أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تجليات حشاش أصلي أبو طعجة

بثني صديقي الحشاش المسطول الأصلي أبو طعجة بعضاً من همومه ومعاناته، فقال وهو يشفط من سيجارته بعمق ويحاول تخزين الدخان في رئتيه:
لا أعتقد، يا صديقي، أنني سأُبَطِّل عادة تعاطي الحشيش خلال الفترة القادمة، أو، كما يقول جماعةُ السياسة: في المدى المنظور!.. فالعاقل، في هذه الأيام، برأيي، لا يتعلم عادة جديدة، ولا يُبَطِّل عادةً دَرَجَ عليها (ردحاً) من الزمان.. والمثل القديم يقول: لا تغير عادْتَكْ ولو قطعوا زَبَّارْتَكْ.. 
وزَبَّارْتَكْ: كلمة مهذبة جداً تعني: يَدَكْ!.. وقد جئتُ على ذكرها بعدما دَرَجَتْ موضة قطع أيدي السوريين في الساحات العامة، وأصبحت هذه العملية مرتعاً للفرجة ذكرتني بأيام الطفولة حينما كنا نذهب، يوم البازار، إلى الخان، وندفع ربع ليرة لنتفرج على الضبع الكاسر، عدو الإنسانية، وامرأته الخانم الضبعة المتضامنة معه على طول الخط بدليل مشاركته بـ (الهَمْر) علينا حينما كنا نقترب- نحن الأطفال- من عش الزوجية، قصدي: عش الضبعيّة الخاص بأسرتها!
وعلى سيرة تغيير العادات. البارحة وقعتْ معركةٌ حامية الوطيس بيني وبين زميلي الحشاش السلقيني السيد "أبو الإبْرات".. ههههه.. سميناه أبو الإبرات لأنه، كلما دق الكوز بالجرة، يقول لنا: أنا مرضان وسخنان وبدي روح عالدكتور وآخد إبْرات. ولأجل الزيادة في النكاية فهو يلفظها (إبْرُوت)، لأن لهجة حبايبنا أهل سلقين مُطَعَّمة على لهجة باريسية بدليل حبهم للحرف (o)، الذي تلفظه الفتاة الباريسية (والسلقينية) الجميلة فيستدير فمُها، ويصغُر، ويصبح آية في الجمال والجاذبية.. 
سببُ العَلْقة هو أن "أبو إبروت"، خلال النهار، وقبل أن نأوي إلى (القبة البيضا) لنتسلى بأخذ كم غبة حشيش، يتبسمر أمام التلفزيون ويقلب كافة المحطات الناطقة باللغة العربية، ويصغي إليها باهتمام لدرجة أنه يلصق أذنه بالشاشة حينما يسمع أحداً يتحدث عن سوريا، لئلا تفوته كلمة واحدة حتى ولو كانت حرف جر أو حرف امتناع لامتناع.. وهو لا يكتفي بالإصغاء إلى العلاك المصدي الذي تعلكه المحطات، بل يقتنع بصحة كل شيء يسمعه إلى حد أنه جاء البارحة وقال لنا إن الأزمة السورية أصبحت قريبة الحل سواء استمر الائتلاف بالـ مفاوضات (يلفظها: مُفَاوَضُوْتْ) مع وفد النظام، أم انسحب منها. 
ههنا.. أحبُّ أن أقدم لك- يا صديقي- معلومة مهمة جداً، وهي أن حبيب قلبنا الحشيش، أو "الكيف" يُرخي عضلات الإنسان ويخفف من توتر النفس، وهذا أمر مفيد في المشاجرات! يعني تبادل الضرب بالكفوف والبكوس والرفس بالأرجل بيني وبين أبو الإبروت لم يكن مؤذياً، بل كان شبيهاً بـ (الخناق) بين الرجل و"صاحبته" اللهم عافينا!
المهم، بعد كل ما حصل، سألتُ أبا الإبرات عن سبب هذا التفاؤل، ومبررات القول بأن الأزمة موشكة على الحل.. فقال لي:
عد على أصابعك، أولاً، السيدة بثينة شعبان قررتْ أن تحارب الإرهاب، مع أنني- علي الطلاق بالثلاثة- كلما نظرت في وجهها أظنها تتزنر بحزام ناسف!.. وثانياً، اكتشفتُ، من خلال متابعتي للأخبار أن هناك قاسماً مشتركاً بين دولة بيت الأسد الديكتاتورية الإجرامية الوراثية ودولة الإسلام في العراق والشام (داعش).
قلت له: ما هو؟
قال: المقابر الجماعية!.. إضافة إلى أن القانون في الدولتين لا يحاسبُ القاتل، ولا يسأله: ليش قتلت الزلمة يا عين عمك؟!
وثالثاً، في سوريا التي نحبها ونعشقها صارت عملية جَلْد الناس في الساحات العامة أمراً مألوفاً، والبنات الصغيرات غير البالغات اللواتي لا يعرفن شيئاً عن (الزلمة) أصبحن مُجبرات- في المناطق المحررة- على ارتداء الجلابيب السوداء غصباً عن إرادة الذين خلفوهن بالصرامي العتيقة.. 
حينما وصل أبو الإبرات في حديثه إلى هذه النقطة، وبدأ يغمز من قناة المناطق المحررة، ما لكم علي يمين، أحسستُ أنه عم يشبِّح للنظام، فنفختُ دخان سيجارتي وكأنه دخان ميكرو باص انبعجتْ فيه طرنبة الزيت في وجهه، فكاد أن يعمى، ونشبت المعركة التي أخبرتك عنها.. وبعدها.. شو كنت بدي أقول لك؟ والله ما بعرف. بعرف أن الشباب أهل الخير تدخلوا بيننا وصالحونا.. و..
وسكت صديقي الحشاش المسطول، وألقى رأسه بين كتفيه ونام.

(126)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي