أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كوميديا الانتخابات الرئاسية

اتصلت بي صديقتي الصحفية الخليجية عبر «السكايبي»... وهي فرحة، مبتهجة،... وهنأتني باقتراب نهاية مأساة الشعب السوري!

قلت لها: غريب هذا الكلام. من أين عرفت أن مأساتنا قاربت على الانتهاء؟

قالت مستنكرة: ألم تسمع الأخبار؟ لقد وافق رئيسُكم على أن يتفضل مَنْ يشاءُ من السوريين بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية العربية السورية في صيف 2014.. لينافسه هو، بجلالة قدره، على رئاسة البلاد، ومجلس الشعب أصدر قانوناً خاصاً بالانتخابات. وبهذا تكون القصة قد انتهت.

قلت لها: أولاً- يا صديقتي الحلوة يا اللي أنا دخيل وجهك الجميل- هذا ليس رئيسنا!... لأنه لم يوجد رئيسٌ في العالم، عبر العصور، يطلق على معارضيه من شعبه لقبَ «العصابات الإجرامية»، ثم يشرع بتقتيل أبناء الشعب، بكافة صنوف الأسلحة، دون تمييز بينهم، وتهديم بيوتهم فوق رؤوسهم.. وثانياً- واسمحي لي أن أبوس روحك- هذا ليس رئيساً شرعياً، فوالده اغتصب السلطة في سوريا سنة 1970 بانقلاب عسكري مُبين، ثم أورث لهذا الأهبل البلادَ والعبادَ والوهادَ بالقمع، والتزوير، والاحتيال، والترهيب، ورغماً عن أنوف السوريين الذين يمتلكون عشرات الأسباب التي تجعلهم يرفضونه، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أنه غير قادر على لفظ «حرف السين»!

قالت: ولكنكم حققتم مكسباً تاريخياً عظيماً يتلخص بالانتقال من عصر «الاستفتاء» الرئاسي إلى عصر «الانتخاب» الرئاسي!

قلت: هذا الكلام يبدو، لأول وهلة- يا جميلةَ المُحَيَّا- صحيحاً، ومُفرحاً.. نعم، نحن لدينا غصة تاريخية تتعلق بمهزلة «الاستفتاء»! 

كانت عملية الاستفتاء على ما يسمى «رئيس الجمهورية»- أيتها الحسناء الرقيقة- شيئاً يستحق التفكُّر، ويبعث على الدهشة، وأحياناً يبعث على السرور.

فالسوريون الذين كانوا يذهبون إلى مراكز الاستفتاء في طول الأراضي السورية وعرضها كانوا «يَتَفَنَّنُون» في إعلان براءتهم من قولة (لا) التي لو ثبتَ على شخص قولُها، أو اشْتُبِهَ بأنه أدلى بها في صندوق الاستفتاء، تؤدي إلى سَجْنه خمساً وعشرين سنة تعادلُ، إذا كان وسطيُّ الأعمار خمساً وسبعين سنة، ثلثَ عمره، في سجون لا تصلح- وحياة مَنْ صَوَّرَكِ- لسكن البهائم.

ومن فنونهم في هذا المجال أن الواحد منهم كان، حينما يصل إلى المركز، ويسمع صوت قرع الطبول وترغلة المزامير، يمسك بالورقة المكتوب عليها «نعم للأب القائد»، ويدبك بها، صاعداً، في الهواء، إلى أقصى ما تسمحُ له رشاقة جسمه بالصعود، وإبان نزوله إلى الأرض في مرحلة «النَخّ» يُسقط الورقة في الصندوق، فتنطربُ الورقةُ نفسها وتتهادى وتنزل إلى القاع وكأن شهيتها، هي الأخرى، انفتحت على الرقص.

وكان بعض الشبان، والصبايا الجميلات -زي إحسانكِ- يتناولون الدبابيس التي كانت توضع على طاولة الاستفتاء بجوار القوائم والأختام والأقلام، ويجرحون أصابعهم الرقيقة، ليسيل منها الدم، ويكتبون، بالدم: نعم للقائد التاريخي حافظ الأسد!

في بداية تَمَكُّن ذلك القائد التاريخي المجرم من اغتصاب السلطة السورية كانت دوائر النفوس في المحافظات السورية تعد قوائم بأسماء الأشخاص الذين يحق لهم قول «نعم» للقائد، والموظفون المشرفون على عملية الاستفتاء يشطبون اسم المستفتي من الجداول، دواليك حتى ينتهي النهار، فيغلقُ الموظفون على أنفسهم الباب، ويستفتون بـ «نعم» نيابة عن كل الأشخاص الذين لم يحضروا إلى المركز! وعندما يحين وقت الفرز لا يكترث أحد للأوراق الموجودة في الصناديق، واءً أكان المكتوب فيها (نعم) أو (لا)!... فالقيادات الأمنية العليا التي تقود البلاد تطلب من وزارة الداخلية أن تكون النسبة في المحصلة 22ر97%، مثلاً، فتعلن الأرقام التي لو جمعتِها وطرحتِها وقسمتِها لأعطتك 22ر97% بدقة..

إن الأشخاص الذين عهدت إليهم القيادة بتنفيذ هذه العملية المباركة، أعني «الاستفتاء»، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام متطلبات التطور في العصر الحديث، فما كان منهم إلا أن اخترعوا شيئاً ظريفاً أطلقوا عليه اسم «البطاقة الانتخابية»، فصار المواطن السوري يمتلك مطلق الحرية في أن يستفتي بـ «نعم» في أي مركز استفتائي في أي صندوق في أية مدينة أو بلدة أو قرية أو مزرعة أو «خربة»، ولا يحق لأخي أخته أن يسأله إن كان قد استفتى في مكان آخر، عدداً كبيراً من المرات.. وإذا أردتِ أن تتأكدي- أيتها الفاتنة الخليجية- من أن إعلان بشار الأسد موافقته على قبول ترشيح مَن يشاء نَفْسَهُ في المنافسات الرئاسية أمرٌ مضحك، أزيدُك من القصيد بيتين آخرين، فأحكي لك عن شخص يمتلك فائضاً من حس الفكاهة اسمه «محمد علي» ذهب مرة إلى مركز الاستفتاء ووقف أمام رئيس اللجنة وقال له:

أنا وأمي وأبي وامرأتي وأولادي مجموعُنا إثنا عشر شخصاً، زكاة عافيتك حط لنا إثنا عشر ورقة «نعم» للقائد التاريخي حافظ الأسد!

لم يكن رئيس اللجنة يقل ظرفاً وخفة ظل عن محمد علي، فقال له وهو مبتسم: على علمي أن والدك متوفى من زمان؟!

كز محمد علي على شفته وقال معاتباً:

نعم، هو ميت، ولكن أريد أن أسألك: لو كان حياً هل يعقل ألا يقول «نعم»؟ 

فضحك رئيس اللجنة وقال: معك حق. وأنا إكراماً لروحه سأضع له خمس ورقات زيادة. تكرم! 
فعن أية انتخابات تتحدثين، وما هي المعجزة التي حصلت -يا صديقتي الصحفية الجميلة المحيا- حتى نستبشر نحن السوريين بالخلاص من هذا الكابوس التاريخي؟!

من كتاب "زمان الوصل"
(124)    هل أعجبتك المقالة (132)

نيزك سماوي

2014-04-06

لا يوجد لا انتخابات ولا هم من يحزنون كان هناك قمة المهازل عبر التاريخ في سوريا في ظل إغتصاب للسلطة كما ذكرت حضرتك فكيف إذا كانت السلطة مغتصبة سيكون هناك انتخابات حرة ، كل ما كان هو إرهاب ورعب وإجرام وتجويع وتخريب ممنهج لسوريا حتى وصلنا الى وصلنا اليه على يد هؤلاء الخونة المجرمين.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي