت الدولة على تنظيم السكن في سوريا إذ تم إطلاق مشاريع تحت إشراف الدولة لتأمين السكن الصحي للمواطنين أصحاب الدخل المحدود، مثل مشروع السكن الشبابي، ومشروع السكن للعاملين في الدولة، كما سعت الدولة إلى تأمين حاجات المواطنين بأسعار مناسبة عن طريق المؤسسات الاستهلاكية (التي عرفت طبعاً بفسادها المستشري والمزمن)، ومؤسسات الخزن والتسويق التي تنقل السلع وتوفرها بأسعار مناسبة، وقامت بإنشاء مديرية لحماية المستهلك ومراقبة الأسعار (التي كانت تعمل بمبدأ من راقب الناس مات هماً) كما عملت الدولة على تأمين شبكة متطورة من الطرق الحديثة تربط بين المحافظات وأريافها وكذلك تربط الدولة مع الدول المجاورة).
ولم نعرف عن أي دولة يتحدث من قام بوضع المناهج وإذا كانت الصورة بهذه الوردية فلماذا قامت الثورة إذاً؟!
العجلة من الشيطان !
الكاتب السياسي والإعلامي عماد غليون أوضح لـ "زمان الوصل" أن هذه الكتب طبعت للأسف بشكل سريع، وتم إعداد مناهجها من قبل مفتشين سابقين كان لديهم خيار استعمال نفس الكتب التي لدى النظام مع شطب ما يتعلق ببشار والأسد الأب، وهكذا قاموا بجمع مواضيع من كتب قديمة ومواضيع جديدة وطبعت الكتب بقطر، وكان الهدف من الإسراع بطبعها اللحاق بالموسم الدراسي، ولم تكن هناك هيئة رسمية بل حالات تطوع تحولت لهيئة تربية وتعليم، ولا ينفي "غليون " احتمال أن يكون هناك اختراق لصفوف التعليم بحسن نية أو سوء نية ولم يتم محاسبة أحد لأن الأمور كانت ضائعة والمسؤوليات غير محددة.
وحول اعتقاده بوجود دور مشبوه لبعض المفتشين الذين تولوا وضع المناهج يقول غليون: هنالك خلل واضح بلا شك وثغرة في كيفية اختيار بعض المفتشين، ومن هم، وهل تم تدقيق انتمائهم الثوري، ومن دقق النصوص وراءهم من الناحية الثورية وليس القيمة التعليمية فقط، ولكن المشكلة – كما يرى غليون- في طباعة أعداد كبيرة من الكتب التي قد يتم استخدامها أعواماً أخرى قبل تغييرها.
وبدوره رأى الكاتب المعارض "صالح عويد" أن المنهاج الدراسي الموضوع خلسة لأطفالنا بالمخيمات أو المناطق المحررة وبلا دراسة للماضي المنصرم خلال نصف قرن من جعجعات القومجية، وتأليه الفرد والحزب القائد هو وصمة عار بوجه من وضعه لانعدام رؤيته، وعدم الاستفادة من تجربة الأنظمة الشمولية مضيفاً: (بلا تربية قومية وبلا تربية دينية وبلا بطيخ مبسمر) مطالباً من ارتكب هذا الخطأ بالارتقاء في توجههم والبناء من جديد على الأنقاض وبعيداً عن القومية والدين.
أقوال الأسد ومنافي السوريين !
وفي سياق تعليقه على أقوال الأسد الأب المأثورة والتي لاحقت السوريين إلى منافيهم يقول الكاتب الدكتور حسان العوض: (على مدى ثلاثة عقود، - هي مدة حكم حافظ الأسد- لم يترك الرجل مناسبة أو موضوعاً إلا وله فيه قول، في الحرب والسلم، في العلم والثقافة والعمل والشهادة… وهكذا أصبح له بنك من الأقوال يستلف منه المتملّقون عند الضرورة، ويرى العوض أن هناك أقوالاً أصبحت مأثورة على ألسنة أجيال من السوريين من كثرة تكرارها في الكتب المدرسية والإعلام، خاصة الأقوال المقترنة في الأذهان باعتباره الأول في موضوعها، فهو العامل الأول، والفلاح الأول، والجندي الأول، والأهم من ذلك هو المعلم الأول، وقد قال في المعلمين «المعلمون بناة حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان، والإنسان هو غاية الحياة وهو منطلق الحياة».
يضيف العوض: على الرغم من أن لحافظ الأسد أقوالاً كثيرة في الشهادة والشهداء (الشهداء أكرم من في الدنيا، وأنبل بني البشر)، إلا أن صفة الشهادة هي الصفة الوحيدة التي تنازل عنها كلياً، وليس فقط عن أن يكون الأول فيها، ولكن بعد وفاته حصل بدلاً عنها على صفة الخلود فأصبح «القائد الخالد»، خلوداً جسدياً من خلال توريث ابنه البيولوجي، وفكرياً من خلال سير الابن على نهج أبيه، خاصة في مضمار التربية، تربية السوريين، فتمت إضافة دروس جديدة لكتب التربية الوطنية تدرّس فكر قائد مسيرة التطوير والتحديث الدكتور بشار الأسد.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية