أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

احفروا لي قبراً..فقد أعلنت انهزامي

إن لم يبت العلماء بأن الذلّ يورّث، أو يكون -على الأقل –لدى سلالة ونسل الأذلاء استعداداً أكثر من سواهم للإصابة بالذل، آخذين من مناطق بأسرها وأسر بأكملها، أمثلة ونماذج ماثلة، فعلى الأرجح أن الإحباط والتشاؤم ينتقل بالعدوى، ولعل فيما يسمى الطاقة السلبية دليل، وما يلف "حالة المعارضة" اليوم، دليل على غياب الأمل وأصحاب الطاقات الإيجابية.

قد يكون من الطبيعي تقلب الحالة الداخلية للإنسان الطبيعي، فما يجري الآن، وعلى صعد ثورة السوريين بمجملها، إنما يبعث على القلق والاضطراب..وربما الإحباط.

فما يجري على الأرض، من محاربة النظام بسلاحه، رغم علم المحاربين إلى أين يمكن أن يوصل المآل، وتقهقر الثوار على غير جبهة، من القلمون فالغوطة فالجزيرة. والتكالب على عروس الثورة وعاصمتها حمص، في ذكرى مجزرة اعتصام "الساعة" لتشويه ملامحها قبل إعلان اغتصابها، إنما يشكك بجل المعتقدات التي اعتنقها من تطلع إلى الحرية والعدالة.

فماذا لو أضيف إلى ذلك، ترشح الوريث بشار الأسد لولاية ثالثة، بعد كل الذي جرى من قتل وتهديم أوصل السوريين لكتاب غينيس على صعيد التهجير والاغتصاب ومآسي، كل مآسي الطفولة.
ولعل الشعور بالخذلان الذي يكسو دواخل السوريين اليوم، من القريب قبل البعيد، وممن تبنوا قضية الكرامة والربيع خاصة، إنما يجهز على بقايا صور الحلم، الذي يتأرجح منذ آذار الثورة حتى نيسان كرسي الرئاسة.

ولكن، وليس من قبيل بيع الأمل بالمجّان، هل هذا كل شيء؟!.
حتى وإن فرضنا جدلاً أنه يبدو بالأفق المنظور كذلك، فهل الرد بالانهزام والتطلع للهروب، هو الرد والحل.

ماذا لو حاولنا قراءة المشهد على نحو مختلف، لنقول إن الثورة اليتيمة هي من صمد ثلاث سنوات، رغم كل محاولات الإجهاض التي لاقتها، ممن ادعى تبنّيها، فالداعمين الحارفين للسكة والحلم، وصولاً لدول "ارحل" و"لن نسمح أن يعيد التاريخ نفسه"، فأصحاب الخطوط الحمراء.

ألا يدعو صمود تلك الحالة الفريدة عبر التاريخ، رغم كل ما يعتريها من درن وتطرف، ومن محاولات تآمر وقتل، كي لا تمتد وتقلع كراسٍ وتبدل ذهنيات، وتغيّر حتى من مفاهيم التحالف والصداقات والعداوة، ألا يدعو إلى التفاؤل والتأكد أن قوتين لا تقهران.

وألا تدعو الصيرورات التي قرأنا عنها وعايشنا بعضها، أن التاريخ لم ولن ولا يمكن أن يعود للوراء، رغم يقيننا بخصوصية الحالة السورية وتجذر أسباب ديمومة الصراع عمداً، في حالة كشفت وعرّت حتى إن غدت فيصلاً في إعادة رسم خرائط وتوزع أحلاف..

قصارى القول: تفشت حالات من الإحباط والشعور بالخيبة إن لم نقل الهزيمة، لدى السوريين الساعين للحرية، والمثقفين الحالمين منهم على وجه التحديد، ولعل ما نبت أخيراً من تخاصم وتخطيء تعدى حدود النقد، ووصل في بعض حالاته درجات من الاتهام والتخوين، إنما يدلل -في حال الاستمرار– بمقتل رأس الثورة وعقلها، ذاك الرأس الذي غاب أو تغيّب، أو نأى بنفسه بدايات الثورة، ودخل متأخراً ليلعب دورا مختلطاً، انعكس حراكاً وصخباً، حتى ما كان سلبياً منه.

والمخيف في الحالة الاتهامية التي بدأت انتقلت أخيراً، من الأوساط السياسية والعسكرية، إلى الأوساط الثقافية، أنها قد لا تجد المرشد، لتعود لاعتدالها، في وقت كان لسواها الأمل، من ساسة وعسكر وحتى أطفال مشردين.

نهاية القول: سيذهب النظام السوري، وإن طال الزمن، لمحكمة الجنايات الدولية ليحاكم كمجرم حرب، وستستقر سوريا بعد أن تدفع ثمن الصمت والتصفيق وحتى الدبك، وستزهر الحرية في عيون أطفال كبروا على الجراح وعملوا وتعلموا في المدارس الواقعية، بعيداً عن عبادة الرموزو الشعارات. جيل توسد أرض المخيمات واستنشق عبير التراب الندي بدمع من بقي ودم من راحوا.

من كتاب "زمان الوصل"
(181)    هل أعجبتك المقالة (182)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي