أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن السلاح والتسلح

عادة لا أتقن الحديث عن النظريات ولا أعرف كيفية التعامل مع الخطط الاستراتيجية، ولكن أعرف رواية الأحداث التي شاهدتها وعشت بعض تفاصيلها، ففي تلك الواقع، كما أعتقد، بعض المعطيات الضرورية لمن يريد أن يحلل ويستنتج، لذلك أقدم شهادتي هذه:

الحادثة التالية التي سأرويها جرت في صيف 1981 والصراع على أشده بين نظام حافظ الأسد والطليعة المقاتلة، وكان من نتائج ذلك الصراع أن استطاع حافظ الأسد تدمير حماه وقتل أكثر من مئة ألف سوري، وإلغاء الحياة الساسية بالكامل في سوريا وأخيرا توريث الحكم لابنه وهو في القبر.

في ذلك الصيف عدت من بيروت، حيث أعمل، إلى حمص لرؤية الأهل والأصدقاء، فدعاني أحد الاصدقاء العلويين لحضور حفل خطبته من فتاة من قرية "خربة الحمام"، وهي قرية قريبة من الحدود اللبنانية، وتقع على طريق حمص طرطوس. كان بيت أهل الفتاة يطل على الشارع الرئيسي المار في وسط القرية والذي يصل طريق حمص-طرطوس بقرى وعر حمص. 

وتشاء الصدف أن يكون مقعدي على طرف المصطبة التي يجلس عليها المدعوون والتي تطل مباشرة على الشارع الرئيسي. حوالى الظهر رأيت رتلا مكونا من خمس سيارات مرسيدس لبنانية بلوحات خصوصية يعبر الطريق باتجاه قرى الوعر، وقد كانت الأسلحة واضحة للعين على مقاعد السيارات، وللتذكير فقط، كان يكفي في ذلك الوقت أن يجد الأمن طلقة مسدس مع أحد السوريين كي تؤدي إلى موته، فكيف بسيارات مليئة بالسلاح؟ ناديت صديقي، وهو الخطيب المنتظر فجاء مسرعا، وقد لاحظ الرعب في ندائي دون أن يعرف سببه، وقال: خير أخي ميخائيل؟ قلت له ألم تشاهد السيارات المحملة بالسلاح التي مرت الآن؟ ضحك وقال: لقد اعتاد الناس عليها، فهذه نقلة يومية تأتي من الحدود اللبنانية برفقة المخابرات إلى أن تصل إلى آخر قرية في وعر حمص، ثم يكون في انتظارها في أول قرية من محافظة حماه، مخابرات حماه وتجار السلاح الحمويون حيث يجري الاستلام والتسليم، ثم ينقل السلاح إلى حماه ليتم بيعه إلى الناس هناك.

أردت القول إن حدثا كهذا لا يمكن أن يمر إلا بقرار من هرم السلطة السياسية في سوريا، والهدف منه معروف وهو إغراق البلد بالسلاح الفردي كي يكون عند الأسد المبرر الكافي لقتل أي تحرك سياسي في البلد بحجة مكافحة الإرهاب، ولو أدى الأمر لتدمير سوريا، المهم المحافظة على نظامه، وللأسف فقد نجحت خطة الأسد الأب تلك، وخسر المجتمع السوري كل المنجزات التي كان قد حققها منذ الاستقلال وجتى لحظة وصول البعث إلى السلطة عام 1963.

ما حدث في سوريا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، يتكرر الآن منذ ثلاث سنوات تقريبا، ورغم اتساع رقعة المشاركين في الثورة وعمقها الاجتماعي، ورغم وضوح أساليب سلطة الأسد الابن منذ البداية، والتي تشبه ما فعله الأب، إلا أن المعارضة، للأسف، يبدو أن ذاكرتها ضعيفة، ولم تتعلم من التاريخ، بعكس النظام الأسدي تماما الذي برهنت السنوات الثلاث أنه ما زال الأذكى، وصاحب الإمكانات الكبيرة في اللعب داخليا ودوليا.

يذكر الجميع كيف أن النظام الأسدي قد خطط منذ الأيام الأولى للثورة في درعا كي يجبر الناس على حمل السلاح، وكيف أن رأس النظام قال في خطابه الأول إنه يواجه التطرف والإرهاب، وكيف أن الناطقة باسمه بثينة شعبان اتهمت الثوار بالطائفية، تلك العناوين الرئيسية التي عمل عليها النظام بكل وضوح، ونحن كنا ننفذ ما يريده منا بسذاحة أو بجهل، محققين له ما يحلم به، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

لقد حملنا السلاح الذي تم تمريره إلينا، وتحولنا إلى طائفيين كما خطط الأسد ونظامه، وحولتنا كاميرات الناشطين إلى إرهابيين، وتراجعت نظرة تعاطف العالم مع ثورة الشعب السوري لتحل محلها نظرة ذلك العالم إلى شعب يخوض حربا أهلية داخلية.

كل ذلك حدث دون أن نستطيع الوقوف في وجهه نقدا وممارسة.

لا يكفي أن نكون على حق كي يقف العالم معنا، يجب أن نختار الوسائل التي تظهر حقنا وعدالة قضيتنا، وأعتقد أنه ما زال أمامنا متسع من الوقت لفعل ذلك وتحقيق النصر وإسقاط النظام.

من كتاب "زمان الوصل"
(152)    هل أعجبتك المقالة (142)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي