تأتي الذكرى السنوية الثانية والثلاثون لوفاة القائد العام للثورة السورية الكبرى 1925 على غير ما اعتادت عليه محافظة السويداء عموما و"القريا" بلدة المرحوم سلطان باشا الأطرش ومسقط رأسه على وجه الخصوص، إذ كان هذا اليوم وعلى مدار السنوات السابقة يشكل موعدا منتظرا لشبابها وطلابها وأحرارها لإحياء هذه الذكرى, والاحتفال بصاحبها ورفاقه من قادة الثورة, كما تأتي هذه المناسبة لتحمل في جوهرها فرصة للتعبير عن احتجاجهم, ومعارضتهم السياسية للسلطة الحاكمة.
وعادة ما يمر يوم 26 آذار ذكرى رحيل الأطرش على مدينة السويداء بين تحضيرات شبابها للاحتفال والاحتجاج من جهة, والتحضيرات الأمنية لقمعها من جهة أخرى.
"زمان الوصل" التقت عددا من شباب السويداء المراقبين المعاصرين والمشاركين في هذه الاحتفالات الاحتجاجية، حيث يروي لنا أحد المراقبين متحدثا عن نشاط أبناء المدارس في إحياء ذكرى وفاة سلطان فيقول: لعب طلاب المدارس الثانوية في محافظة السويداء الدور الأبرز في إحياء ذكرى هذا اليوم، فمن ثانوية شكيب إرسلان إلى ثانوية كمال عبيد وثانوية التجارة وثانوية الثورة، ومدرسة الفتاة إلى طلاب ثانوية شهبا وثانوية صلخد وسائر طلاب مدارس المحافظة، كانت ساحة السير وسط مدينة السويداء في هذا اليوم من كل عام على موعد معهم لتكون نقطة تلاقيهم واجتماعهم وانطلاقهم باتجاه بلدة "القريا"، حيث مرقد سلطان الأطرش الأخير, ودائما كانت الأجهزة الأمنية تقمع هذه المظاهرات وتشتتها بالقوة, وغالبا ما كان الطلاب, وشباب المحافظة ينجحون في الخروج من مدارسها والوصول إلى بلدة "القريا" بشكل أو بآخر.
في حين يحدثنا مراقب اّخر عن الآلية الأمنية التي اتبعها النظام لقمع احتجاجات الطلاب، فيكشف أن مهمة قمع حالة التمرد المنتظرة في هذه الذكرى تبدأ من داخل المدرسة نفسها، إذ يكلف الجهاز التدريسي بقيادة مدربي الفتوة الحضور العسكري للنظام داخل المؤسسة التربوية التعليمية وبمساعدة الموجهين ممثلي السلطة السياسية الحزبية البعثية-يكلفون- بكبح الطلاب ومنعهم بالقوة الخروج من المدرسة، لكن حماسة الشباب وإصرارهم دائما كان لها الغلبة، إذ لا أسوار تمنعهم ولا عصيّ تردعهم، حتى بوابات الثانويات الحديدية الموصدة بالأقفال والجنازير الثخينة لم تكن لتشكل عائقا أمام غليانهم.
وحدث وفي أكثر من مرة أن ربطت هذه الأقفال إلى سلاسل شدتها جرارات بعض المحتجين لتخلع, وليخرج طلاب المدرسة المسجونون داخلها، لتأتي بعدها مهمة القوى الأمنية ودورها في محاولة قمع المحتجين المحتفلين في هذه الذكرى وثنيهم عن الاستمرار بالتظاهر، حيث يواجهون بالضرب والاعتقال والتفريق بالغازات المسيلة للدموع أحيانا، وكثيرا ما كانت الأجهزة الأمنية تلجأ إلى تصوير المحتجين كعامل إثبات وإدانة طبعا لمشاركتهم في التظاهرات بعد اعتقالهم.
ويتابع نفس المراقب حديثة موضحا أن لحضور التنظيمات السياسية التقليدية المعارضة بمعناها الحزبي أثرا بسيطا في هذه الاحتجاجات، اقتصر على مشاركات فردية لبعض كوادرها من أصحاب التوجهات المعارضة الرافضة لخنوع تنظيماتها وانبطاحها أمام السلطات خصوصاً من شباب اليسار، وقد حدث أن اعتقلت الأجهزة الأمنية بعض شباب هذه التنظيمات إثر مشاركاتهم الفاعلة فيها. وقد أودعوا السجون لسنوات، لكن الاحتجاجات والاحتفالات في هذا اليوم كانت فعلا شعبيا عفوياً غير مسيس على الإطلاق.
إذ ترى بعض تلك التنظيمات رغم احترامها الأكيد لشخص سلطان الأطرش وموقعه وموقفه وتضحياته ومن معه، أن الاحتفال في هذا اليوم يعبر عن تكريس لحالة عشائرية عائلية لا تتوافق مع توجهاتهم وقناعاتهم الإيديولوجية والاجتماعية.
بينما يرى آخرون في هذه المناسبة فرصة متاحة لتفعيل الحراك السياسي السلمي في المحافظة، خصوصاً وأن الكثير من الشعارات التي كانت ترفع في هذه الاحتجاجات هي شعارات سياسية وهتافات مطلبية شعبية، غير أن أصحاب الرأيين كانوا يتفقون على أن النظام السوري عمل جاهدا على تهميش القيادات الوطنية في المحافظة وخصوصاً شخص القائد العام للثورة السورية سلطان الاطرش, وما كان الاهتمام الصوري الذي ظهر في محفل تأبينه يوم وفاته إلا ذراً للرماد في العيون، إذ يكفي أن سوّف وعُطّل استكمال بناء ضريحه مدة 25 عاماً، وذلك في محاولة واضحة من السلطات لتهميشه, والتعتيم عليه خوف أن يكون قبلة لزائريه ومنارة مضيئة تلعب دورا في تكريس دوره ودور رفاقه في نهجهم للخط الوطني الذي سلكوه.
إذ يعرف عن سلطان الأطرش رفضه القطعي لأي مشروع دعا لتقسيم الأرض السورية وعلى أي أساس، كما ولا يخفى على أحد انفتاحه على جميع المكونات الاجتماعية والسياسية السورية وفهمه العميق لضرورة الانتماء الوطني العام، وخطورة الانعزال والتحيز الطائفي أو المذهبي بالمعنيين السياسي والاجتماعي، كما كان سلطان باشا الأطرش شخصية حاضرة بقوة إقليمياً بسبب قدرته على صياغة علاقات صحيحة على أرضية وطنية، إذ استطاع وفي مراحل سياسية معقدة ودقيقة مرت بها المنطقة الحفاظ على علاقات نديّة محترمة خصوصاً مع المثلث الأهم في الملعب السياسي العربي والإقليمي: (السعودية) و(مصر عبد الناصر) و( لبنان كمال جنبلاط).
ولم يكن مستغرباً وفي بداية الثورة السورية الثانية 2011 أن يأتي صوت كريمته السيدة منتهى سلطان الأطرش مبكراً ليعبر صراحة عن استمرار نهج والدها الوطني بوقوفها مع ثورة الشعب السوري ضد سلطة القمع والاستبداد، ومناشدتها لأبناء بلدها بعدم نسيان تاريخهم المشرف الذي خط والدها مع رفاقه الثوار الجزء الكبير منه، كما لا يمكن نسيان أصوات الكثيرين من أبناء هذه العائلة الكريمة من أبناء وأحفاد الأطرش، ورفضهم الذل والهوان والاستكانة، ومن المعلوم أن بلدته "القريا"، قدمت ومازالت تقدم التضحيات الكبيرة على طريق حرية الشعب السوري وكرامته ممثلة فكر ونهج المجاهد سلطان باشا الأطرش خير تمثيل.
سارة عبد الحي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية