بين أنقرة ودمشق.."أنا إنسان ..ماني حيوان"

في الأمس، وخلال ما تعيشه تركيا من "صخب ديمقراطي" تمهيداً للانتخابات المحلية اليوم، تذكرت ما قاله محمد الإدلبي "أنا إنسان ماني حيوان" وضاعف إحساسي بتلك الجملة الساحرة على إيلامها، ما بدأ يشاع أخيراً حول مقارنة باطل يراد بها باطل، بين "الأمن والاستقرار" في عهد الأسدين، الأب والابن، وبين تداعيات واختلاطات الثورة، التي أريد لها -محليا وعربيا ودوليا أن تكون- وكأن السوريين حيوانات، لا همّ وتطلعات لهم، سوى الأكل والفلاحة والحماية، ليسبّحوا بحمد الديكتاتوية ويشكروا.
بداية القول: ليس موضوعي تركيا والديمقراطية التي تعيش، رغم أنها مشتهى وقاطعة حتى للحلم العربي أشواطاً ومراحل، فيكفي أن تعبر بحرية عن كل الذي تريد وتسعى الساعي للمنصب للمواطن على أنه ناخب صاحب صوت، ولا يفرض عليك عبر توجيه حزبي أو تعميم قيادة وكأنك "برغي" ضمن آلة، ستدور لتطحن، شئت أم أبيت، ولا أسهل من استبدالك ورميك في غياهب السجن أو تصفيتك، إن فكرت يوماً بحقك السياسي وناديت بالحرية والكرامة..أو خطر لك أن تنشز عن لحن وقرقعة آلة القائد الملهم والمخلص الأوحد.
ولأن تركيا ليست موضوعي، ولأن ثمة من يتهكم أخيراً على سياسة حكم "العدالة والتنمية" تعالوا لنلقِ نظرة حول نسب نتائج الانتخابات في تركيا خلال حكم هذا الحزب، وبين نسب فوز الأسدين، الأب والابن خلال حكم حزب البعث، دونما أي تعليق أو قراءة لتلك النسب، إن هنا أو هناك، فقد فاز حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عام 2011 بـ50.4% و حصد 47% من الأصوات في الانتخابات التشريعية لعام 2007 وفي العام 2002 حصل على 34% من الأصوات.
ولكن فاز الأسد الأب بنسبة 99.2%: عام 1971و بنسبة 99.9%: عام 1978 وبنسبة 100% عام 1985 وبنسبة 100% :حافظ الأسد عام 1991وفي آخر بيعة، أجل كانت الانتخابات الرئاسية في سوريا تسمى تجديد البيعة، لأن أولي الأمر نابوا عن البراغي، وبايعوا الأسد إلى الأبد، بعد أن كانت الانتخابات تسمى استفتاء، على اعتبار أن القائد هو المرشح الوحيد، جاءت النسبة نحو 100% :لحافظ الأسد عام 1999 لتتدنى النسبة قليلاً في عهد الوريث 99.7% عام 2000 وبنحو 97.6% عام 2007 قصارى القول: بدأت حملة الوريث غير الشرعي بشار الأسد لولاية ثالثة، عبر مكنة مستوردة وأدوات مضللة قوامها المقارنة بين ماكان من "أمن وأمان" وبين ما آلت إليه الحال بعد حربه على الكرامة والحرية، ولعل الصادم في الأمر، أن تلك الحملة بدأت تنطلي حتى على من يدعي الثقافة ويسعى إلى الحرية، وما أكثر من يصفعك اليوم، ومنذ مطلع الجدل العقيم، بأن البوط العسكري خير من "الأصولية الدينية" التي تقطع الرؤوس والأيدي وتريد إعادتنا للعصور الحجرية!
طبعاً، دون البحث المنطقي والمنهجي فيمن أتى بالمتطرفين كطوق نجاة، ومن رباهم في سجونه أو فتح لهم حدوده، ولا حتى التطرق إلى حق أي سوري في الحكم ونبذ التوريث في دولة لا مملكة أو اختصار سوريا بكل عراقتها ومن فيها بعصابة سرقت من أهليها، حتى الحلم.
لتأتي الخيبة مضاعفة، بعد وجهها الأول فيمن ادعى الحرية والكرامة، فبدأ يتململ أو يعود إلى"حضن الوطن"، من "عربان" ساهموا بكل ما أوتوا من رشى واستمالات روحية، ليحرفوا سكة ثورة كرامة السوريين، ليصل بهم "العهر" بترك مقعد سوريا فارغاً خلال قمة الكويت.
وتكلل الخيبة "بالكبار" الذين اكتفوا بـ"الاشمئزاز" لأن الوريث الابن سيترشح لرئاسة سوريا.
خلاصة القول: أيقن السوريون أن ثمن صمت الماضي والوصول إلى الحرية غالٍ، وصمموا على دفعه ولن يعودوا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وقد لا يكون من عظيم أهمية لكل من يؤثر على إبقاء عصابة الأسد في الحكم، إن لضمان أمن هنا أو لسيطرة وارتهان هناك، أو لدافع عقائدي أو روحي نكوصي، لأن من كسر حواجز الصمت والخوف، لن يعود قبل الوصول لمبتغاه.
ولكن، بالعودة إلى تركيا، يرفع أنصار "أردوغان" أرقاماً وحقائق في وجه الشعب والأحزاب المنافسة، تركيا تبدأ بناء أكبر مطار في العالم بسعة 150 مليون مسافر، تركيا تغلق ديون صندوق النقد الدولي البالغة ٢٤ مليار دولار، تركيا تبني ثالث جسر يوصل آسيا بأوروبا، نسبة التوظيف الحالية في تركيا 44.9 % بعدما كانت 43.8 ، “صادرات اأنقرة بلغت 151.7 مليار دولار العام الماضي”، وكانت عام 2012 قد ارتفعت 13.1% إلى 152.6 مليار دولار...والأهم ثمة تعددية وحرية ويمكنك أن تقول وتفعل ما تريد تحت مظلة وسيف القانون.
فماذا يمكن أن يقول "عبدة وعبيد البوط" في حملة سيدهم إن كان يقتل كل شهر 6000 شخص، ويهجر كل ساعة 300 شخص، ويصبح 9000 آخرين تحت خط الفقر الأدنى، ويفقد كل يوم 2500 شخص القدرة على تأمين قوتهم، ويخسر كل أسبوع 10000 شخص عملهم.
وكل يوم إضافي في بقاء الأسد يخسر الناتج المحلي الإجمالي 109 مليون دولار، وفي كل دقيقة عشرة ملايين ليرة. ونسبة نمو الناتج بلغت -60% والفقر 40% والتضخم 50% .
أما إن كان من متبجح ليقول هذه الأرقام والنسب بعد الحرب، فلن أرد من صنع الحرب وأشرف عليها ولم يزل ينفذ حتى -التقسيم- الفصل الختامي، بل سأطلب أرقام النمو والتنمية بعد 12 سنة من حكم الابن و30 من حكم الأب وليقارنها بنفسه مع خمسينيات القرن الفائت وقت كانت في سوريا بورصة وشركات مساهمة، ولم يك لوجود للإمارات العربية وكان الأتراك يأتون لحلب ليشتروا حتى احتياجاتهم اليومية.
نهاية القول: إن كانت المعدة هي الفيصل في نجاح ونجاعة الخطط والمناهج الاقتصادية، فأعتقد أن هجرة وهروب العقول والأموال والأحرار هي دليل السياسات، فإن لم نقل أن ثلث سكان سوريا مهجرون بعد الحرب، يكفي أن نذكر المغيبين أن ثمة سوريا أخرى خارج سوريا هربت منذ حكمت العصابة دمشق.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية